المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    يوم خرج شعب النور لمواراة الشمس

    قبل بزوغ الفجر، خرجوا كالشمس من رحم الليل، أفواجًا...

    رغم عمليات القمع.. مظاهرات عدن تتواصل في وجه قوى التحالف “فيديو”

    شهدت مدينة عدن الخاضعة لسيطرة التحالف اليوم الاثنين وقفة...

    بدء صرف الإعاشة لأبناء الشهداء والمفقودين لشهر فبراير بمبلغ مليار و155 مليون ريال

    بدأت الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء اليوم صرف الإعاشة...

    أكبر سرقة رقمية.. “هاكرز” يسرقون 1.5 مليار دولار من بورصة “بايبت”

    منصة "Bybit" تناشد "أذكى العقول" في مجال الأمن السيبراني...

    موقع أمريكي يكشف تشغيل الإمارات لمطار “غامض” في سقطرى

    كشف موقع أمريكي مختص بالشؤون البحرية، أن الاحتلال الإماراتي...

    اجعلوا كل الأيام عيد الأم.. “أكاليل يعقوبية” حيث تراجيديا الوجود في معاريج الخشوع

    “خاص”

    الله يرحمك يا أمي ويجعل مثواكِ الجنة، في يوم عيد الأم “أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي وحنان أمي وعطف أمي”.

    حسب الروايات كان الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وهو الأخ الثاني بعد أخيه أحمد، يشعر في طفولته بأن أمّه تُفضل إخوته عليه، ونشأ هذا الشعور بسبب اختلاف المُعاملة، فحين يتعلق الأمر بالمسؤوليات عُومِل معاملة الكبار وفي حال الخطأ وبّخ كالصغار، مما ولّد لديه مشاعر سلبيّة تجاه أُمّه، ظنًّا منه بأنها لا تحبه كبقية إخوته.

    وكبر هذا الشعور معه، إلى أن جاء يوم في عام 1965، واعتقلته سلطات الكيان الإسرائيلي على خلفية إلقاءه لقصيدة شعرية في «جامعة القدس» دون أخذ تصريح، و رُحِّلَ إلى سجن «الرملة».

    وبعد فترة جاءت أُمّه لزيارته في السجن تحمل إليه القهوة والخُبز، إلا أن الجنّدي الصهيوني منعها وسكب القهوة على الأرض، وبعد مقاومة منها وإصرارها سمحوا لها بزيارته، وعندما رأته احتضنته وأخذت بالبكاء، وأحس حينها الشاعر محمود درويش بأنه عاد طفلًا صغيرًا بين يدي أُمّه، وشعر بحبها، وأدرك أنه كان مُخطئًا طوال تلك السنين، وأنه ظلم أمه، وبعد ذهابها لم يجد ما يعبر عن أسفه، واعتذاره لأمه سوى الكتابة، فكتب هذه القصيدة على ظهر ورقة الألمنيوم لعلبة السجائر.

    أحنُّ إلى خُبز أُمّي.. وقَهوةِ أُمّي.. ولَمْسةِ أُمي.. وتَكبُر فيَّ الطفولةُ.. يومًا على صدر يومِ.. وأعشَقُ عمرِي لأنّي.. إِذا مُتُّ، أخجل من دمع أُمي!.. خذيني، إذا عدتُ يومًا.. وشاحًا لهُدْبِكْ.. وغطّي عِظامي بِعشبٍ.. تَعمَّد من طُهر كَعبك.. وشُدّي وثاقي.. بِخصلةٍ شعرٍ.. بخيطٍ يُلوَّح في ذيلِ ثوبك.. ضعيني، إذا ما رجعتُ.. وقودًا بتنور ناركْ… وحَبْلَ غسيلٍ على سطح داركِ.. لأني فقدتُ الوقوف.. بدون صلاة نهارك.. هَرِمْتُ، فردّي نجوم الطفولة.. حتى أُشارك.. صغار العصافير.. درب الرجوع.. لعُشِّ انتظارِك!.. أُمّي.. أُمّي.. أُمّي..

    اجعلوا كل الأيام عيداً للأم

    اجعلوا كل الأيام عيداً للأم حتى يجمعنا الله بهن في دار الخلود الأبدي عند مليك مقتدر، أمهات شهداء وأمهات بين يدي كريم رحيم، فَبكتْ دمعتين ووردة وأطلقتْ رصاصتين ببندقية “الجرمل” لموكب تشييع جثمان فلذة كبدها “أهلاً يا ولي الله، حيا الله من جاء، الحمد لله الذي شرف ولدي بالشهادة”.

    وأخرى بعد دفن ولدها “عبد القوي” حياً -كالإبن عبدالله القوي دائماً كان إيمانها القوي أبداً- وهي تروي: “اتصل لي الداعشي وقال: ولدش ذبحناه في قرية الهاملي ذى جثته بالهاملي. فقالت أجمل الأمهات وبكل شموخ وعزة وكرامة: ما ذلحين ياولدي كُلها، احنا إدينا ووهبنا في سبيل الله وسبيل الوطن، ماترحم إلّا انتَ الذي بعت نفسك بالريال السعودي بثمن بخس”.

    زدنا قوة وثبات وانطلقوا عيالي للجبهة

    أم اليمنيين الحاجة ”حمدة” استشهد أولادها الثلاثة وزوجها الرابع بغارة للعدو الصهيوني السعودي استباحتهم عُزل مدنيين في الطريق العام وعلى متن سيارتهم الخاصة، وحينها انهمرت دموع الأم الحاجة حمدة وباحمرار لون الدم المسفوح بطيران العدو الأمريكي الإنجليزي الصهيوني، وبعد أربع سنوات عدوان، قالت أجمل الأمهات الحاجة “حمدة”: “لا ما نستسلم بعد ما ضربنا.. ما زادنا إلّا قوة وثبات وانطلقوا عيالي للجبهة واستشهد منهم خمسة والجرحى أربعة، معي ”11” من الأبناء، إن شاء الله لا نتراجع ما نتراجع ولا خطوة”.

    على درب أبنائهن الشهداء أوفى حتى بعد الاستشهاد والوداع، هناك حيث الحنين للقاء سرمي يطوي عجاف الشوق بعناق “يوسف” القلب والروح بلوعة العاشق “يعقوب”، وما بدلن تبديلا، هناك حيث تنحني السماء لقبلات تسكب دموع “الحمد والشكر” على مسرح العناق الخالد، بين ثنايا جناحي الخالق البارئ المصور مالك السماوات والأرض وما بينهما.

    تسافر كل يوم مواكب الأكاليل من الشذاب والرياحين يحملها أبناء وبنات الأمهات إلى المقابر، هناك حيث صلوات “ارحمهما كما ربياني صغيراً”، واكتب ثمرة رحمتهن على سراط الخضوع لدرب الله وسنته في خلقه، واجمع شتات الروح في ظلالك -ربي ما أقمت صلاة الفراق إلا ليزيد جمر العناق اتقادا- وهي كذلك ابتهالات أمهات الراحلين مترجمة سيرة العشق اليعقوبي باللغة التي تشعل مشاعر اللهفة والحنين، هناك حيث تصل فنون الاشتياق ما يهز كيانات اللوعة والجنون.

    أكاليل يعقوبية حيث تراجيديا الوجود

    خالية اليدين إلا من رياحين زرعتها سقف المنزل تسارع خطوات قدماها العطشى لمسيرة كربلاء الروح، تحط رحال الضلوع لفلذة القلب -ابنها الشهيد “عبدالإله المرتضى”- وبتجاعيد قلبٍ هزَّهُ الشوق لمرات مصارعاً وحشات الليل وضعت رياحين روحها على قبر شهيدها، مقبلة عليه بابتهال التحيات، وليدي كبرت وربيت في أحشائي ثم عيني والآن قلبي وروحي وكبرت لحماً ثم عظما وريحان، كما تنمو وريقات الرياحين هذه إلى أن جئت بها إليك، أو ربي جئتك بمهجتي “عبدك إلهي” “عبدالإله”، فاجمعني به حمداً بالتسليم لك، ربي ما أقمت الحياة والممات إلا شكراً لك لنزيد بك وثوقاً واعتماد.

    هناك حيث تراجيديا الوجود، في زحمة معاريج الخشوع لربما تطلق السماء على دمعها لفظة “مطر”، أو “غيث” ينبت مجدداً أكاليل يعقوبية واثقة بلقاء النفوس المطمئنة، ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار، اللهم ارحم أمهاتنا وآبائنا، وارحم أبنائنا وبناتنا، واجعلنا وإياهم على ملتك نموت ونحيا.

    وهل يحضرنا إلا ما خالج وجدان الشاعر محمود درويش لأجمل الأمهات “التي انتظرت إبنها وعادْ مستشهداً، فبكتْ دمعتين ووردة، ولم تنزوِ في ثياب الحداد، لم تَنتهِ الحرب، لكنَّهُ عادَ، ذابلةٌ بندقيتُهُ، ويداهُ محايدتان”.. اجعلوا كل الأيام عيد الأم والأب، وهل رأى ابن درويش غير ذلك، تسافر الروح بين فضاءات الوجود تمر عبر قضبان السجان، تنفذ بين ثنايا الجدران، تجتاز الجبال والصحارى والوديان، بين لغم وآخر تطلق عنان الشوق بين صيف وشتاء..

    وبين البين تعانق محاريب الحنين ابتهالات الحب القاتل لكن لا يميت “خذيني، إذا عدتُ يومًا.. وشاحًا لهُدْبِكْ.. وغطّي عِظامي بِعشبٍ.. تَعمَّد من طُهر كَعبك.. وشُدّي وثاقي.. بِخصلةٍ شعرٍ.. بخيطٍ يُلوَّح في ذيلِ ثوبك.. ضعيني، إذا ما رجعتُ وقودًا بتنور ناركْ.. وحَبْلَ غسيلٍ على سطح داركِ”.. ثم تعتذر لأصحاب القوافي متصرفاً بالكلمات والقواعد تذريها كأعواد المسك على مجمرة اتقادك.. “وليدي القلبُ سال على أَرض لَيْلكَ.. اصْعَدْ إلى كتفيَّ، سنقطع عمَّا قليلْ غابة السنديان الأخيرةَ هذا شمالُ الجليلْ ولبنانُ أمامه، والسماءُ لنا كُلٌّها دمشق.. من موسكو إلى حافة القطبين، نملأ القارات مباخر الحنين..

    هناك متسع لليل بين مهرودتين، على أقمار نخل الرافدين قنوت الصائمين، لكربلاء عطشى من تمور العامرية.. لمقام “السيدة” سلامٌ يريك ابتهالات “مريم” من محراب فاطمة للمقصورة الشريفة التحايا، وهدى مولاك من “بستان فدك” هدايا وجواهر.. بضع “عرفات” لتصل الواد المقدس طوى بوادي “منى”، هو المنى لنا.. ولصدرك عقد ياسمين من “هاجر” وبراسك قبضة كادي ومشاقر وفي يدي اسوارة من أسوار صنعاء.. على كتفي أنت، والجبال بقبضة عينيك قلاع وبيادق وعلى أكتافك “نقم”.. تلوح هناك سماءات باجل.. وفي لحظات يعقوبية تنصت لملكات همس “زينب” في اذنيك.. وليدي ليس ما على الوجود يداري الخلود.. موعدنا النصر من رب العهود.. موعدنا الخلود في جنان الرحيم الودود.. السلام عليك يا نعم المولود.. والسلام عليك يا ولَّادة الولد والمولود.. السلام على كل أمهات الشهداء والمجاهدين في الحياة والممات، من أرحامهن ما رحم الله به الأمة، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، والحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المشهد اليمني الأول
    المحرر السياسي
    21 مارس 2022م

    spot_imgspot_img