إذا أردنا أن نعرفَ أكثرَ عن شخصية الرئيس الشهيد يمكن لنا أن نسأل: لماذا كان هو مهندس الاتّفاق السياسي بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصار الله وشركائهم؟ ويمكن أَيْـضاً أن نتوقف عند سبب توافق كُـلّ أعضاء المجلس السياسي الأعلى على انتخاب الصماد رئيساً، ولماذا بعد ذلك كان الصماد يسأل قائد الثورة إعفائه من موقعه وتكليف شخصية أُخرى دون أن يحصل ذلك؟ وتساؤلات كثيرة يُمكن اختصار إجاباتها الطويلة أَيْـضاً بالقول كانت هناك حاجة لبناء صورة عامة عن يمن ما بعد 26 مارس 2015 ولم يكن هناك شخصيةٌ أفضلُ من صالح الصماد لتكن وجهَها.
في الذكرى الرابعة لاستشهاده، سجلت المسيرة مع بعض من عرفوه شهادة موجزة جِـدًّا عن ثُنائية شخص الصمّاد ودوره.
رجُل استثنائي
شهدت حياة الصماد العديد من المحطات الرئيسية وفي كلها كان ذا تأثير مباشر وصل ذروتَه مع تسلُّمِه رئاسةَ الجمهورية، وَقد كان ذلك بخلاف المألوف في تاريخ يمن ما بعد اثنين وَستين وتسعمِئة وألف ميلادية، فلا هو طلب الحكم كما فعل البعض قبله ولا هو نُصب حاكماً من قبل الخارج القريب وَالبعيد كما هو شأن آخرين قبله، هذا الرجل جاء إلى كُرسي الرئاسة مرة وقد فرضته الضرورة الوطنية، هذا من جهة ومن أُخرى يبرز الرجل وحيداً ومميزاً وفريداً لناحية معرفته أنه حُمل مسؤولية ولم يتقلد منصباً،
وبالتالي لا يمكن الحديث عن الصماد إلا بوصفه نموذجاً نادراً للرئاسة وقد وجدنا في حديث رفيقه في المجلس السياسي الأعلى محمد صالح النعيمي، أن استثنائية الراحل وفرادة تجربته مُهيمنة على ما سواها من المزايا، يتوقف النعيمي أولاً عند هَمِّ إعادة بناء الدولة التي أُوهم اليمنيون على مدى عقود أنهم يملكونها “كان همه الأَسَاسي هو بناء الدولة وإرساء العمل المؤسّسي واقعاً، ودائماً ما حرص على أن يقدم المسؤولون النموذج عن ذلك بشكل عملي”.
وبعد الإشارة إلى أن التعريفَ بالصماد في وقت قصير وعلى عجلٍ أمرٌ مُتعذِّر، يلفت النعيمي إلى حكمة وحنكة الصماد التي ظلت مثارَ إعجاب رفاقه في السياسي الأعلى وهم من مشاربَ متعددة “كنا دائماً نحن والإخوة في المؤتمر الشعبي وغيرهم نتفاجأ برؤيته تجاه المسؤولية وَتوليها ونجاحه في مواجهة كُـلّ التحديات وعلى رأسها حالة الاختلال في المؤسّسات العامة
وتحدي غياب حضور أنصار الله فيها والعمل على دمج القوة العسكرية والأمنية وغيرها من التحديات الكبيرة بما فيها فتنة ديسمبر”، ويعزو النعيمي نجاح الصماد في كُـلّ ذلك إلى “المبدئية وَالالتزام الصادق بقيم الثورة وتوجيهات السيد قائد الثورة دون حرف لمسارها أَو صبغها بفهمه ورؤيته، جعل الصماد ينجح في كُـلّ المسارات”.
ثم يصل الكلامُ بنا مع النعيمي إلى سؤاله عن ماذا خسرت اليمنُ باغتيال العدوان الأمريكي السعوديّ للرئيس الصماد؟ فكان أن رد “خسرت اليمن رجلاً وزعيماً استثنائيًّا لا يمكن أن يغطي مكانه أحد، وفعلاً كما قيل كشف من قبله وسيتعب كُـلّ من سيأتون بعده”، ويضيف النعيمي وقد اغرورقت عيناه بالدمع “الشهيد الصماد رجل استثنائي وشخصية نادرة ولن يتكرّر على مدى عشرات السنين القادمة”.
نَمطٌ نادر
هذه الشهادات المقتضبة التي أجريناها على عجل -وهذا ولا ريب تقصير منّا- تقفُ عند ثنائية الدور والشخصية للشهيد الرئيس التي تكاملت في غير مرحلة، والأمر بمثابة تنبيه إلى أن ميزات الرجل ترتبط أَيْـضاً بشخصيته الفذة والحكيمة التي وجدت ذروة تجليها مع كُـلّ دور مهم أسند إليه ولعبه في غير محطة من محطات مسيرة أنصار الله القرآنية.
الفريق الركن جلال الرويشان -نائب رئيس الوزراء للشؤون الدفاع والأمن- يستهل شهادته بالإشارة إلى أن “الحديث عن الراحل، حديث عن رجل دولة من طراز رفيع من طراز نادر جِـدًّا جاء في لحظات حرجة من تاريخ اليمن”، ثم تقف هذه الشهادة عند إعادة الصماد التواصل مع الوطن من موقع المسؤولية لا من كُرسي الحُكم والرئاسة، يقول الرويشان: “كان الرئيس الصماد يتحدث باسم اليمن باسم الوطن وَيتحَرّك باسم الدولة وكأنه مر عليه في السلطة عشرات السنين،
هذه الشخصية هي التي دفعت الكثير من أبناء القوات المسلحة والأمن إلى الالتحاق بالجبهات ومقاومة العدوان”، ويتابع “نعرف الظروف التي مرت بها البلاد فور توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى وبالتالي كانت شخصيته العلامة الفارقة في الحفاظ على المؤسّسة العسكرية والأمنية بحيث تبقى وتظل متماسكة، كان حديثه مع القيادات العسكرية والأمنية لغة قرآنية فاستطاع في فترة وجيزة جِـدًّا أن يزيل اللبس والغموض الذي كان يدور في ذهن الكثير”.
في هذا السياق، برزت حنكة حشده نبض البلد بشكل عام وَالمؤسّسة العسكرية والأمنية بشكل خاص لمواجهة العدوان الأمريكي والسعوديّ، وبحسب شهادة الرويشان كان للصماد أثرُه اللامحدود في نفوس وَعقول منتسبي القوات المسلحة والأمن على مستوى الأفراد والقيادات “شخصيات كثيرة تأثروا بشخصية الشهيد الصماد وبخطابه الديني والتربوي وَالسياسي والرسمي، هذه الشخصية النادرة هي التي حافظت على تماسك المؤسّسة العسكرية والأمنية”.
دولةٌ للشعب
في حاضر اليمن الرئيس الصماد شخصية استثنائية وَتظل تجربته في إدارة الدولة، ظاهرة وطنية فريدة، وفقط تجد دوام استمرارها مع ذات الصور الملتحمة بهموم الشعب، أي بملحمة وفاء للشهيد في النصف الآخر من مشروع بناء الدولة الذي أطلقه الشهيد الرئيس تحت شعار “يد تحمي ويد تبني” شهادة نائب رئيس الوزراء لتنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة في هذا السياق تؤكّـد سير خطوات البناء “استهدفنا أولاً البناء المؤسّسي، من حَيثُ إصلاح بعض القوانين وَبناء قدرة العاملين في أجهزة ومؤسّسات الدولة والعمل على أتمتة المؤسّسات وَتحقيق المستهدفات الاقتصادية وإصلاح كثير من الاختلالات الموجودة في هيكل الدولة”.
وبموازاة الإصلاح لجهاز الدولة وتمتين بنيتها وتعزيز الدور الخدمي والتنموي، دارت عجلة البناء لمؤسّسات عملانية أثبتت فاعليتها وجدوائيتها وواجهت خطط الإفقار للشعب، يقول الجنيد: “بالانطلاق من استراتيجيات بناء الدولة أنشئت الهيئة العامة للزكاة والهيئة العامة للأوقاف وغيرهما على طريق العمل على مسار البناء الاجتماعي حتى يصبح لدينا دولة تخدم المواطنين أَو حتى نجد في اليمن دولة للشعب وليس شعب للدولة كما أشار الرئيس الشهيد صالح الصماد”.
نائب رئيس الوزراء لتنفيذ الرؤية الوطنية ختم حديثه إلينا بالتأكيد أن المواطن سيلمس نتائج مُرضية، وحملت شهادته إشارات متفرقة إلى أن يدَ الرئيس الشهيد تبني وأن الرئاسة والحكومة قد وضعتا مشروعه برنامج عمل وأن الخطوات في هذا الميدان تتوالى رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وعلى الرغم أَيْـضاً من الإرث الثقيل الذي خلفته عقود ما قبل الـ ٢١ من سبتمبر 2014
لكن المأمول أن تتسارع الخُطى وأن نشهد ثورة في مسار البناء كما هو الحال في مسار الحماية التي حجز اليمن معها موقعاً متقدماً كقوة عسكرية في المنطقة ومن هنا المعول أن لا تشاهد جماهير الشعب الرئاسة والحكومة (السلطة التنفيذية) تراوحُ مربعاً محدوداً بالنسبة للنصف الآخر من مشروع الرئيس الشهيد وَأن تتلطى بعض المؤسّسات وراء تحديات العدوان وإرث الماضي.
الصمادُ باقٍ
قبيل أن نطويَ هذه المادة يمكنُ أن نعودَ ونسأل: لماذا كان الصماد هو الرجل الأول -بعد السيد قائد الثورة يحفظه الله- في قائمة الاستهداف الأمريكي السعوديّ؟ لربما كانت قيادات تحالف العدوان قد انتهت قبيل تنفيذ عملية الاغتيال إلى أن النتائج التي سيُرتبها نجاح تصفية الصمّاد من ساحة الاشتباك، ستكون مدمّـرة الأثر بالنسبة للجبهة اليمنية التي تقاوم إدامة الوصاية على الشعب اليمني وَتسعى لبناء دولة مُستقلة، ما من شك أن الجمهورية اليمنية تلقت نهاية الربع الأول من العام 2018 م ضربة موجعة، لكن من السذاجة بمكان افتراض أن اليمن سيتراجع عن بناء الدولة اليمنية المستقلة نتيجة لغياب الصّماد عن سُدة الرئاسة.
وفي ذات الوقت من المهم عدمُ الاستهانة بشدة وطأة اغتياله على أكثرَ من مجال أَو قُل على ديناميكية الحركة التي يطلبها الاشتباك مع تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ وهذا بالتالي يفرض ملأ كامل مساحة الفراغ الذي تركها الشهيد الرئيس وَبين هذا وذاك يظل الصماد شخصية محورية التأثير تُنَمِّيه الشهادة كما قدمته المسيرة نموذجًا لولاية الأمر والمسؤولية.
المسيرة نت – عبدالحميد الغرباني