تقدّم تجربة الهدنة اليمنية فرصة للفلسطينيين الذين يستعدون لجولة مواجهة تبدو حتمية الوقوع، لقراءة الخطوات التكتيكية التي يمكن السير باتجاهها وجعلها أهدافاً لجولتهم المقبلة، حيث في اليمن يبدو صعباً القول إن قضايا الحل النهائيّ باتت واضحة، سواء لجهة مستقبل النظام السياسي أو وضع جنوب اليمن أو مضيق باب المندب.
وكلها قضايا قد تُعيد تفجير الوضع العسكري، لكن نجاح معادلة الردع أنها وضعت إطاراً للمواجهة العسكرية المقبلة بوضع استهداف العمق السعوديّ ومنشآته الحيوية مقابل الحصار والغارات الجوية على صنعاء والحديدة، بما يضمن عمل المطار والمرفأ في أي جولة مقبلة، طالما أن السعودية تريد تفادي استهداف عمقها.
في فلسطين التي لم يعُد ممكناً الحديث عن لجم مسار التصعيد فيها، كثيرة هي القضايا التي تشكل هموماً واهتمامات فلسطينية، بعيداً عن الحل النهائي الذي لا وهم لدى أي من الفلسطينيين بإمكانية جعله هدفاً للجولة المقبلة، سواء بمنظور دعاة قيام دولة على الأراضي المحتلة عام 67 أو دعاة التحرير الشامل لكل فلسطين، فميزان القوى الذي ستنتجه الجولة المقبلة محسوم أنه سيحسّن من وضع الفلسطينيين، لكن محسوم أيضاً أنه لن يكون كافياً لفتح ملفات بحجم القضايا النهائيّة.
ثلاثة أهداف تكتيكية تطرح على الفلسطينيين كعناوين محتملة للجولة المقبلة، المطالبة بضمانات دولية وإقليمية لتجميد إجراءات الإخلاء في القدس ووقف التعديات على المسجد الأقصى، والمطالبة بحماية دوليّة في الضفة الغربية أو المناطق المحتلة عام 48، أو كلتيهما.
وهذان هدفان يعني تحقيقهما تغييراً بنيوياً في وضع الكيان، وتغييراً في موازين القوى لا تبدو الجولة المقبلة قادرة على إنتاجه، فضمانات حماية القدس تعني تسليماً بنزع الطابع العقائدي الصهيوني المتمحور حول القدس للكيان، وإنهاء الدور القيادي للمستوطنين والتيارات الدينية المتطرفة.
ومثل هذه التنازلات تحتاج حكومة علمانيّة قوية بمثل حكومات حزب العمل قبل عقود مضت وانتهت بقتل إسحق رابين ويصعب أن تعود، أما الحماية الدولية وتعني تسليماً من الكيان بدخول مرحلة العجز العسكري من جهة، والخضوع لمعادلات يكون للقرارات الدولية دور وحيّز، وهو ما عملت «إسرائيل» منذ نشأتها على القتال لمنع حدوثه، من جهة مقابلة.
يبدو هدف رفع الحصار عن غزة، التي شكلت للقدس والضفة ظهير الحماية ومصدر قدرة الردع، وستلعب الدور ذاته مع تصاعد الجولة المقبلة، هدفاً جامعاً، يوفر مزيداً من الحماية للقدس والضفة وأراضي الـ 48، كما يحقق مكسباً طال انتظاره لأهل غزة لقاء تضحيات كبيرة قدّموها في المواجهات المتلاحقة، وهو هدف يمكن توفير أرضية داعمة لتحقيقه دولياً بقوة أكبر من أي هدف آخر.
كما أن موازين القوى ستعيده الى الواجهة كعنوان لجولات سابقة وتعهدات لم يتم الوفاء بتحقيقها، وسيترتب على تحقيق هذا الهدف جعل استهداف عمق الكيان مقابل العودة للحصار كإطار لمعادلة الردع، ما يرفع سقفها درجات عديدة.
______
ناصر قنديل