ما الذي تفتقر إليه الهدنة الإنسانية العسكرية في اليمن وما الأهداف التي خدمتها بالنسبة لأعداء اليمن وما الخيارات المتاحة إزاء مماطلة تحالف العدوان في تنفيذ الاستحقاقات المنصوص عليها في اتفاق الهدنة؟ وما الفرص المتاحة لإنقاذ الهدنة من الفشل في ظل سيرها برجل واحدة حتى الآن، هذا التحليل يجيب على هذه التساؤلات بلسان المراقبين.
أسكتت الهدنة المؤقتة في اليمن لعلعة الرصاص في ميادين القتال، لكنها لم تُزحزح طوق الحصار المضروب على بوابات اليمن الرئيسية في الجو والبحر، مرد ذلك بحسب رئيس تحرير صحيفة الوسط الصحفي والسياسي جمال عامر أن الهدنة خدمت بالنسبة لتحالف العدوان أهدافا مُعينة، يقول: “كان من المتوقع أن التحالف ينكث بوعده باعتبار أنه تعامل مع الهدنة كهدف مرحلي لإعادة ترتيب أوضاعه في الداخل ومن ذلك تشكيل ما سمي مجلس القيادة وإعادة ترتيب الوضع العسكري والأمني وهذا ما يزال قائما حتى الآن”.
ويوضح عامر “بالنسبة للتحالف، الهدنة كانت عبارة عن شَرك وضع أمام صنعاء أكثر منه تقديم للحل وكان الأهم بالنسبة لهم العمل على ترتيب صفوفهم في الداخل وإعادة مجلس الرياض إلى عدن في وضع آمن”.
ولا تقتصر الأهداف التي خدمتها الهدنة الإنسانية العسكرية على الملف اليمني بالنسبة للأمريكي باعتباره رأس الأفعى في العدوان على اليمن، بحسب عميد كلية الآداب د عبد الملك عيسى، الهدنة كانت طلبا أمريكيا أما لماذا فيجيب ” أمريكا رمت بثقلها في مواجهة روسيا على ساحة أوكرانيا فدفعت نحو تهدئة كل الملفات في منطقتنا، من فلسطين إلى سوريا إلى العراق”.
أمين عام حزب الشعب الديمقراطي سفيان العماري يتوقف هو الآخر عند الغاية الأمريكية “الهدنة كانت حاجة للولايات المتحدة الأمريكية ترتبط بالأحداث في شرق أوروبا من جهة والمحافظة على حالة الاستقرار في سوق الطاقة من خلال ضمان أمن خطوط إنتاجه الأهم والبحر الأحمر باعتباره ممر رئيسي لسوق الطاقة من جهة أخرى”
مرد العوز الأمريكي تنامي مخاطر تراجع إمدادات الطاقة في السوق الأمريكية والأوروبية وكبح جماح تصاعد أسعارها وهذا لم يكن يتأتى دون تأمين إنتاج أكبر مصدر عالمي للطاقة وهي السعودية من نيران المسيرات والصواريخ اليمنية، وقد حققت الهدنة ذلك خلال الشهر الماضي لكنها قد لا تفعل بعده
وتجزم هذه القراءة أن فرص تحقيق الهدنة استحقاقات اليمن منعدمة، أهم شواهد هذا الاستنتاج، بدأ العد العكسي لأيام الهدنة دون المضي قُدما ناحية رفع قيود الحصار وفي ظل تجاهل لما جرى التوافق عليه وما تضمنته الهدنة من حزمة خطوات وإجراءات توقف عندها رئيس تحرير الوسط “الهدنة عبارة عن بنود يفترض ان تنفذ بترابيتها إلا أن ما حدث هو اجتزاء لهذه البنود، ومع قبول صنعاء بتجزيء استحقاقات طبيعية كفتح مطار صنعاء ورفع الحصار عن موانئ الحديدة يواصل التحالف يواصل سياسة العقاب الجماعي ويسعى لإضافة عبء أكبر على كاهل الشعب اليمني”.
يعزز ذلك المؤشرات المرتبطة بحسابات معسكر التحالف من وراء الهدنة وتشابكها مع سياسات ثابتة ومدمرة تجاه اليمن يقول عامر “التحالف السعودي الاماراتي يرى أن ليس من مصلحته استقرار اليمن وأن يكون لديه حكومة وطنية مستقلة ونحن نرى مشاريع التقسيم والتجزئة التي يعملوا على تنفيذها حاضرة في تشكيلة مجلس الرياض”.
تظهير الهدنة في أحد وجوهها تتابع الدفع قدما بمؤامرة تقسيم اليمن التي تتموضع ضمن أجندات التحالف، منذ ما قبل 26 مارس2015 تاريخ شن العدوان الأمريكي السعودي، يؤكد أن لا علاقة للخطوات التي أمنتها الهدنة على الأرض، بتوجه أمريكي أو سعودي لإحلال السلام في اليمن، بحسب عيسى “لا يوجد مؤشرات إن اللجوء إلى الحلول السياسة وشيكا بعد انقضاء فترة الهدنة، بل يجري التحضير لتصعيد عسكري وهذا واضح من تشكيلة مجلس الاحتلال فجميع عناصره قادة حرب”.
إنقاذ الهدنة من الفشل
برسم التحالف الهدنة أقرب إلى الفشل والانهيار وفي ظل ما هو معروف من السياسة الأمريكية السعودية طوال سبع سنوات مضت فأي خفض للمواجهة في اليمن لا يمكن أن يكون ذي فاعلية دونما تنفيذه من كل الأطراف وهنا تكمن المعضلة كيف سيمتثل تحالف العدوان لتنفيذ أي اتفاق أو هدنة ومن يضمن ذلك في ضوء نكثه اللامحدود للعهود
هذا بالضبط ما تفتقر إليه الهدنة الهشة حاليا فلا هي مدفوعة بثقل دولي ضامن للتنفيذ العملاني الشامل وتجاوز عراقيل الأجندات الأمريكية العابرة للقارات برأي عميد كلية الآداب “يجب أن تكون هناك دول مُحايدة تضمن أن يفي تحالف العدوان بالتزاماته كسلطنة عمان أو سويسرا أو السويد أو غيرها من الدول، حتى يكون هناك تقدم، كما حصل إلى حد ما في اتفاق إستكهولم”.
فيما يبقى الثقل الضامن والراعي لتنفيذ تعهدات التحالف هو رافعة إنقاذ الهدنة القائمة، لا يمكن للأمم المتحدة أن تشكل هي رافعة لذلك وهذا الرأي ينطلق من قناعة شعبية عامة أن الأمم المتحدة ليس بوسعها أن تقدم شيئا لصالح حقوق وخيارات الشعوب المناهضة للسياسة الأمريكية وتجاربها ماثلة في غير دولة على امتداد تاريخها منذ نشأتها، في هذا السياق يؤكد جمال عامر “الأمم المتحدة -كما هو التحالف- تمثل جزء من مصالح المجتمع الدولي ولا رهان على أن تقدم الأمم المتحدة شيئا”.
خيارات الجبهة الوطنية
أمام مماطلة تحالف العدوان وانحياز الأمم المتحدة لأجندات إطالة أمد الحصار على اليمن ومفاقمة تبعات ذلك، ما خيارات اليمن، بحسب السياسي سفيان العماري يستلزم هذا الواقع “إعادة النظر في التعامل مع البعثة الأممية حتى تعيد البعثة الأممية أيضا النظر في أجندتها ” ثم تشير القراءة إلى أن ذلك خطوة واحدة على طريق طي
حُسن نوايا اليمن التي ما انفكت صنعاء تُثبتها بين مرحلة وأخرى وتُعيدها إلى خيار مواجهة الحصار بنيران المُسيرات والصواريخ المُجنحة يتابع العماري “طبعا نحن هنا في صنعاء أوصلنا رسالة استعدادنا للسلام وأثبت الطرف الآخر عدم جاهزيته للسلام وبالتالي المعركة هي الفاصل ”
السياسي جمال عامر بدوره يؤكد أن نمط سلوك التحالف تجاه الهدنة لا يترك خيار أمام الشعب اليمني سوى العودة للميدان باعتباره الفيصل “الميدان هو الحكم في الأخير وما لم يستطيعوا تحقيقه في سبع سنوات من الحرب، لن يحققوه بغيرها ومهما كانت المؤامرة كبيرة وعلى صنعاء أن تكون فقط أكثر حرصا ومنهجية في المواجهة”.
بين الهدنة واللا هدنة بوسع اليمن مراكمة المقاومة السياسية والتعبئة المعنوية وتنفيذ القدر المستطاع من القوة المسلحة حتى تصل قوى العدوان إلى نقطة تجد فيها أن فاتورة البقاء في اليمن مكلفة وشديدة الإرهاق ومن الصعب تحملها ولن يطول ذلك بفضل الله وعونه وما هيئ من متغيرات في غير مجال وما النصر إلا من عند الله.
المسيرة – عبدالحميد الغرباني