في أكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البلد، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا عبر شركتي هنت وتوتال إلى استئناف الغاز اليمني المستخرج من صافر والذي كان يتم تصديره عبر منشأة بلحاف الغازية على سواحل محافظة شبوة جنوب اليمن، بهدف تعويض أوروبا من الغاز المستورد من روسيا ودفع دول الاتحاد الأوروبي لتقليل الكمية المستوردة من روسيا لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا ولكن على حساب الثروة اليمنية الغازية.
وتُريد واشنطن وباريس نهب الغاز اليمني وإعادة تصديره بالسعر القديم الذي تضمنه عقد اتفاقية تطوير الغاز اليمني بين المشغلين الأجانب (توتال وهنت وشركاؤهما) من جهة ونظام علي عبدالله صالح من جهة مقابلة في يناير 1997، حيث يبلغ السعر القديم 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بينما اليوم وصل سعر المليون وحدة حرارية في السوق العالمية للغاز إلى 51.84 دولار، أي أن فرنسا وأمريكا تسعيان لنهب ٤٨.٨٤ دولار من اليمن عن كل مليون وحدة حرارية إضافة لحصتهما كمشغلين أجانب من الـ3 دولار المحددة كسعر للبيع، سيباغ الغاز اليمني من جديد ولن يحصل اليمن إلا على 1 دولار فقط عن كل مليون وحدة حرارية بينما الدولارين الآخرين ستوزع على المشغل الأجنبي وشركائه الأجانب والمحليين ولا يعود لخزينة الشعب اليمني إلا 1 دولار.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها نهب الغاز اليمني بهذه الطريقة الكارثية، إذ سبق أن اتفق نظام صالح في العام 2009 مع توتال وشركائها المشغلين على استخراج الغاز وتصديره بنفس السعر (3) دولار واستمر الوضع كذلك من العام 2009 إلى العام 2013 بينما كان سعر الغاز عالمياً في تلك الفترة ما بين 12 – 15 دولار للمليون وحدة حرارية.
كيف تآمرت الشركات الأجنبية مع نظام صالح
في هذا السياق يقول أحد خبراء النفط الدوليين المهندس عبدالسلام التويجي وهو المطلع عن قرب على ملف الغاز اليمني وكيف تآمرت الشركات الأجنبية مع نظام صالح على نهب النفط والغاز اليمني، بأن استئناف التصدير للغاز اليمني الذي تسعى لإعادته واشنطن لسد جزء من حاجة أوروبا من احتياجات الغاز “استئناف تصدير الغاز في الظرف الحالي وبنفس ذلك السعر الكارثي 3 دولار للمليون وحدة حرارية والتي رفضت شركة توتال الفرنسية وهنت الأمريكية تعديله قبل سنوات الحرب يعد سرقة منظمة للثروة اليمنية الغازية كون الغاز ارتفع سعره عالمياً ووصل سعر المليون وحدة حرارية إلى أكثر من 45 دولار بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مؤخراً، وهو ما يؤكد أن خسارة اليمن ستكون باهظة في حال أعيد الإنتاج والبيع بالأسعار السابقة”.
وأوضح المهندس النفطي التويجي أن لوبي الفساد تورط بعمل تلك الإتفاقيات سواءً مافيا ولوبي الفساد قبل 2011م أو بعد 2011م مقابل زيادة أرصدة حسابتهم البنكية بالرشاوي التي يتلقوها من شركة توتال الفرنسية التي خصصت لهم 10 مليون دولار لتمرير تلك الإتفاقية الكارثية وعقود بيع الغاز في اغسطس ٢٠٠٥م، ونتيجة لذلك خططت شركة توتال وشركائها ولوبي الفساد في الداخل اليمني لنهب حوالي 5 تريليون قدم مكعب من إحتياطي الغاز الذي هو في ملك اليمن وخارج عن الاتفاقيات المبرمة بين الجانب الحكومي والشركات الأجنبية.
فالاتفاقيات حددت منح للشركاء الأجانب في الإتفاقيات لشركة الغاز المسال بلحاف 7.2 تريليون قدم مكعب بوحدة الحجوم خلال عمر المشروع بمعدل تصدير سنوي فقط 5.3 مليون طن بوحدة الأوزان ، وأن تلك الكمية المخطط نهبها من قبل الشركاء الأجانب هي ملك لليمن (منها 2 تريليون قدم مكعب يبقي للوقود والإنكماش في منشات منبع الغاز قطاع ١٨ مارب) – ومنها 3 تريليون قدم مكعب مخصص لتشغيل 3 محطات كهرباء غازية بطاقة 600 ميجاوات لمدة 40 سنة، وهذه الكمية خططت توتال وهنت لتصديرها بشكل غير معلن ومعلوم للحكومه وأن اليمن – بعد نهب تلك الكمية وبيعها بأسعار مهولة – تم محاسبتها مليار دولار فقط وفقاً الأسعار العقود البخسة من قبل الشركاء الأجانب.
مصادرة كمية كبيرة من الغاز البترولي
كما يلفت الخبير النفطي التويجي أنه وفي حال تم استهداف كمية 3 تريليون قدم مكعب بصفقات مشبوهة – بعد فضح مخطط توتال وهنت – ستضطر اليمن لشراء ما يعادل تلك الكمية (3 تريليون قدم مكعب غاز) من الوحدات الحرارية بحسب السعر العالمي البالغ حالياً 51.84 دولار للمليون وحدة حرارية لتشغيل محطات الكهرباء الغازية، ولتشغيل محطات كهرباء تعمل بالمازوت تحتاج اليمن 25 مليار دولار لشرائها، ولتشغيل محطات كهرباء تعمل بالديزل تحتاج اليمن 35 مليار دولار لشرائها حسب الأسعار القديمة وستزيد مع إرتفاع الأسعار العالمية الحالية.
وينقل التويجي عن خبراء نفط دوليين آخرين مطلعين على ملف النفط والغاز اليمني، بأن الشركاء الأجانب قاموا بمصادرة كمية كبيرة من الغاز البترولي LPG (غاز الطبخ المنزلي) الذي تسرب من القطاع ١٨ النفطي إلى منشاة بلحاف نتيجة ضعف كفاءة وحدات الفصل والمعالجة للغاز في القطاع النفطي والتي أنشأتها (هنت) بقصد سحب الغاز البترولي.
ويؤكد التويجي أنه رغم مطالب الجانب اليمني بإصلاح وتحديث وحدات الفصل رفضت شركة توتال وشركائها الأمريكان التحديث للمعامل، واستمروا بنهب الغاز البترولي المصاحب الذي تسرب إلى بلحاف والذي تؤكد تقارير رسمية بأن قيمته تتجاوز 5 مليار و500 مليون دولار، بينما قدرت عائدات اليمن من بيع الغاز المسال وفقاً للأسعار السابقة ٣ دولار لكل مليون وحدة حرارية خلال عمر المشروع أي أكثر من ٢٠ عام بمبلغ 5 مليار و200 مليون دولار حسب معادلة تلك الأسعار الكارثية، ومن خلال الأرقام فإن إجمالى عائدات الغاز المسال الذي تم بيعة خلال سنوات ماقبل الحرب عام 2009م إلى عام 2013م، لم يتجاوز 787 مليون دولار، وهو مبلغ رمزي، وارتفع إلى ١.١ مليار دولار مطلع العام ٢٠١٥.
ماذا تقول صنعاء
السياسة الاحتيالية للشركات الفرنسية والأمريكية نظرت فيها نيابة صنعاء، ووجّهت وزارة النفط منتصف عام 2014م بالاحتفاظ بحق اليمن في التعويض الكامل من «توتال» وشركائها الأمريكيين، عن الكميات التي تمّ بيعها بأسعار تقلّ عن المؤشّرَين الآسيوي والأوروبي.
وقُدّرت تلك الفوارق بـ8 مليارات دولار، بالإضافة إلى خسائر اليمن المترتّبة عن فواقد النفط الخام والغاز البترولي المسال ورسوم المنبع، التي تعمّدت الشركة وشركاؤها تسليمها لشركة «هنت» الأمريكية التي انتهى عقدها في اليمن مطلع عام 2005م، وآلت جميع أصولها لمصلحة شركة «صافر» الحكومية.
وثائق تؤكد نهب الغاز اليمني
تؤكد وثائق قيام «توتال» بعملية نهب منظَّمة للغاز المسال اليمني، وتبيّن أن قيام الجانب الفرنسي بزيادة القدرة الإنتاجية من 5.3 مليون طن سنوياً إلى 6.7 مليون طن بما يخالف الاتفاقيات، بهدف زيادة عائدات الحكومة اليمنية من مبيعات الغاز، كان وهمياً ليس إلّا.
وكان تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادر عام 2014م أفاد بأن كمّية الصادرات من الغاز المسال بلغت 1243 تريليون وحدة حرارية بريطانية خلال الفترة الممتدّة من عام 2009 حتى عام 2013م، على أساس متوسّط سعر للمليون وحدة حرارية بريطانية بلغ 11.7 دولار في السوق العالمية، لتبلغ قيمة المبيعات حوالي 14.5 مليار دولار، في حين لم تتجاوز عوائد الحكومة اليمنية منها 787 مليون دولار، أي ما يساوي 5 % فقط من قيمتها، مقابل 95 % لـ«توتال» وشركائها.
وأرجع متخصّصون ذلك إلى الأسعار التعاقدية القديمة التي رفضت «توتال» كلّ الطلبات الحكومية الهادفة إلى تعديلها، مصرّة على تحديد حصة الحكومة اليمنية من صافي أرباح المشروع بعد استقطاع 50 % من إجمالي الدخل كنفقات رأسمالية وتشغيل للشركة المشغّلة.
ووفقاً لخبراء نفط، فإن أيّ محاولة لإعادة إنتاج الغاز المسال وتصديره حالياً، في ظلّ توقّف إنتاج النفط من القطاع النفطي نفسه (18صافر)، ستكون لها أضرار بالغة على الاحتياطات النفطية، فضلاً عن أنه في حال استئناف العملية من دون إعادة النظر في الأسعار التعاقدية واستعادة الحقّ السيادي اليمني على القطاع المذكور، فسوف تواصل «توتال» الفرنسية نهب الغاز اليمني، مستغلّة حال الانقسام السياسي والاقتصادي الذي يعيشه اليمن.