“خاص”
قبيل مشـاورات الكويت 2016م، تقدمت عدداً من الدول للوفد الوطني بضمانات بأن الأمر سيكون على ما يرام وأن هناك نوايا دولية جدية لوقف العدوان، وما حدث أن تحالف العدوان جاء ليفرض شروط المنتصر متجاهلاً بكل صفاقة عدوان له تبعاته القانونية، تعلم اليمنيين حينها أنه مهما زادت اتصالات ومراسلات قارات العالم، فلن يفيد ذلك في فك الحصار وإيقاف العدوان بشكل فوري على النحو المؤمل لأي طرف وطني وكاستحقاق إنساني طبيعي.
تزامن ذلك الدرس، بدرس آخر مصحوب بعجز الأمم المتحدة عن ضمان إيصال الوفد الوطني إلى مطار صنعاء بسلام، عقب انسداد أفق مشـاورات الكويت، كاستحقاق يعتبر من المعيب الخوض في تفاصيله، ومن ثالثة الأثافي أطلت رباعية من الأفاعي بالحقد الزؤام على شكل “أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات”، فكان الدرس المفهوم بإرادة الرباعية تحطيم اليمن أرضاً وانساناً، وانتهاجها استراتيجية الانتفاع من الحرب والانتقام من مشروع الثورة التحررية في اليمن وما تعنيه أبجدياتها على المستوى الداخلي والخارجي، في منطقة مأزومة بكساح تراجع الرجل المريض، مع هزيمة العدوان الكوني على سوريا وتقهقر المشروع التكفيري في المنطقة وصمود وصلابة اليمن والقفزات التي حققها الملف النووي الإيراني، وبات أمام ساحة العزاء الأمريكية للأيتام خيارات إجبارية “أحلاها مر” من بوابة الساحل ونهم صنعاء مترافقاً مع ضغط اقتصادي قاتل ومميت.
أوراق الرباعية
دفعت الرباعية بأوراقها على الساحة، لكن الوقت كان فعلياً قد فات، فالقيادة الثورية كانت على استعداد تام لأسوأ السيناريوهات، وانتهجت استراتيجية تصاعدية معززة “الصمود والثبات”، وبلغ تصعيد الرباعية أوجه مع فشل ورقة “فتنة عفاش” ونقل البنك المركزي وعسكرة الساحل الغربي، بإشراف وإدارة إسرائيلية مباشرة، باعتراف وزير خارجية الكيان السابق “يسرائيل كاتس” مؤخراً في مقابلة نشر الصحفي الصهيوني “اموس هاريل” جزءاً منها، مطلع مارس الحالي، مؤكداً أن “معركة الحديدة جاءت نتيجة الزيارة الثانية لعبد ربه منصور إلى تل أبيب” واستطرد وزير خارجية الكيان الأسبق “كاتس” أن “المعركة للأسف لم تؤد إلى النتائج المتوقعة”.
ومع ربط قيادة الثورة أي محاولة لاحتلال ميناء الحديدة بتفعيل خيارات استراتيجية لم تكن لتقدم عليها، أدركت رباعية العدوان أن جرعة أوراق متسخة دفعتها للساحة لم تزد اليمنيين إلا قوة وإصرار لنيل حريته واستقلاله، وعليه قررت المناورة بتجميد الساحل الغربي، كهزيمة واضحة لتحالف العدوان، وإثبات الوفد الوطني أقصى ما يمكن تقديمه من حسن النوايا، ومن ذلك الوقت تشكلت بما يشبه العقدة لدى الوفد الوطني والشعب اليمني نفسه، الذي -لا ولن- يقبل ببيع الكلام، قبل الرفع الفوري للحصار ووقف العدوان والبدء الفوري بالملفات الإنسانية كحزمة شاملة غير مجتزأة، بخلاف ما كانت تحاول رباعية العدوان فرضه في الجولات السابقة، والتي صاغها مبكراً وبكل مهنية مندوب روسيا الراحل في مجلس الأمن “فيتالي تشوركين” قائلاً بأن “ورقة المبعوث الأممي -ولد الشيخ- ركزت على الجوانب العسكرية، وخلت من الترتيبات والرؤية السياسية”، وهي ذاتها الورقة المطروحة حتى اليوم من الرباعية في أي حديث عن السلام تحت أي يافطة رمضانية أو عيدية أو ما شابه.
تعاظم “استراتيجية قادمون”
استمرت الرباعية الزج بأوراقها المتسخة وأحصنتها الخائبة، واحداً تلو الآخر، قبليا واجتماعيا، على أمل إحداث أي اختراق في جغرافيا الأنصار، لكن دون جدوى، أمام ثبات وتعاظم “استراتيجية قادمون” عاماً بعد عام، مع حصانة ومناعة وطنية مشتركة بين القيادة والوفد الوطني والشعب تشكلت من تجارب الجولات السابقة، وتعززت مع سقوط ورقة التوت الأخيرة في السويد، لا تفاوض أو فتح أي ملفات قبل وقف العدوان ورفع الحصار والبدء الفوري بالملف الإنساني.
ومنذ عملية نصر من الله سبتمبر 2019م وأمام ما توعد به السيد القائد في العام 2020م أن “من يريد أن يسلب منا حقنا في الحرية والاستقلال سنسلب روحه”، وحتى اليوم لم تدرك رباعية العدوان أنها كانت المقصودة، وأن قيادة الثورة دشنت “استراتيجية قادمون لقطع دابر الكافرين”، والإنتقال إلى مرحلة المبادرة الهجومية، وهو ما أبداه الجيش واللجان الشعبية من ثبات وتعاظم مكنه -بفضل الله- من تحرير عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة وطرد الغزاة وأدوات العدوان منها، وأمام هذا القلق تبحث الرباعية اليوم عن أي فرصة لإلتقاط أنفاسها، مع تمكن السيد القائد يحفظه الله، من تجميد أي تحرك للإمارات ومرتزقتها بعمليات إعصار اليمن المقلقة لكيان العدو الإسرائيلي نفسه، وباتت الرباعية في وضع لا يحسد عليه، فيما ساعد إصرارها القبيح على كسر اليمن وشعبه بخلق وعي شعبي مضاد حتى في المناطق المحتلة، وبات “الغريم” الذي لا سواه أراد نهب واحتلال البلد متأبطاً العشرات من الشعارات.
القادم الغير مسبوق
تبقى ساعات على انتهاء مبادرة الرئيس المشاط “وقف أحادي للأعمال العسكرية في الداخل المحتل والعمق المعادي لمدة 3 أيام”، تنتهي السادسة من مساء الأربعاء 30 مارس 2022م، المبادرة التي عززت قيادة الثورة أهمية استجابة تحالف العدوان لها، معطياً إياهم فرصة إذا فوتوها “سيندمون“.
يتعاطى تحالف العدوان مع المبادرة بعدم جدية، مدشناً حوار بين مرتزقته أسماه بـ “مشـاورات الرياض”، وأعلن وقف عدوانه على الأراضي اليمنية، في اعتراف صريح أن السعودية كانت طرفاً معتدياً على اليمن، هذا التعاطي يجعلنا نقول، أن تحالف العدوان يسير -حتى الآن- بخطى ثابتة نحو قادم غير مسبوق، وأن تعاطيه يزيد من مديات استفزازية غير مسبوقة، أو بالأحرى بلغت أقصاها، ثروة منهوبة وشعب وُضع تحت رحمة مطارق الرباعية ومناشير الموت والحصار والتجويع شمالاً وجنوباً، وما يعنيه ذلك حرفياً من تفتيت وسحق للأرض والإنسان، لن يتسع المجال لسرد موبقات الرباعية، مع تواطئ وقح للأمم المتحدة التي فشلت حتى في قراءة سطر واحد في الملف الإنساني، ثم يأتي لتقديم “هدنة شهرية” استفزازية، لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق، فأثناء الهدنة الاستفزازية تستمر سياسة سحق المئات من الألوف بالحصار المميت، وهي هدنة اللا عودة بصولة حتماً سيسمعها من به صمم.
القادم الغير مسبوق، ستكون كرامة المواطن اليمني الذي تسلب روحه هذه اللحظات في المشافي التي فقدت القدرة على الوفاء بمهامها بسبب الحصار الأمريكي، ستكون بثمن حياة الطفل اليمني الذي يفارق والدته الآن بسبب سوء التغذية نتيجة الحصار، ستكون بثمن مصير أمة عظيمة أريد سحقها وطي ورقتها بكذبة أطلقت من تحت قبعات الكيباة اليهودية ورعاة الأبقار العنصرية في ولايات الوحشية والإجرام، سيكون بحجم تضحيات أمة تسكب الدم والروح ولا تخضع، ولا ثمن لكل ذلك سوى هزيمة رباعية تحالف العدوان وأدواتهم، باستراتيجية القائد “قادمون بجحافل جيشنا المجاهد الصابر” وهل تقدم الجحافل المجاهدة إلا لقطع دابر الكافرين؟، باستطاعتنا تقدير مدى الإحباط والغيض من الرباعية تجاه شعب وقيادة ما زالوا يقدمون -رغم الرغم- صمود وعنفوان لا تسعفه قواميس أهل الأرض، وليس أمام رباعية الأفاعي مجال -أبداً- إلا أن يهدأوا ليسلموا الضربات، يؤكد القائد “هم وقعوا في ورطة لا مخرج لهم منها إلا برفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال”. نقطة على السطر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهد اليمني الأول
المحرر السياسي
30 مارس 2022م