يوماً بعد آخر تتصاعد المطالبات الصهيونيّة باغتيال زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، والذي وُصف من قبل الإعلام العبريّ بأنّه يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل “إسرائيل”، فيما دعا مجدداً نواب ومسؤولون سابقون وصحفيون إلى اغتيال السنوار.
مبررين ذلك بمسؤوليته على عملية الطعن التي وقعت الخميس المنصرم، في مدينة إلعاد، قرب يافا “تل أبيب” وسط فلسطين، وأدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة عدد آخر بينهم اثنان إصاباتهما خطيرة، وتأتي تلك المطالبات في الغالب ضمن سياق التغطية الإعلامية للإعلام العربيّ الذي يتحدث أنّه من الضروريّ اغتيال السنوار في أقرب وقت ممكن.
رغبة إسرائيليّة
نادمٌ هو العدو الإسرائيليّ على إطلاق سراح السنوار من السجون الإسرائيلية عام 2011 تسبب في تغييرات جذرية على الساحتين الفلسطينية والإقليمية بطريقة ليست في مصلحة الكيان، وذلك بعد أن وصف مسؤولو العدو الصهيونيّ المجرم رئيس المكتب السياسيّ لحماس في القطاع بالذكيّ والمر الذي حقق للحركة إنجازات غير مسبوقة باستخدام أبسط الأدوات، ولم يكن مستغرباً ما يطالب به الإسرائيليون، لأنّهم يعتبرون أنّ السنوار يتلاعب بهم، ويشددون على ضرورة اغتِياله حتّى لو جاء ذلك على حساب خوض حرب.
وبالأخص عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على غزة قبل أشهر، والتي تركت تل أبيب في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، وقد اعتبر الإعلام العبريّ أنّ “إسرائيل” فشلت في قتل المئات من مقاتلي المقاومة الإسلاميّة حماس بـ”سلاح سرّي”، وفي تقارير أخرى أشار إعلام العدو إلى أنّ ما فعله رئيس حركة “حماس” في غزة، يُشكل صفعة قاسية على وجه “إسرائيل”.
وعلى الرغم من أنّ حركة حماس لم تعلن أبداً مسؤوليها عن هذا الهجوم، لكنها رحبّت به واعتبرته رداً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، فيما يطالب الإسرائيليون باغتيال السنواربشكل صريح وعلنيّ، ويؤكدون أنّ الاخير كشف الضعف الأمني والسياسي لحكومة بينيت لابيد غانتس، ويهدد “إسرائيل” بشكل صارخ بدافع كبير من الشعور بالقوة، بعد قولهم السابق: “لا يُوجد خِيارٌ آخَر.. إنّه عدوٌّ لدود يتلاعب بِنا بقسوة”..
ما يعبر من جديد عن حجم الغضب الإسرائيليّ من الانتصار الفلسطينيّ الأخير والذي كان السنوار بطله بامتياز، وفي ذلك الحين وعلى الرغم من تصاعد نبرة التهديد الصهيونيّة بالاستمرار في سياسة الاغتيالات للتخفيف من حجم الهزيمة المدويّة، قام السنوار وقتها بزيارة بيوت الشهداء وأحياء القطاع، واعتبر معلّقون صهاينة تلك الزيارة ترسيخاً للنصر الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية.
وإنّ السنوار دعا في خطابه الأخير الفلسطينيين في الضفة والمناطق العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى شن هجمات بالأسلحة النارية والبيضاء إن تعذر ذلك، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، فيما يرى صحفيون إسرائيليون أن زعيم حركة حماس في قطاع غزة عندما يتحدث، يذكر الجميع أن الهدوء على الساحة الفلسطينية مؤقت، وأن حماس منشغلة بتكديس القوة والسلاح والتدريبات، وعندما تشعر أن الوقت مناسب فإنها ستشن هجوماً، ما يدل على أن العدو كلما حاول إخفاء هزيمته في غزة أكّد بشكل أكبر حجم ضعفه وانهياره.
ويمكن اعتبار التهديدات الأخيرة ذات دلالات ضعف كبيرة، لأنّ العدو يعتقد أنّه في حال استطاع أن يقضي على بعض القيادات البارزة يمكنه أن ينهي منهجاً مقاوماً لا يمكن أن يميل قيد أنملة عن أهدافه في القضاء على الاحتلال البغيض والعنصريّ، وإنّ المقاومة واضحة وضوح الشمس في خياراتها، ولن تأبه أبداً من أيّ خطوة إسرائيليّة لأنّها وباعتراف العدو باتت تملك مفاتيح اللعبة وأصبحت قوة رادعة للغاية، وقد شهدت المعركة الأخيرة ذلك.
ولا يخفى على أحد أنّ “إسرائيل” معروفة بوحشيتها غير المسبوقة واتباعها سياسة الاغتيال وبالأخص خلال السنوات الماضية، حيث نفذت العشرات من عمليات بحق القادة الفلسطينيين من مختلف الفصائل، وراح ضحيتها معظم قادة الصف الأول في حركة حماس، ومن ضمنهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 2004، لكن رئيس حركة حماس في قطاع غزة، لم يأبه أبداً، بل دعا مؤخراً الشعب الفلسطيني، ليتجهز لمعركة كبيرة إذا لم يكف الاحتلال عن الاعتداء على المسجد الأقصى، مشدداً على أن العدو يريد تحويل المعركة إلى معركة دينية، قائلاً: “نحن لها وقبلنا التحدي”.
حيث إنّ معركة “سيف القدس” التي ألحقت هزيمة عسكريّةً ومعنويّة غير مسبوقة في جميع الأوساط الإسرائيليّة وأدت بشكل كبير إلى إسقاط حزب الليكود وزعيمه نِتنياهو من الحكم، دفعت أجهزة الأمن التابعة للعدو الغاصب لأن تعمل بشكل مستمر لجمع المعلومات عن البطل السنوار وشريكه المهم في حرب غزة، زعيم كتائب “القسام”، المُجاهد محمد الضيف، ولكن تل أبيب فشلت فشلاً ذريعاً في خططها العدوانيّة لسبين، الأول لأنّها فشلت في الوصول إليه، وثانيّاً لأنّ القيادتين العسكريّة والأمنيّة للكيان القاتل تعلم جيداً أنّ تلك الغلطة ستكون ذات تأثير أبعد مما يتخيلون وأنّ الرد سيكون مُؤلماً ومُدمراً.
“على الحكومة الإسرائيلية أن تُنتج فورا معادلة واضحة، رأس السنوار ورفاقه في مواجهة عمليات الطعن”، هذا ما قاله النائب من حزب “الليكود” اليميني المعارض، يسرائيل كاتس الذي شغل سابقا منصب وزير الشؤون الخارجية، لكنه تناسى أن تل أبيب في حال ارتكبت غلطة تاريخيّة كبرى وتجرأت على اغتيال السنوار رغم شبه استحالة ذلك، لا شك أنّها ستدفع ثمن فعلتها بأضعاف، وستذوق أمر من طعم الهزيمة التي ذاقتها في معركة “سيف القدس” على كل المستويات، لذلك من المستبعد جداً أن تقدم القيادة الصهيونيّة على هذه المُقامرة الخطيرة.
من ناحية أخرى، أشار اللواء (احتياط) يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، ورئيس قسم العمليات في هيئة الأركان العامة أنه “يجب على إسرائيل أن تقضي على يحيى السنوار، الرجل الذي يحاول أن يحرق بكل الطرق، ويتسبب بنزيفها”، في ظل اعتراف قيادات صهيونيّة مراراً بأنّ السنوار هو شخص مذهل ومقاتل مرّ وذكي وحكيم، ومنذ أن تسلم قيادة حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” في قطاع غزة، شرعت المسيرات عند السياج الحدودي وبدأت عمليّات إطلاق البالونات والطائرات الورقية و وحدات الإرباك الليليّ، وإنّ السنوار يعرف الإسرائيليّين جيدًا، و يقرأ صحفهم العبريّة مثل (يديعوت أحرونوت) و (معاريف)، وهو على درايةٍ جيّدة بالمجتمع الصهيونيّ.
وبغض النظر عما قاله رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، النائب رام بن باراك، والنائب المتطرف بالكنيست إيتمار بن غفير، وعضو الكنيست من حزب “الليكود”، شلومو كار، بشأن تأييدهم المطلق لحدوث عملية اغتيال، يبدو أن الإسرائيليين لم يفهموا بعد التجربة الاحتلاليّة الطويلة في فلسطين.
ولم يدركوا بأنّ رجال محور المقاومة لو كانوا يأبهون التهديدات والاغتيالات، لما تحركوا بكل حرية وسهولة وشجاعة، وإنّ تهديدات العدو جوفاء ولا قيمة لها بالمطلق، في وقت تؤكّد فيه فصائل المقاومة الفلسطينيّة أنّ محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على غزة باتت وراء ظهور الفلسطينيين، ليبقى المجاهدون الكُثر كالسنوار أبرز عناوين القلق والارتِباك والرّعب والهزائم للعصابات الصهيونيّة الإجراميّة، وعنوانهم العريض “المقاومة أقوى.. ومستمرة”.
حسابات خاطئة
المشكلة تكمن في أنّ الإسرائيليين يعتقدون أنّ “زعيم حماس في غزة، دعا إلى قطع الرؤوس بالفؤوس”، متناسين الأفكار الصحيحة التي أطلقها بعض الصهاينة يوماً حول أنّه “لا يوجد زعيم فلسطينيّ من الممكن أن يتنازل عن حق العودة”، وإنّ تهديدات السنوار في رسالته للإسرائيليين خلال لقاء السنوار مع النخب الفلسطينية في ضوء تطور الأوضاع على صعيد القضية الفلسطينية، والانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة.
ويوم القدس العالمي، كانت رسالة صريحة للإسرائيليين وهي: “كفوا عن جرائمكم واعتداءاتكم، لأنّنا لن نصمت”، وقد أوضح أن “صورة اعتداء جنود الاحتلال على المسجد الأقصى ممنوع أن تتكرر”، مُهدداً بأنّ من سيأخذ تكرار صورة اعتداء الاحتلال على المسجد الأقصى فهو نفسه من أخذ باستباحة آلاف الكنائس والمعابد اليهودية على امتداد العالم.
وإنّ الإجماع الذي تشهده وسائل الإعلام الإسرائيليّة، بما في ذلك أبواق الحكومة، على ضرورة اغتيال على يحيى السنوار، لم يكن حديث اللحظة بل بدأت عقب الخطوة الجريئة –كما يصفها الصهاينة- التي أقدم عليها رئيس المكتب السياسيّ وقائد حركة حماس في قطاع غزة، في عملية “سيف القدس”، والتي غيرت “قواعد اللعبة” في مواجهة “إسرائيل”، وقيام “حماس” بشنّ معركة مضادة ضد الكيان الصهيونيّ لأوّل مرّةٍ في تاريخها.
وذلك بسبب الاعتداءات على الفلسطينيين ومنازلهم في القدس، ومن دون أيّ احتكاك سابق في قطاع غزة، وقد تُركت تل أبيب في صدمة إلى الآن من نتائج الحرب الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على غزة قبل مدة، وعلى مختلف المستويات بعد الرد الحازم لفصائل المقاومة الفلسطينيّة، يطالب السنوار كل فصائل المقاومة في قطاع غزة أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية، بعد التأكيد على أنّ “المعركة لم تنته بانتهاء رمضان بل ستبدأ بانتهائه”.
كذلك، إنّ الدعوة الصريحة لاغتيال السنوار، تأتي بعد ما وصفه محللون صهاينة بأنّه “نقطة تحوّل جديدة” تستوجب وضع يحيى السنوار في “معادلة الدم”، وفي الوقت الذي يغيب فيه الكيان الصهيوني القاتل كل القرارات الدولية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطيني والعربي وخرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض، في ظل تأكيد من السنوار بأن العمليات البطولية الأخيرة في الداخل المحتل أثبتت أن الكيان الصهيونيّ “أوهن من بيت العنكبوت”.
ومن الجدير بالذكر، أنّ رئيس حركة حماس بغزة كشف مؤخراً عن تفاصيل جديدة حول الرقم 1111 الذي أعلنه العام المنصرم بعد معركة “سيف القدس”، قائلاً إنّ الرقم يحمل اسم رشقة الشهيد الراحل ياسر عرفات وستكون البداية في الحرب المقبلة، فيما قررت المقاومة أن تكون الضربة الأولى في حال استدعى الأمر الدفاع عن الأقصى، هو إطلاق 1111 صاروخا، وهذا الرقم يرمز لذكرى استشهاد قائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات، وسيكون اسم الرشقة رشقة الشهيد أبو عمار”، وخاصة في ظل ما تشهده العاصمة الفلسطينيّة القدس من التصعيد والإصرار على مواصلة المحاولات لكسر روح الشعب الفلسطينيّ وتثبيت الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ من خلال اقتحام جنود الاحتلال الأقصى وإلقاء القنابل الغازية والصوتية داخله، والاعتداء على المصلين من مسنين ونساء وصحفيين.
في الختام وكما قال السنوار فإنّ خطة الاحتلال التي رسمتها استخباراته لقطع رأس المقاومة في غزة ذهبت هباء منثوراً، وإنّ فصائل المقاومة مصممون على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وأن الشباب الثائر الذي تصفه تل أبيب بـ “المشاغب” سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وأنّ إرهاب الكيان المنظم وفائض القوة العمياء، لن يفلح في ثني الفلسطينيين عن مواصلة نضالهم لتحرير أرضهم ونيل حريتهم، بالتزامن مع الإجرام المتصاعد لـ”إسرائيل” التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق هذا الشعب.