ناصر قنديل
– في ذكرى مرور سبع سنوات على الحرب التي شنّها التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن، بدا ان وقف إطلاق النار او الهدنة العسكرية تدخل حيز التنفيذ، بعدما استجابت للشروط التي وضعها أنصار الله، عبر ربط وقف النار برفع الحصار، بفتح مطار صنعاء وميناء الحُدَيدة. وهذا ليس حدثاً عادياً بعد سبع سنوات دفع خلالها اليمنيون أثماناً غالية للدفاع عن كرامتهم وسيادتهم، كما نجحوا بتغيير المعادلة الخليجية والعربية والإقليمية وهم يخوضون حربهم الدفاعيّة المشروعة. ومهما كانت الطرق المتعرّجة والملتوية لصيغة وقف النار أو الهدنة، بالحديث عن فتح مشروط للمطار والمرفأ، يعرف كل معني بالحرب أن ذلك من باب حفظ ماء الوجه لصاحب قرار الحرب السعودي، وليس تعبيراً عن منظوره لوقف النار، الذي بقي دائماً يتجاهل رفع الحصار كشرط لوقف النار، وبقي يفشل لأن الفريق المعني بالحرب وهو المين، لم تكن تمثله حكومة منصور هادي، بل أنصار الله وحكومة صنعاء، ولهذا الفريق شروط لوقف النار، ولديه القدرة على رفض تجاوزها.
– خلال سبع سنوات تحوّل عنوان رفع الحصار الى التعبير السياسي الرئيسي عن تميّز حكومة صنعاء وأنصار الله في مقاربة وقف النار. فلا أحد سواهم يرفع هذا الشعار، لكن السبب في ذلك هو أن ربط وقف النار برفع الحصار ليس شأناً لوجستياً بل هو كل الشأن السياسي في الحرب، لأن الحصار هو الحضور الأبرز لتوصيف الدور السعودي كشريك في الحرب ومسؤول عنها، يسقط عنه صفة الراعي والمحايد، وينفي نظرية الحرب اليمنية اليمنية، ولأن الحصار هو السلاح الأمضى لتركيع الشعب اليمني وفرض الاستسلام عليه، وهو سلاح صامت وغير مكلف كسلاح الدمار والخراب والقتل. والحصار بالتالي آلة ذهبيّة لتغيير موازين القوى دون تحمل كلفة مادية ومعنوية للحرب، بينما رفع الحصار بوابة لتغيير معاكس في موازين القوى، حيث يلمس اليمنيّون بعائدات رفع الحصار ثمرة الصمود والتضحيات, يشعرون بمعنى أنهم ينتصرون في الحرب.
– هذه المعادلة ما كانت لتتحقق لولا صمود أسطوري لليمن يفوق كل الحسابات، ولكن ما كان للصمود وحده أن يصنع هذه المعادلة الجديدة في عالم ظالم لا يريد أن يسمع شيئاً عن مظلومية اليمن، وكان عائد الصمود الوحيد هو صناعة معادلة توصيف الحرب بالعبثيّة، أي التشكيك بجدوى مواصلتها، لكن الصمود عندما ترافق مع بناء قدرة ردع تمثلت بالسلاح الصاروخيّ وسلاح الطائرات المسيَّرة لليمنيين، وتمكّن هذا السلاح من رسم معادلة العمق بالعمق بين اليمن والسعودية، وصولاً لتهديد المنشآت النفطية الحيوية التي يرتبط بها موقع السعودية في سوق الطاقة العالمي، وفقاً للبيان السعودي الأخير بعد إصابة منشآت أرامكو واعتذار السعودية عن الوفاء بالتزاماتها في السوق العالميّة، حتى صارت مواصلة الحرب شديدة الكلفة وليست عديمة العائدات فقط، وصار وقف الحرب مصلحة سعوديّة، وليس تدبيراً سياسياً عاقلاً فقط.
– الواضح أن السعودية تسعى لملاقاة شروط أنصار الله بطريقة متعرّجة تحول دون الإحراج وتظهيرها مهزومة، فاختارت أن تعلن هي مبادرة لحوار يمني يمني تعلم أن انصار الله لن يتجاوبوا معها، واختارت ان تكون المبادرة باسم مجلس التعاون الخليجي، وأن تطلق معها دعوة لوقف النار، ثم تسلم للمبعوث الأممي مشروعاً لضمان نجاح الهدنة في رمضان، لكنها زوّدته بالاستعداد لتلبية الشرط الذي تعلم أن أنصار الله لن يقبلوا بالهدنة بدونه، وهو فتح المطار والمرفأ، واختارت أن يكون الإعلان تحت شعار رحلات منتقاة، ما يجعل الهدنة قواعد اشتباك جديدة، سيتعامل معها أنصار الله بالمفرق لا بالجملة، ويضعون مقابلها معادلة موازية لحدود تطبيق الهدنة، والجبهات التي تشملها، وفقاً للشروط التي يتم وضعها على حركة المطار والمرفأ.
– ما يجعل التوقعات بسريان الهدنة، وتقديم السعودية ما يجعل تنفيذها ميسراً، أكبر من مخاطر التعثر، هو أن السعودية تتعامل مع الملف اليمني ضمن حزمة ملفات لا يمنحها أي منها فرصة المناورة. فهي تشهد تهرّب واشنطن من خوض الحرب الى جانب أوكرانيا. وتشهد صعود روسيا والصين كحلف عالمي يعلن سعيه لنظام عالمي جديد. وتشهد تسليم واشنطن بمكانة إيران الإقليميّة والعجز عن فرض شروط تغيير السياسات عليها مقابل رفع العقوبات في سياق العودة للاتفاق النوويّ، والحرب على اليمن وقد باتت بلا جدوى، وباتت عالية الكلفة، ومهدّدة بفقدان وظيفتها الإقليمية والدولية مع توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، بات وقفها جواز مرور لحجز مقعد للسعوديّة في منطقة الأمان بين محورين عالميين إقليميين كبيرين كانت السعودية أحد العناصر الفاعلة في أحدهما، محور أميركي أوروبي، ومحور روسي صيني إيراني.
– النصر العظيم ثمرة الصبر العظيم. هذا كان شعار اليمنيين، وهم الآن يتلقون أولى بشائر مسارهم القائم بالتضحيات، وعيونهم مفتوحة على كل المتغيّرات، وأيديهم على الزناد.
ناصر قنديل