طبعًا ليس المقصود من العنوان أن عملية كسر الحصار الرابعة التي ستكون قريبة مبدئيًا ضد العمق الحيوي السعودي ستكون الأخيرة، من خلال وقف أو قطع هذا المسلسل الذي انطلق بثبات وبفعالية، بل المقصود هو تساؤل جدي ومنطقي وواقعي: “هل يحقق اليمنيون هدفهم من هذا المسلسل دون الحاجة لعملية خامسة بعد العملية الرابعة الآتية حتمًا؟”، لأن الحصار سوف يُكسر وينتهي العدوان وتنطلق آليات التفاوض الجدي والعادل والطبيعي نحو تسوية سياسية تنهي الحرب على اليمن، في بدايات عامها الثامن.
في الواقع، لو كنا نتكلم عن حرب مختلفة وفي منطقة أخرى من العالم، أو في حقبة سابقة من التاريخ، كان سيكون تساؤلنا هذا غير واقعي وشبه مستحيل، ولكن أن نقارب هذا العدوان على اليمن في كافة حيثياته بشكل مفصَّل ودقيق، استنادًا لظروف ومعطيات وعناصر الحرب التي خاضها منذ سبع سنوات وما زال طرفان غير متكافئين بالكامل، لا بالقدرات ولا بالأسلحة أو بالتجهيزات العسكرية، ولا بالامكانيات المالية والاعلامية والديبلوماسية، وأن تكون النتيجة اليوم هي على ما وصلت إليه من تفوق وانتصار للطرف الأضعف أساسًا، فسيكون هذا التساؤل منطقيًا وفي مكانه تمامًا.
إذا دخلنا قليلًا في تفاصيل ونتائج عملية كسر الحصار الثالثة أمس، يمكن تلخيصها من خلال ما صرح به المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى السريع بأنها: “نُفِذت ردًا على استمرار الحصار وتدشين العام الثامن من الصمود، من خلال استهداف منشآت أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في عاصمة العدو السعودي الرياض بدفعة من الصواريخ المجنحة، وباستهداف أرامكو جيزان ونجران بأعداد كبيرة من الطائرات المسيرة، وبقصف أهداف حيوية وهامة في مناطق جيزان وظهران الجنوب وأبها وخميس مشيط بأعداد كبيرة من الصواريخ الباليستية”، مضيفا: “سننفّذ المزيد من الضربات النوعية ضمن بنك أهداف كسر الحصار ولن نتردّد في توسيع عملياتنا العسكرية حتى وقف العدوان ورفع الحصار، والله على ما نقول شهيد”.
يجب التوقف مليًا أمام هذه العملية الكبيرة بما تضمنتها من استهدافات واسعة، من خلال اصابة مروحة واسعة من المواقع السعودية، والتي هي بأغلبها ذات طابع نفطي، وتوزعت على أغلب الاتجاهات الجغرافية داخل المملكة، وعلى مسافات مختلفة بين المتوسط أو بعيد المدى (نسبة لمديات الصواريخ والمسيرات المستعملة في العملية)، أو بما أكَّدته من فعالية ومن دقة، حيث ما زالت بعض المنشآت الأساسية التابعة لشركة ارامكو تشتعل لحين كتابة هذه المقالة.
أيضًا، يجب التوقف مليًا أمام صدقية وثبات مسار الاستهدافات المتدرجة صعودًا، أولًا في حصول العمليات تمامًا كما يُعلن مسبقًا اليمنيون بشكل كامل، في المستوى وفي الأمكنة المستهدفة وفي الفعالية والدقة، والأهم أن أسلحتهم النوعية تعمل في أجواء المملكة بحرية تامة، دون أية تأثيرات أو إعاقات ولو بسيطة من منظومات الدفاع الجوي السعودية التي تبدو غائبة بالكامل أو تبدو كأنها استسلمت أمام هذه القدرات النوعية، أو أصبحت تنتظر بفارغ الصبر انتهاء هذه المواجهة التي لم تعد متكافئة ابدًا.
هذا على صعيد الداخل السعودي وما يمكن أن تكون تداعيات هذا المسلسل الخطير، على اقتصادها أو على أمن مواطنيها ومنشآتها النفطية، أو حتى على أمنها القومي الذي أصبح مهددًا بشكل كبير، بالاضافة لمكانتها الاقليمية التي انكسرت وتزعزعت بشكل أصبح من المستحيل عودتها للمستوى الذي كانت عليه قبل هذا العدوان الذي قادته على اليمن.
ولكن الأهم والأكثر حساسية في تداعيات هذه الاستهدافات الصاعقة، سيكون على مستوى ما تمثله السعودية اليوم لناحية موقعها ودورها في انتاج وتصدير النفط على الصعيد العالمي، وكيف ينظر لها الغرب وخاصة الولايات المتحدة الاميركية، لناحية أنها ستكون أو يجب أن تكون أو مطلوب منها أن تكون المنقذ الأول لقطاع النفط في أوروبا، والذي بدأ ينهار وبدأت أسعاره تحلق، بنتيجة العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا والعقوبات الضخمة على روسيا، وايجاد بديل لغاز ونفط الأخيرة، والتي ما زالت حتى الآن تتحكم بهذا القطاع بنسبة كبيرة.
من خطورة وحساسية استهداف قطاع الطاقة السعودي الذي اختاره اليمنيون في توقيت استراتيجي، يمكن تلمّس الامكانية الكبرى لأن تستنفر محركات الديبلوماسية الغربية وخاصة الاميركية، نحو ايجاد حل للعدوان على اليمن رغمًا عن الرياض، وفرض انهائه وانهاء الحصار، والبدء بتسوية سياسية، لن يوافق عليها اليمنيون الا اذا احترمت موقعهم وتضحياتهم وقدراتهم وحقوقهم الثابتة والعادلة، وهكذا يمكن القول إن عملية كسر الحصار الرابعة المرتقبة، والتي ستكون حتمًا أوسع وأكثر تأثيرًا وايلامًا من الثالثة، قد تكون الأخيرة في هذا المسلسل الذي لم يبدأ إلا لينتهي بتحقيق أهدافه كاملة.
شارل أبي نادر