خلال سبعة أيام فقط، ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قدّم الضخ الاعلامي الغربي تعريفات جديدة للانسانية، ومعايير جديدة للنجاح والفشل، بغرض شيطنة الروس من جهة، واظهار عجزهم وفشلهم من جهة ثانية، واخفاء مسؤولية الغرب عن تطورات الأحداث هناك ثالثًا. هذه التطورات كشفت الوجه الحقيقي للغرب، ومعاييره المزدوجة، وعنصريته المقيتة.
بمتابعة سريعة للبروباغندا التي يتبناها الغرب، نكتشف كم أنها تفتقد الى أدنى درجات المصداقية والمنطقية والإنسانية، وتبدو كأنها عارية عن كل القيم والمبادئ، ويشارك فيها مسؤولون من الصف الأول والثاني، الى جانب الصحفيين والاعلاميين والمعلقين والمحللين.
جاء تعامل الاعلام الغربي مع حركة النزوح الأوكرانية، والحساسية المفرطة التي ظهرت تجاه ما يتعرض له المواطنون ذوو البشرة الشقراء، والعيون الزرقاء بوصفهم أوروبيين، وغربيين، وليسوا سوريين، بطريقة يتراجع معها التعاطف الانساني البحت، لصالح العنصرية المقيتة.
هذه العنصرية لم تقتصر على المستوى الاعلامي فقط، بل تتعداها الى السياسي والاقتصادي. والعقوبات التي تتعرض لها روسيا، واستخدام كل الوسائل وأدوات الضغط على موسكو لتوقف عملياتها العسكرية، والتي وصلت حد استخدام الرياضة، ومنع روسيا من تصفيات كأس العالم، كلها اذا ما قورنت بالصمت الغربي أمام مأساة اليمن أو سوريا طوال سنوات عديدة، أو بما صنعه الغرب من مآس في العراق وافغانستان وليبيا وغيرها، ستظهر الانسانية الزائفة التي يتشدقون بها في وجهنا، وينكشف الوجه الحقيقي للغرب المتوحش، الذي يؤمن بتفوقه العنصري، وحقه في استعباد العالم، ونهب ثرواته، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ويروغ عنك كما يروغ الثعلب.
لم يكتفوا بالتفرج على سحق عظام أبناء اليمن من قبل تحالف العدوان، بل يصرون على بيع الأسلحة للرياض وأبو ظبي، ويستثمرون في هذه الحرب الظالمة، لتشغيل مصانع الأسلحة، وتأمين ايرادات لها، ثمنًا لدماء النساء والأطفال، رغم التقارير الأممية عن تسبب تلك الأسلحة بارتكاب مجازر وحشية بحق المدنيين، لكن يبدو أن الانسانية يتم تعريفها اليوم، وفقًا للون العيون والبشرة.
خلال سبعة أيام تسعى الأمم المتحدة لجمع أكثر من مليار دولار كمساعدات انسانية لأوكرانيا، ويعتمد البنك الدولي حزمة بثلاثة مليارات دولار، ويتعهد صندوق النقد بأكثر من ملياري دولار، بينما تعجز الأمم المتحدة عن جمع مثلها لليمن في عام كامل، في حين يكتفي البنك الدولي طوال سبع سنوات ببضعة ملايين، في بلد تم تدميره وسحق اقتصاده، وفرض حصار خانق، ومنع عنه الوقود والغذاء والدواء، وحتى الماء، دون أن يرف لهم جفن، فقط لأن أطفاله ليسو شقرًا.
المثير للاستغراب في الاعلام الغربي هو ما يسمونه الفشل العسكري الروسي، والذي سمعنا عنه من اليوم الثالث للعملية الروسية. ورغم أن المعارك منذ السبت وصلت الى شمال العاصمة كييف، إلا أن الحديث عن فشل روسي في تحقيق أهداف العملية العسكرية يسيطر على الفضاء الاعلامي الغربي، مع أن بضعة أيام لا تكفي للحكم بنجاح أو فشل، وبالمقارنة مع الغزو الامريكي للعراق وافغانستان، تبدو الامور أكثر وضوحًا، وإن تجاوزنا وسايرنا الغرب،
فماذا كان يمكن أن نسمي تأخر وصول القوات الامريكية الى بغداد بعد أكثر من ثلاثين يومًا؟ العراق كان بلدًا تم اضعافه طوال عقد كامل سبق الغزو، وتدمير بناه العسكرية التحتية، وتحييد دفاعاته الجوية، وتدمير الرادارات، وشراء ولاءات كبار ضباط صدام حسين، وأيضًا التحالف الدولي الذي رافق واشنطن في الغزو، وكثافة النيران والضربات الجوية الضخمة، والصواريخ التي انطلقت من القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة والبوارج الحربية بشكل مكثف وعشوائي واصابت المباني السكنية والاحياء ولم توفر البنى التحتية والمستشفيات الى جانب القواعد العسكرية والقصور الرئاسية والمؤسسات الحكومية الخ.
بالمقابل، ينفذ الجيش الروسي عملياته العسكرية دون الحاجة لوجود أي تحالفات دولية، وبأقل قدر من الوحدات العسكرية، وأسراب الطائرات الحربية، وضربات صاروخية منتقاة، ومدروسة، تستهدف مقار الجيش الاوكراني، الذي يصنف بالترتيب الحادي والعشرين على مستوى جيوش العالم.
وبذلك، نكون أمام مقارنة غير منطقية، ويمكن أن نسجل هزيمة لأمريكا وتحالفها، في العراق وافغانستان، في الشهر الاول للغزو لأي من البلدين، ناهيك عما اذا أخذنا النتيجة الماثلة أمامنا بعد عقدين من الغزو والاحتلال الذي انتهى بالانسحاب المذل للتحالف الدولي بقيادة واشنطن من افغانستان، ويتم البحث عن طريقة تحفظ ماء وجههم للانسحاب من العراق.
اذا كانت بضعة أيام كافية للحكم بنجاح أوكرانيا وصمودها، ماذا يمكن أن نسمي الصمود اليمني طوال سبع سنوات، في وجه تحالف العدوان بقيادة الرياض ودعم من الولايات المتحدة الامريكية، والذي لم يحصد سوى الخيبة والفشل على مدى سبعة أعوام كاملة؟ ماذا عسى الاعلام الغربي يصف المأزق السعودي، والعجز عن الدخول الى مدينة لا تبعد عن الشريط الحدودي سوى بضعة كيلومترات، مثل مدينة حرض، رغم الدعم والتسليح الذي استخدم في المعركة والدعم اللوجستي والتكنولوجي الامريكي لها؟
هكذا هو الغرب، معايير مزدوجة، وتعريفات معلبة، وانسانية استنسابية، بكل القبح، وكل التوحش، بضاعتهم الكذب، ودينهم التضليل، وقانونهم نظام الغاب، ولا شيء جديدا في ذلك، لكن لا ضير بتذكير من نسي وتناسى، وفضح من ينساق خلفهم ويغرد في سربهم، من أبناء الامة الغربية والاسلامية
علي الدرواني