عمالقة آسيا يرفضون العقوبات على روسيا.. كيف توزع الرفض الاسيوي للعقوبات وما هي دوافعه؟

438
روسيا أوكرانيا.. روسيا تحبط هجوم سيبراني على مصرف "سبيربنك" والمفوضية الأوروبية تؤكد من الصعب وضع قيود جديدة على الاتحاد الروسي

رغم التحريض والتجييش الأميركي والغربي واتحاد عدد كبير من دول العالم بما فيهم العرب خصوصا مشيخات الخليج (الذين لا يجيدون سوى دور التبعية)، ضد روسيا، وفرضهم عليها عقوبات غير مسبوقة (مالية واقتصادية ورياضية وثقافية وفنية)، ردا على عمليتها العسكرية الاستباقية في أوكرانيا، غير أن الوضع في آسيا مختلف، حيث كان رد الفعل في تلك المنطقة متفاوتًا الى حد كبير.

كيف توزع الرفض “الاسيوي” للحملة على روسيا؟

مع تبني معظم حلفاء الولايات المتحدة في آسيا حملة المقاطعة لموسكو نزولًا عند رغبة واشنطن، فإن الحكومات الخارجة عن طاعة الغرب وترفض املاءاته وتلك التي تربطها علاقات ضعيفة بأميركا، رفضت التعامل مع العملية العسكرية الروسية على أنها غزو لأوكرانيا.

جذبت سياسة بوتين العديد من البلدان في جميع أنحاء آسيا، لا سيما في منطقة جنوب شرق آسيا (العمالقة)، حيث غالبًا ما يفضل حكم الرجل القوي، ولنبدأ من الصين التي رفضت وصف الهجوم على أوكرانيا بأنه “غزو”. فيما امتنعت الهند عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي “لإدانة الهجوم”. بينما في فيتنام، يُشار إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمودة باسم “العم بوتين”. اما في ميانمار، فقد وصف الجنرالات الذين يتولون السلطة في هذا البلد “تصرفات روسيا بأنها “الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله”.

وعلى الخطى ذاتها، سارت اندونيسيا، ففي 24 شباط/ فبراير الماضي، أشار “تيوكو فايزاسياه” المتحدث باسم وزارة الخارجية الإندونيسية إلى أن بلاده ليس لديها نية لفرض عقوبات على موسكو، لانها “لن تتبع بشكل أعمى الخطوات التي اتخذتها دولة أخرى”.

وبالمثل فعلت فيتنام التي امتنعت عن تصنيف روسيا كمعتدية، وبدلاً من ذلك دعت “جميع الأطراف المعنية إلى ممارسة ضبط النفس”. وليس هذا فحسب، رفضت فيتنام الانجرار الى الدعاية الغربية المعادية لموسكو، وذلك باتخاذها خطوات تصب في مصلحة روسيا. إذ كشف اثنان من المحررين يعملان في مجلة فيتنامية على الإنترنت، وفي التلفزيون الوطني الفيتنامي، إنهما طُلب منهما فرض رقابة على نفسيهما في تقاريرهما عن الحرب، بما في ذلك تقليص مدى التغطية وتواترها، وحظر كلمة “غزو”.

ورغم ان روسيا باعت طائرات مقاتلة إلى إندونيسيا وماليزيا وميانمار، لكن أكبر زبون لها في جنوب شرق آسيا هو فيتنام. من عام 2000 إلى عام 2019، جاءت 84 بالمائة من واردات الأسلحة الفيتنامية من روسيا، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ونصل الى الفلبين، حيث وصف رئيسها رودريغو دوتيرتي بوتين بانه “بطله المفضل”. ومع ان الفلبين اعلنت الاثنين الماضي “أنها تدين الغزو لأوكرانيا” لكنها لم تذكر اسم روسيا”.

أما تايلاند، التي تربطها معاهدة تحالف مع واشنطن، فلم تقل الكثير عن العملية العسكرية، باستثناء أنها دعمت “الجهود الجارية لإيجاد تسوية سلمية”. كما عمدت الى قمع الاحتجاجات الأخيرة التي عمت البلاد باعتقالها عشرات الشباب. وتعقيبا على ذلك وصف “ثيتينان بونجسوديراك” مدير معهد الأمن والدراسات الدولية بجامعة شولا لونجكورن في بانكوك هذا الموقف بأنه “الجلوس على السياج وعدم الرغبة في النزول عن السياج على الإطلاق”.

في استطلاع عالمي أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2017، قال أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع في الفلبين وفيتنام إنهم يثقون ببوتين. في ذروة الوباء ، تبرعت موسكو بلقاحات COVID-19 للفلبين وفيتنام ولاوس.

قال مخرج أفلام مستقل في هانوي في حديث للصحافة الاجنبية: “أنا معجب كبير بالعم بوتين لأنه دائمًا ما يتخذ إجراءات صارمة” ، مستخدمًا نفس مصطلح الاحترام الذي يستخدمه السكان المحليون “هو تشي مينه” Ho Chi Minh ، الثائر الذي قاد حركة الاستقلال، في فيتنام.

ما هي دوافع رفض العقوبات على موسكو؟

في الهند كان يُنظر إلى موسكو على أنها شريك عسكري موثوق به لعقود. تعتبر نيودلهي ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية في العالم، والتي تمثل حوالي نصف إمداداتها العسكرية. وفي اعقاب زيارة بوتين الى نيودلهي في أواخر العام الماضي 2021 ، باشرت روسيا تسليم الهند بطاريات صواريخ من طراز “إس-400″، في صفقة بلغت قيمتها 5.4 مليار دولار.

من هنا، كانت الهند حريصة على عدم إدانة روسيا بشأن أوكرانيا وإزعاج الصداقة التي تم اختبارها عبر الزمن لا سيما خلال فترات التوتر مع الصين على الحدود الشمالية الشرقية للهند. علاوة على ذلك، استخدمت موسكو مرارًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع القرارات التي تنتقد الهند بشأن كشمير، وهي منطقة متنازع عليها تشترك فيها الهند مع باكستان. في المقابل، امتنعت الهند عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين موسكو بشأن ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

الموقف الهندي من روسيا، لم يقتصر على حدود الامتناع عن ادانة روسيا، بل ذهب ابعد من ذلك، حيث قال مسؤولون هنود الأسبوع الماضي إنهم قد يساعدون روسيا حتى في إيجاد حلول للعقوبات الجديدة من خلال إنشاء حسابات بالروبية لمواصلة التجارة مع موسكو، على غرار ما فعلته بعد استعادة شبه جزيرة القرم”.

ماذا عن اندونيسيا؟

عززت إندونيسيا، مثل الهند، علاقاتها الاقتصادية والدفاعية مع روسيا بشكل كبير على مر السنين. ارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 2.74 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 42.2 بالمائة عن العام السابق. يشكل زيت النخيل حوالي 38 بالمائة من صادرات إندونيسيا إلى روسيا.

في كانون الثاني الفائت، استضافت جاكرتا أول مناورة بحرية مشتركة على الإطلاق بين روسيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا، أو ASEAN. قالت دينا برابتو راهارجا استاذة العلاقات الدولية بجامعة “بينا نوسانتارا” في جاكرتا: “إندونيسيا لا ترى في روسيا تهديدًا للسياسة العالمية أو كعدو.. العقوبات الأحادية تحد من فرصة التفاوض وتزيد من الشعور بانعدام الأمن في البلدان المتضررة.”

ونصل الى ميانمار حيث لم تكن أي دولة في جنوب شرق آسيا أكثر دعمًا لروسيا منذ بدء المعارك أكثر من هذه الدولة. فبعد ان استولى الجيش على السلطة في انقلاب قبل 13 شهرًا تبادل كبار الضباط العسكريين من البلدين الزيارات عدة مرات العام الماضي، بمن فيهم الجنرال “مين أونج هلاينج”، رئيس النظام في ميانمار.

ونتيجة لذلك واصلت روسيا بيع الأسلحة إلى ميانمار بعد الانقلاب، على الرغم من التحذيرات من اندلاع أزمة إنسانية. وعليه يرى المجلس العسكري أن موسكو “قامت بدورها للحفاظ على سيادتها”.

من هي الدول التي استجابت للعقوبات؟

عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وافقت اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وأستراليا فقط على عقوبات دولية ضد موسكو. كما انضمت تايوان الى العقوبات وأعربت عن دعمها لأوكرانيا.

حتى بين حلفاء الولايات المتحدة الأقوياء في آسيا، كانت ثمة دول مترددة في قرار معاقبة روسيا. وفي هذا السياق قالت كوريا الجنوبية، بعد تأخر في اعلان موقفها، إنها “ستنفذ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا، لكنها لن تسنّ عقوباتها الخاصة”. وأوضح المسؤولون الكوريون إن البلاد بحاجة إلى أن “تضع في اعتبارها أن علاقاتنا التجارية مع روسيا آخذة في النمو”.

اللافت في كل هذه المواقف ــ في منطقة جنوب شرق آسيا ــ المعادية لموسكو، هو سنغافورة التي نادراً ما تفرض عقوبات خاصة، لكنها رضخت سريعا وأعلنت فرض عقوبات مالية على روسيا. النقطة الايجابية بالنسبة لموسكو أنه بالرغم من صدور بيان في 2 آذار/ مارس الحالي، عن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تنتمي إليها سنغافورة، ودعوته إلى وقف إطلاق النار، غير أنه لم يصدر أي قرار ذكر تورط روسيا.

في المحصلة، صحيح أنه من غير المرجح أن توازن الدول المعارضة للعقوبات الرد غير المتكافئ للهجوم الغربي على موسكو، لكنها لا شك تضرب وتفقد مصداقية تعهد الرئيس الاميركي جو بايدن بجعل بوتين “منبوذاً على المسرح الدولي”.

د. علي دربج – باحث ومحاضر جامعي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا