مصير عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني بعد حل البرلمان يبدو غامضاً، وهو معلق بثلاثة أطراف: المحكمة العليا، والشارع الباكستاني، والجيش.
وغرقت باكستان في مستنقع أزمةٍ دستورية بعد أن رفض نائب رئيس البرلمان الموالي لخان المذكرة التي قدمتها المعارضة لسحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، وذلك بحجة كونها جزءاً من “مؤامرةٍ أجنبية”، ثم قام رئيس البلاد عارف علوي بحل البرلمان بناءً على نصيحة خان.
ولهذا قام تحالف المعارضة، الذي تقدم بمذكرة سحب الثقة إلى الجمعية الوطنية في الثامن من مارس/آذار، بالطعن في قرار نائب رئيس أمام المحكمة العليا للبلاد.
لماذا حاولت المعارضة عزل خان؟
عملت المعارضة الباكستانية على الإطاحة برئيس الوزراء عمران لأسباب معلنة وغير معلنة، فمن المعلن كان الغلاء والتضخم واستشراء الفساد وتردي الوضع الاقتصادي. أما غير المعلن فيتمثل في:
إقرار البرلمان الباكستاني منح المغتربين الباكستانيين حق التصويت، وهو ما سيضع قرابة 6 ملايين صوت في صندوق عمران خان الانتخابي، بحكم شعبيته الطاغية بين المغتربين.
إقرار البرلمان الباكستاني استخدام التصويت الإلكتروني، وهو ما تراه المعارضة الباكستانية غير صالح للتطبيق؛ لأنه من السهل اختراقه والتلاعب به.
حديث عن مؤامرة أمريكية
لا شك أن رفض مذكرة سحب الثقة وحلّ البرلمان يُثيران التساؤلات حول الدستور الباكستاني بالكامل، حيث جرت الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن المحكمة العليا لا يزال بإمكانها إلغاء القرار الرئاسي.
وتدور الأزمة في محورها حول وثيقةٍ تحدّث عنها خان، تدّعي أن مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو، قد حذّر المبعوث الباكستاني أسد مجيد من “عواقب وخيمة” على باكستان حال بقاء خان في السلطة.
مصير عمران خان
وبحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن ما يسمى بخطاب التهديد هو برقية عاجلة من سفير باكستان السابق لدى الولايات المتحدة أسد مجيد، حول محادثة غير رسمية مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو.
واستدعت الخارجية الباكستانية القائم بأعمال السفير الأمريكي للاحتجاج على ما قالت إنه دعم من قبل الولايات المتحدة لمساعي المعارضة، للإطاحة برئيس الوزراء عمران خان، الذي اتهم الغرب بالعمل على إسقاطه، لأنه يرفض الاصطفاف ضد روسيا.
وقال خان لقناةٍ إخبارية محلية: “من الواضح الآن أن المؤامرة قد جرى تدبيرها في الخارج، والجميع يعلم ذلك، لقد سلّمنا احتجاجاً رسمياً إلى السفارة الأمريكية، وأخبرناهم بأنهم تدخلوا في تصويت سحب الثقة”.
بينما نفت الولايات المتحدة بشكلٍ قاطع تدخلها في الشؤون الداخلية الباكستانية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن “هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة”.
الغرب غاضب من خان
وزار خان موسكو، الشهر الماضي، ليعقد اجتماعاً مع الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك في نفس يوم بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
كان خان صرّح بأنّ باكستان “ليست عبداً” للأوروبيين، بعد مطالبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إسلام آباد بإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما قال رئيس الوزراء الباكستاني أيضاً إنه تلقى رسالة تهديد من واشنطن، قائلاً: “هددت أمريكا بإسقاط حكومتي لأنني رفضت إقامة قواعد عسكرية لها في أرضنا”.
ويقول محللون إنّ خان يحاول قلب الرأي العام ضد معارضيه، عن طريق اتهام الغرب بالتدخل. إذ أوضح مشرف زايدي، المحلل السياسي الباكستاني: “من الواضح أن رئيس الوزراء اختار منصة مناهضة الغرب من أجل الانتخابات المقبلة”، حسبما نقلت عنه شبكة DW الألمانية.
ومؤخراً، خرج رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بخطاب مباشر، يتحدث فيه للشعب الباكستاني، قال فيه إن باكستان خسرت الكثير بسبب دعمها للولايات المتحدة، ولكن لم ينظر إليها يوماً على أنها دولة صديقة، بل إنها دولة وظيفية.
مبيناً موقفه تجاه الولايات المتحدة، وكيف أنه كان السياسي الوحيد الذي عارض هجمات الولايات المتحدة بالطائرات المسيرة على أراضي باكستان، وكيف أن باكستان قتلت شعبها من أجل عيون الولايات المتحدة، وأن إسلام آباد خسرت 80 ألف شخص بسبب هذا، وكيف أن منطقة آمنة مثل منطقة القبائل الحدودية- وزيرستان- تحولت لبرك من الدماء بسبب الولايات المتحدة.
ما هي المادة التي منعت البرلمان من النظر في سحب الثقة عن خان؟
عندما أتى موعد التصويت في البرلمان على حجب الثقة عن خان، تقدم وزير القانون الباكستاني بتكليف فؤاد تشوهدري لنائب رئيس البرلمان، مبيناً حق المعارضة الباكستانية في إجراء تصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان.
ولكن في حال كانت هذه المعارضة وهذا المشروع يأتي عبر إملاءات خارجية، فإن هذا يتعارض مع المادة 5/أ من الدستور الباكستاني، والتي تقضي بأن “ولاء المواطن الباكستاني لباكستان فرض عليه”، وهو ما أقره نائب رئيس البرلمان ليصدر قراره برفض مشروع سحب الثقة الذي تقدمت به المعارضة الباكستانية.
وصف شهباز شريف، من حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية المعارض، حلّ البرلمان بأنه “خيانةٌ عظمى”.
وأفاد لوسائل الإعلام الباكستانية قائلاً: “لقد دفع خان بالبلاد إلى الفوضى، وستكون هناك عواقب لهذا الانتهاك الصارخ والسافر على الدستور”.
ويرى محللون سياسيون وقانونيون غربيون أنّ رفض مذكرة المعارضة لسحب الثقة سيكون له عواقب وخيمة على التكوين الديمقراطي لباكستان.
وقال مايكل كوغلمان، خبير جنوب آسيا في Woodrow Wilson Center for Scholars، لشبكة DW الألمانية: “تمثل الأحداث في باكستان محاولةً أخرى من زعيمٍ باكستاني للتحايل على العملية الديمقراطية. إذ إن إفلات عمران خان من تصويت سحب الثقة قد قوّض آليةً مفروضة دستورياً بحجة المؤامرة الأجنبية التي تفتقر للأدلة، حسب قوله.
ويقول الخبراء أيضاً إن رئيس الجمعية الوطنية ونوابه يجب أن يلتزموا الحياد بموجب الدستور.
إذ أوضح أسامة مالك، الخبير القانون المقيم في إسلام آباد، للشبكة الألمانية: “لقد كان هجوماً غير مسبوقٍ على الديمقراطية والدستور بواسطة حكومةٍ منتخبة. وفي حال اعتبار خطوات القائم بأعمال رئيس البرلمان خطواتٍ شرعية، فسوف يُسمح لكل حكومةٍ مستقبلية بأن تستخدم مؤامرةً مزعومة لإلغاء تصويت سحب الثقة”.
أما مديحة أفضل، خبيرة الشؤون الباكستانية والأفغانية في Brookings Institution، فقالت إن الحكومة “حوّلت أزمةً سياسية إلى أزمةٍ دستورية بوسائل غير دستورية، لقد هدموا سيادة القانون في البلاد، ولا شك أنها انتكاسةٌ بالنسبة للديمقراطية الباكستانية”.
مصير عمران خان يتوقف على ثلاثة سيناريوهات للمحكمة العليا
يمكن أن تأمر المحكمة العليا بإعادة تشكيل البرلمان، أو الدعوة إلى انتخابات جديدة، أو منع خان من الترشح مرة أخرى إذا تبين أنه تصرف بطريقة غير دستورية.
كذلك يمكن للمحكمة أن تقرر أنها لا تستطيع التدخل في الشؤون البرلمانية، ويقول خان إنه لم يتصرف بطريقة غير دستورية، واصفاً خطوة الإطاحة به بأنها مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة، وهو ادعاء تنفيه واشنطن.
هل سيتدخل الجيش؟
حافظ الجيش الباكستاني على حياده حتى الآن، لكن الأزمة السياسية المستمرة قد تعرض أمن البلاد للخطر.
وقال الميجر جنرال بابار افتخار، رئيس قسم العلاقات العامة بالجيش الباكستاني، لوكالة “رويترز”، رداً على سؤال بشأن مشاركة المؤسسة في تطورات اليوم، وخاصة ما يتعلق بحل البرلمان الباكستاني: “الجيش لا علاقة له بالعملية السياسية”.
وفي هذا السياق، قال الجنرال الذي بات محللاً سياسياً، طلعت مسعود: “الخيار الأفضل في هذا الوضع هو إجراء انتخابات جديدة، لتمكين الحكومة الجديدة من التعامل مع المشاكل الاقتصادية والسياسية والخارجية التي تواجهها البلاد”.
قائد الجيش ينأى بنفسه عن انتقادات خان للولايات المتحدة
ولم يتضح بعد إلى أي مدى سيحافظ قائد الجيش النافذ الجنرال قمر جاويد باجوا على لا مبالاته الظاهرية بالأزمة، لكن قائد الجيش أوضح موقفه بجلاءٍ على الصعيد الأمريكي يوم السبت الثاني من أبريل/نيسان.
وانتقد الجنرال باجوا الهجوم الروسي على أوكرانيا في خطابٍ أمام حوارٍ أمني دولي بإسلام آباد، واصفاً الهجوم بأنه “مأساةٌ كبيرة”، قبل أن يؤكد على علاقات بلاده الطيبة مع واشنطن. كما قال باجوا إن باكستان ترغب في توثيق علاقاتها بالصين والولايات المتحدة على حدٍّ سواء.
ومن الواضح أن تصريحات الجنرال كانت مختلفةً عن موقف خان المناهض للولايات المتحدة.
وقال كوغلمان “الجيش أوضح أنه ليس متورطاً في قرار عمران خان، كما نعلم أن قائد الجيش كان على خلافٍ مع رئيس الوزراء، ما يشير على الأقل إلى أن الجيش لن يخرج عن النص ويحاول مساعدة خان في حال قررت المحاكم إلغاء قراره، كما لن يتسنى له الاعتماد على أي خدمات من الجيش خلال الفترة التي ستسبق الانتخابات المبكرة المحتملة”.
هل يفوز خان بالانتخابات القادمة؟
ولا يزال عمران خان، الذي انتخب في يوليو/تموز 2018، متعهداً بمعالجة الفساد وإصلاح الاقتصاد، يحظى بشعبية لدى بعض الناخبين، رغم فقده الكثير من الدعم نتيجة زيادة كبيرة في التضخم والديون الخارجية.
ولا شك أن موقف خان المناهض للولايات المتحدة قد أعاد إشعال شعبيته، لكن المحللين يقولون إن فوز خان بالاستطلاعات الفورية ليس أمراً مضموناً.
وقال مديحة: “لم يتضح بعد ما إذا كان حزب خان قادراً على الفوز بمقاعد كافية في البرلمان خلال الانتخابات المقبلة، وخاصةً في غياب دعم الجيش”.
بينما يرى المحلل كوغلمان أن خان قد أعاد تنشيط قاعدته الانتخابية خلال الأيام الأخيرة، لكنه سيواجه “تحديات وسط جمهور الناخبين الأوسع، نتيجة أدائه الضعيف، في محاولة تخفيف الضغوط الاقتصادية، التي تتضمن واحداً من أعلى معدلات التضخم في جنوب آسيا”.
وخلال خطابه المتلفز بعد فشل التصويت على حجب الثقة، قال خان إنه “يجب على الأمة الاستعداد للانتخابات المقبلة”. وحسب المصادر الباكستانية وبعض وسائل الإعلام، فإن الانتخابات ستجرى في غضون 90 يوماً.
وتلوم أحزاب المعارضة خان على سوء إدارته الاقتصادية، وقمعه المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، إذ ارتفعت معدلات التضخم والبطالة عدة أضعاف منذ تولي خان مقاليد البلاد عام 2018.
في حين أقرّ الخبير القانوني مالك، بأن الخطاب المناهض للولايات المتحدة هو عبارةٌ عن شعاراتٍ شعبوية تلقى الاستحسان في السياسة الباكستانية، لكن خان يواجه تحدياً عصيباً من جانب أحزاب المعارضة، وخاصةً من جانب الرابطة الإسلامية في أكثر مقاطعات البلاد كثافةً سكانية: البنجاب.
في المقابل، يرى البعض أن وضع المعارضة الباكستانية حرج، إذ أصبحت أمام الشارع الباكستاني عميلة وممولة من الخارج، وقد تواجه في الأيام القادمة استدعاءات قضائية، هذا إن لم تستخدم المادة 6 من الدستور الباكستاني ضدهم، وهي المادة الخاصة بالخيانة العظمى.
وتساعد خطابات خان الجماهيرية على حشد الدعم الشعبي على المدى الطويل، وهو ما سيكون مفيداً في الانتخابات المحتملة، حسب موقع the Diplomat الياباني.
ويقول المحلل حذيفة فريد، في تصريح لموقع الجزيرة، إن حل البرلمان والحكومة إجراء انتخابات مبكرة يعدان “الفرصة الكبرى” بالنسبة لعمران خان حالياً، حتى يحظى بالمزيد من الشعبية.
ويضيف فريد أن التصويت الإلكتروني واقتراع المغتربين يعطيان فرصة كبيرة لعمران خان للفوز في الانتخابات القادمة والحصول على أغلبية تصل إلى ثلثي البرلمان كما وعد في خطابه الأخير.
وقال المحلل جاويد رانا إن خان أصبح يحظى بشعبية بسبب حديثه المتكرر عن المؤامرة الخارجية (الأمريكية)، ولذلك فإنه يعتقد أنه سينجح في الانتخابات الجديدة.