الرئيسية أخبار وتقارير المشهد الصحافي 5 سيناريوهات محتملة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؟ وما المقدمات والأسباب للعملية؟

5 سيناريوهات محتملة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؟ وما المقدمات والأسباب للعملية؟

ما هي مقدمات وأسباب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما المبادئ العسكرية الجديدة التي طبقتها روسيا في عمليتها، وما السيناريوهات المحتملة للعملية الروسية؟

أولاً: مقدمات وأسباب العملية الروسية

يوم الخميس الواقع في، 24-2-2022، عند الساعة الخامسة فجراً بتوقيت موسكو (الثانية فجراً بتوقيت غرينيتش) أطلقت روسيا عملية عسكرية كبيرة اتجاه أوكرانيا، في خطوة تبدو من حيث الشكل والتصرف (العسكري والسياسي) الروسي منذ بداية أزمة أوكرانيا عام 2014، أنها محاولة لإنهاء 8 سنوات من التمرد الأوكراني على سلطة ونظام الرئيس الشرعي المنتخب لأوكرانيا فيكتور يانكوفيتش الذي أطاح به المتمردون في نفس التاريخ، أي 24-2-2014.

العملية الخاطفة التي جاءت بأسلوبي الصدمة والترويع و (الراية الخاطئة) “false flag ” أنهت 45 يومًا من المناورات (السياسية والعسكرية)، بين الروس والامريكيين وإلى جانبهم الناتو. ويبدو من خلال سياقها الذي بدأ في 10-1-2022، أنها عملية متكاملة ومخطط لها جيداً على المستوى الاستراتيجي مما انعكس نجاحاً على المستويين العسكري والسياسي، حيث أن الفترة التي سبقت عملية اليوم والتي تخللتها مفاوضات مكثفة مع أبرز اللاعبين في أوروبا وأمريكا، مكّنت القيادة الروسية من سبر غور نوايا جميع الأطراف، فجاءت العملية سريعة ووفق ما توقعته القيادة الروسية من ردات فعل على تلك العملية.

العملية في الأساس بدأت بممارسة استعراض للقوة لإجبار القيادة الأوكرانية وداعميها لتعديل السلوك الأوكراني، ووقف التحرش بالأمن القومي الروسي فضلاً عن إجبارهم على الجلوس على طاولة المفاوضات لإنجاز حل نهائي بضمانات كافية ومكتوبة من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بمصيره، بحيث تلزم هذه الضمانات أوكرانيا بما لم تنفذه منذ البداية.

ولكن العملية تطورت إلى فرض تغيير كامل لهوية النظام الأوكراني بعد دراسة القيادة الروسية لنوايا الفاعلين والمؤثرين الرئيسيين في الأزمة وظهور فجوات كبيرة في مواقف الخصوم وتعارضات واختلافات كبيرة، فضلاً عن اكتشافها لسوء التقدير الكبير الذي وقعت فيه واشنطن ولندن والذي نتج عن تقييم خاطئ للمزايا الاستراتيجية الجديدة التي باتت تتمتع بها روسيا، واختلاف ظروفها عمّا كانت عليه عام 2014 حين كانت الهجمة الأمريكية في الشرق الأوسط في أوجها.

وفي عرض لشريط الأحداث منذ العام 2014، وبعد محاولات أوروبية لخفض التصعيد (الذي تلا ضم روسيا لشبه جزيرة القرم واشتباكات دونباس

بين حكومة المتمردين في أوكرانيا وأنصار الرئيس المخلوع يانكوفيتش)، أسفر السعي الألماني المشترك في حزيران 2014، عن عقد قمة رباعية في مدينة النورماندي الفرنسية بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا على هامش احتفالات الذكرى ال 70 للإنزال الكبير الذي نفذه الحلفاء في المدينة، والذي مهّد لإنهاء الحرب العالمية الثانية.

وقد نجح لقاء النورماندي (2014)، في تأسيس منصة اتصال مهدت للتوقيع لاحقًا على وقف إطلاق النار في “دونباس”، أطلق عليه اسم بروتوكول (مينسك1) في أيلول 2014، ثم أتبع باتفاقية (مينسك 2) في العام التالي، إلا أنه لم يمنع القيادة الأوكرانية التي نتجت عن التمرد، من استمرار المشاغبة ومضايقة روسيا التي كانت أمام تطبيق قرار كبير، وهو التدخل في سوريا،

حيث كان خطر الجماعات التكفيرية المسلحة ذا أولوية استراتيجية، واستمرت محاولات فرنسا وألمانيا دون فائدة بسبب دخول الناتو على خط تغطية القيادة الأوكرانية المتمردة وإعادة بناء جيشها بعد حل معظم الجيش الأوكراني السابق بدعوى تأثر قسم كبير من قياداته وأفراده بروسيا، وإمكانية موسكو التأثير من خلاله، فجرى حل عدد من الفرق والألوية وإعادة هيكلة شاملة للجيش الأوكراني بعد تغيير كبير في عقيدته لتصبح ملائمة لعقيدة حلف الناتو.

وقد ظلّت القيادة الروسية تحذر من أن أي خطوة باتجاه ضم أوكرانيا لحلف الناتو ستتعامل معها موسكو على أنها تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي. وفي عزّ انغماس روسيا في الحرب السورية، بدأت البحرية الأوكرانية التحرش بالسفن الروسية المدنية والعسكرية، ووقعت عدة اشتباكات بحرية بين أسطول البحر الأسود الروسي والبحرية الأوكرانية، بين أعوام 2016 و ،2020 في بحر آزوف الذي بدأت تتعامل معه أوكرانيا أنه بحر أوكراني صيف العام 2019.

تطورت التحرشات بدخول القوات البحرية التابعة للناتو عبر البحر الأسود بزعامة تركيا، بداية ثم بريطانيا، وبدا من خلال السلوك البحري للأسطول التابع للناتو أن الهدف هو التوسع لتحقيق نفوذ بحري كبير ومؤثر في أهم منطقة حيوية روسية. ومع زيادة الحراك البحري للناتو، بدأت أوكرانيا تجاهر بأنها قدمت طلبًا للانضمام للناتو وتزامن ذلك مع محاولة تهريب ثورة ملونة في بلاروسيا، الدولة النووية والحليف الأقرب لروسيا، تبيّن أن هذه المحاولة بالكامل مدعومة من الناتو والعنصر الرئيسي فيه الولايات المتحدة.

كانت روسيا قد أنجزت تقريباً معظم أهدافها في سوريا ومع حليفتها إيران. تمكنت من القضاء على المد التكفيري في سوريا والعراق بشكل شبه

كامل. فتفرّغت القيادة الروسية لإنهاء ملف التهديدات في الجوار (أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، أوكرانيا وكازخستان)، وقد عجلت مفاعيل محاولة الثورة الملونة في كازخستان الشهر الماضي في تسريع روسيا لاستراتيجيتها في الجوار الأوراسي. وحسمت بالتدخل العسكري الروسي المباشر في أقل من 48 ساعة التسلل والتدخل الامريكي التركي في خاصرتها الرخوة كازاخستان.

ومباشرة بعد انتهاء العملية في كازخستان، بدأت تنفيذ خطتها في أوكرانيا، وكما نجحت بإعادة ترتيب النظام في كازخستان وفقًا لمصالحها الأمنية القومية والاستراتيجية، فقد كانت خطة “تطويع أوكرانيا” الجزء الأهم في حملتها لترتيب الجوار الجيوسياسي.

ثانياً: تقييم للمراحل الاولى للعملية العسكرية الروسية:

1- تطبيق المبادئ العسكرية الروسية الجديدة

منذ بداية الأزمة الأخيرة في 10-1-2022، كان معظم الخبراء العسكريين يراقبون اتجاه الحشود العسكرية الروسية، حيث أظهرت قرائن التموضع أن الروسي يتخذ نسقًا يستخلص منه نية العمليات التعزيزية التي يمكن أن تتطور إلى عمليات هجومية. إلا أنه تبين بعد شهر من الأخذ والرد، أن 50% من الأنساق المحتشدة كانت عبارة عن أجهزة هيكلية ومجسمات لدبابات ومدافع ميدان وراجمات صواريخ ووسائل نقل. ممّا ساهم بتمرير عملية خداع كبيرة وأبقت نية القيادة الروسية مجهولة حتى لحظة البدء بالعمليات صباح اليوم 24-2-2022.

اعتمد الروس نمطًا في مدرستهم العسكرية الجديدة الناتجة عن تطوير مبادئ الحرب التي كانت تتميز بها المدرسة العسكرية الشرقية، والتي تعتمد على الطاقة النارية المدعومة بسيل من أنساق المشاة، الذي يحقق النصر التعبوي ثم الاستراتيجي. المدرسة الروسية العسكرية الجديدة كانت مدرسة منحوتة من دروس إخفاقات حرب أفغانستان الأولى والعراق وليبيا وكوسوفو ومن التجربة العتية لحرب سوريا، التي طور فيها الجيش الروسي عقيدته العسكرية ومبادئ حربه وطرائق قتاله وأساليب تشغيل القوات بمختلف صنوفها (جو، بر، بحر، سلاح صاروخي استراتيجي وحرب الكترونية) ومراتبها (تكتيكي، تعبوي، استراتيجي)

وذلك من خلال:

• احتكاكه بحلفائه الذين يبدعون بمبدأ التقرب غير المباشر، وبمدرسة الحرب اللامتماثلة وحروب الجيلين الثالث والرابع، فضلاً عن امتلاكهم لواحدة من أهم منظومات البحث والتطوير من خلال الدروس المستفادة في العالم.
• اشتباكه مع أعدائه الذين يطبقون مبادئ وعقائد عسكرية مماثلة للحلفاء ولكن وفق الفكر العسكري الغربي.

هذه التجربة الغنية التي اكتسبها الجيش الروسي أتبعت بمناورات وتدريبات مكثفة وفقاً للمستخلص من الدروس المستفادة، وألحقت أيضاً بتطوير منظومات الأسلحة المتفوقة والكاسرة للتوازن التي يمتلكها الروس والتي أضيفت إلى الترسانة العسكرية الروسية المحدثة مما جعل الجيش الروسي متفوقاً على غريمه الامريكي بشكل كبير في أسلحة البر والطيران الاعتراضي والدفاع الجوي وسلاح الصواريخ السابحة والمنخفضة المسار (الكروز) والفرط صوتية.

2- تطبيق الدروس المستفادة في العملية العسكرية الراهنة بأوكرانيا
هناك بعض الدروس المهمة المستفادة من كيفية متابعة المؤسسة العسكرية والأمنية الروسية للعملية ذات الصلة في سوريا حيث قرر الكرملين اختيار القوة العسكرية كخيار للدبلوماسية القسرية ضد أوكرانيا. وتطبيق هذه الدروس وفرض نوع من القتال يختلف عما تتوقعه الولايات المتحدة والتي دربت وجهزت القوات الأوكرانية من أجلها.

أولاً، بدلاً من التركيز على احتلال الأراضي بشكل واسع ركزت العملية العسكرية الروسية اليوم بشكل أساسي على تدمير القدرات الاستراتيجية المسؤولة عن:

– القيادة والسيطرة
– تشغيل وهداية القوات الاوكرانية كالرادارات ومنظومة الاتصالات
– كما استهدف من اللحظة الأولى بصواريخ مناسبة مخازن سلاحين مؤثرين على العمليات العسكرية الروسية أحدهما تكتيكي وهو أسلحة التاو المطور والجافلين الذين يفتكان ويعيقان الدبابات – وسلاح الستينغر المطور الذي يفتك بطائرات المي 24 و54 اللتين استعملتا بكثافة، والذي يعيق أيضاً الحركة السلسة لعمليات النقل العسكري الجوي الروسي إلى أرض المعركة، والآخر تعبوي وهو سلاح المسيرات من نوع بيرقدار- T2، والذي يؤمن بشكل كبير إطباقاً معلوماتياً تعبوياً لتحركات ونوايا القوات في أرض المعركة.

ثانياً: عملت طلائع القوات الروسية المقتحمة على تفكيك وعزل الجيش الأوكراني في مناطق العمليات وعلى تحييد عناصر الثقل فيه التي قد يستفيد منها في أي عمليات مستقبلية كبيرة مثل (قيادة المخابرات العسكرية – غرفة التخطيط العسكري التابعة لوزارة الدفاع الاوكرانية – قيادة القوات الخاصة – قيادة منظومة الحرب الالكترونية) حيث تولت ثلاث إلى أربع فرق من 6 اتجاهات عمليات:

1- التقرب الجوي والبحري من مدينتي أوديسا وماريوبول الواقعتين على بحر آزوف في الجنوب الغربي بهدف تطويقهما وعزلهما ثم الاطباق عليهما حيث استهدف إنزالين بحريين وجويين هاتين المدينتين الساحليتين كل غلى حدة فجرى عزلهما وتطويقهما ثم الاطباق عليهما.

2- التقرب البري من مقاطعتي لوهانسك و دونيسك قي دونباس ومدينة خاركوف في الشرق والشمال الشرقي من خلال إرسال ثلاث أفواج من الدبابات وتنقيذ إنزالات في مناطق حاكمة فضلاً عن تطوير هجوم دونيسك ودونباس بعد احتلالهما ليساهم في الزحم العسكري في مدينة خاركوف التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا والتي تتمتع بأهمية إستراتيجية في عدة مجالات منها التعزيز الآني من روسيا ومنها إمكانية تطوير الهجوم للمساهمة في الهجوم الرئيسي على العاصمة كييف في الشمال مع القوتين اللتين دخلتا من الشمال من روسيا وبلاروسيا والتي ترابط إحداهما على بعد 8 كيلومترات شرق العاصمة كييف .

3- الاستمرار في المحافظة على الهدف من العملية العسكرية رغم تحقيق المبادأة حيث لم يفصح الروس بعد من خلال جهازهم الاعلامي الدعائي ولا من خلال نسق هجومهم الهدف النهائي للعملية التي تحتمل وقف العملية إذا رضخت كييف لشروط روسيا وفي نفس الوقت تحتمل تحول رؤوس الجسور الخمسة التي تشكلت من دخول القوات الروسية إلى هجوم رئيسي ونهائي لاحتلال العاصمة الاوكرانية كييف. حيث لا زال الروس بإخفائهم هدف العملية يحافظون على بصمة خفيفة نسبيًا على الأرض. اختاروا عدم التركيز على احتلال واسع للأراضي والاهتمام بالعمليات الانسانية وعدم الاشتباك إلا للضرورة مع وحدات الجيش الأوكراني إلا إذا فرضت العمليات وتطويرها ذلك.

4- أظهر الروس، لا سيما في إطلاق صواريخ كاليبر كروز واسكندر من أسطول البحر الأسود ومن داخل الأراضي الروسية، قدرات على شن ضربات مميتة من أصول موجودة داخل الأراضي الروسية. كان النص الضمني لاستخدام السفن المطلة على البحر الأسود هو توضيح أن القدرات الروسية الرئيسية لم تكن بحاجة إلى إرسالها و “كشفها” ولكن يمكن استخدامها دون خوف من الانتقام أو الهجوم المضاد.

5- مرة أخرى أعاد الروس التأكيد من خلال تشغيلهم للقوات أهمية الطائرات السمتية الحاسم في العمليات البرية السريعة للجيوش الحديثة حيث أنها تحقق إطباقاً تكتيكياً على الميدان.

6- تميز التشغيل المتقن للقوات الخاصة والبرية والمدرعة والبحرية والجوية وسلاح الصواريخ بتناغم كامل مما حقق المفاجئة السريعة التي دمجت بين مدرستي الصدمة والرعب وبين مدرسة الانقضاض والزحف الخاطف في أراضي المعركة. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد القوي بقوة منظومات القيادة والسيطرة الفرعية (التابعة لكل سلاح بذاته) والمنظومة المركزية التي تدمج كل القوات وتحافظ على تناعمها وعملها الجماعي المتقن.

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا
أولاً

لابد من التنويه أن الروس تصرفوا منذ بداية أزمة أوكرانيا في شباط 2014 بأن الدعم الخارجي هو عامل حاسم في نجاح صمود القوات المحلية بدونباس وشبه جزيرة القرم ويمكن أن يتخذ الدعم أشكالًا عديدة مثل الملاذ الآمن والدعم المالي ، وتسليم العتاد ، والدعم الاستخباراتي ، والتدريب ليتمكنوا من المحافظة على صمودهم حتى عندما يكونوا تحت ضغط هائل من قوة محتلة كأوكرانيا وهذا ما نجحوا فيه إلا في حالة مدينة ماريوبول التي شنت القوات الاوكرانية بعد أحداث انفصال شبه جزيرة القرم عملية كبيرة دخل فيها ربع الجيش الاوكراني آنذاك .

في المقابل فإن عدداً من مراكز ألعاب الحرب الامريكية والبريطانية نظمت في الأسابيع الستة الماضية محاكاة حول التحديات والفوائد التي يواجهها أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دعم أو عدم دعم تمرد قادم في أوكرانيا في حال احتلت روسيا مساحة كبيرة أو صغيرة من أوكرانيا، المحاكاة التي بلغت 9 عمليات أجريت اعتمادًا على وجه التحديد، حول كيف يمكن أن يعمل دعم الوحدات الأوكرانية إذا استولت روسيا على دونباس؟ شرق أوكرانيا حتى نهر الدنيبر،

بما في ذلك كييف؛ أو سيطرت على البلد بأكمله فأظهرت نتائج السيناريوهات نسباً تقارب التعادل بنسبة 50 % للدعم:
– حيث يمكن أن يقدم الغرب الدعم للأوكرانيين الذين يقاتلون ضد قوة احتلال روسية شرط عدم المغامرة بمخاطرة سياسية نتيجة للدعم؛
– 50% لعدم الدعم حيث لا يمكن أن يحدث ذلك، إما لأنه ينطوي على مخاطرة سياسية كبيرة أو أنه لا يوجد قوة متمردة منظمة لدعمها..

ونعرض فيما يلي السيناريوهات المتوقعة بعد اجتياح الجيش الروسي لأجزاء من أوكرانيا وهي خمسة سيناريوهات محتملة:

أولاً: السيناريو الأول الذي نرجحه هو سيناريو الإطاحة بالنظام الأوكراني الحالي وتحقيق عودة روسيا لممارسة دورها كقطب وكقوة عظمى في العالم عن طريق:

– العمل العسكري المباشر على كل أوكرانيا وعدم السماح للقيادة الاوكرانية بالفرار إلى غرب أوكرانيا وهذه الفرضية ترجمها طبيعة الانتشار الحالية للقوات الروسية التي دخلت أوكرانيا وحالة الجيش الاوكراني الحالية المعنوية المنهارة بفعل عدة عوامل.

– أو عن طريق الحصار والاكراه للتخلي عن الحكم.
– أو عن طريق دعم تحركات شعبية منسقة للمساعدة في الاطاحة بالنظام الاوكراني الحالي.

سيقوم الناتو (حسب منهجيته التي اعتمدها في أفغانستان وسوريا وكوسوفو والبوسنة والهرسك) بتقديم الدعم المادي للمتمردين. ويؤسس ذلك لديناميكية خبرها الروس منذ احتلال أفغانستان عام 1979، الذين يمكن أن يردوا على كل عملية تستهدف قواتهم بإزعاج أوروبا إما بإمدادات الغاز أو بتقييد حركة التجارة البحرية في بحري آزوف والأسود الذين سيصبحان بحيرة روسية تركية مع أرجحية لروسيا، ولدى موسكو تحت تصرفها العديد من الأدوات المؤثرة للرد، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والنفوذ الاقتصادي.

ثانياً: السيناريو الثاني والذي لا يقل خطورة عن الأول هو أن تتوقف موسكو عند نهر دنيبر، وتأخذ نصف أوكرانيا الشرقي، بما في ذلك كييف. هذا يترك أوكرانيا الغربية، مع موارد اقتصادية محدودة ودفاعات قليلة، تعتمد إلى حد كبير على الجيران في الغرب للحصول على الدعم الاقتصادي والمساعدات ولن يمنع موجات تهجير قد تتعدى ال 5 ملايين مهاجر ستزدحم بهم أوروبا ومعظم الدول المنضمة حديثاً للناتو، ومع وجود هذا العدد كبير من اللاجئين على الأرجح.

في هذا السيناريو، فسيكون للغرب (للناتو وواشنطن) أيضًا أقل قدر من التأثير على ما يحدث داخل أوكرانيا. فبدلاً من أن تقاتل موسكو من أجل السيطرة في أوكرانيا، لها الحرية في تحويل انتباهها إلى مكان آخر.

وهو على الارجح جمهوريات البلطيق الثلاث المزعجة. وهنا قد لا يمكن تقديم أي دعم للمتمردين الاوكرانيين باستثناء استقبال الموجات الكبيرة من اللاجئين، وسيزيد أيضًا من الخطر على المدى المتوسط المتمثل في تشجيع موسكو على مواصلة تهديداتها لأوروبا بلا هوادة.

ثالثاً: السيناريو الثالث الأكثر تواضعًا بالنسبة لموسكو وهو الاستيلاء على دونباس كما حصل اليوم،

بعد أن أنشأت روسيا قوات تقليدية في المنطقة وأدخلت جيشها اليوم، سيبدو التمرد الاوكراني اللاحق بمثابة تحول في الوضع الراهن.

فالقوات الأوكرانية المنكفئة ستجد أمامها أعداداً كبيرة من القوات النظامية الروسية كأهداف جديدة. وستحتاج هذه القوات، المنعزلة عن الجيش الأوكراني، إلى دعم إضافي على المدى المتوسط من خارج المنطقة وستحتاج إلى إعادة تنظيمها لتصبح قوة حرب عصابات، بدلاً من وحدات عسكرية رسمية.

سيحتاج المقاتلون إلى ملاذ آمن في بقية أوكرانيا، إلى جانب طرق الإمداد بالأسلحة والمواد الأخرى اللازمة، لأن روسيا يمكن أن تشبع المنطقة بقوات نظامية وغير نظامية. ربما يحتوي هذا السيناريو على أكثر الآثار محدودية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي والغرب، والذي يشبه على الأرجح ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.

رابعاً: السيناريو الرابع هو انقسام أوكرانيا إلى جبهتين هما غرب أوكرانيا مقابل شرق أوكرانيا

قد تقرر موسكو نقل القوات من الشرق والشمال والاستيلاء على جميع الأراضي الواقعة شرق نهر دنيبر، بما في ذلك كييف. يعكس هذا الانقسام صدى برلين خلال الحرب الباردة، حيث حاول المنشقون الانتقال من الشرق إلى الغرب، وتحرك الجواسيس في كلا الاتجاهين. سيتطلب دعم الناتو للتمرد طرقًا ثالثاً لتأمين عبور نهر دنيبر بالمعدات والأشخاص.

كما سيتطلب الأمر من غرب أوكرانيا أن يكون لديها خدمة عسكرية واستخباراتية فعالة، وكلاهما ضروري لدعم التمرد على الجانب الآخر من الحدود. ستحتاج الحكومة الأوكرانية الغربية إلى دعم من أوروبا – بالإضافة إلى الدعم المقدم للمتمردين في الشرق – لتعزيز استقرارها في أعقاب نزاع عنيف وفي مواجهة خصم روسي ملتزم. قد يؤدي التمرد إلى تشتيت انتباه روسيا، مما يجبرها على إعطاء الأولوية لإدارة الاضطراب بدلاً من ضم إضافي للأراضي.

النتيجة التي ستحصل من هذا المزيج هي تعرض أوكرانيا الغربية لهجوم مستمر، حيث ستسعى موسكو إلى تقويض الحكومة الصديقة المشكلة في الغرب بكل أداة من مجموعة أدواتها، من الهجمات الإلكترونية إلى المعلومات المضللة والدعاية الموجهة ضد الأوكرانيين الغربيين. ستقوم مديرية المخابرات الروسية الرئيسية (GRU)، وجهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، وجهاز المخابرات الأجنبية (SVR) بإلقاء موارد هائلة لاختراق الأجهزة الأمنية لحكومة غرب أوكرانيا من أجل تعطيل دعم المتمردين في الشرق.

خامساً: السيناريو الخامس هو تهديد أوكرانيا الغربية

في السيناريو الذي تستولي فيه روسيا على شرق أوكرانيا، التي ستنقسم إلى دولة متحالفة مع روسيا في الشرق ودولة عميلة للناتو ولأوروبا في الغرب.

وهنا ستسعى روسيا بكل ما أوتيت من قوة عسكرية وغيرها لإغلاق الحدود بين البلدين على طول نهر الدنيبر. ستحتاج الدولة المستقلة في الغرب إلى إنشاء عاصمة جديدة، ومجموعة فاعلة من مؤسسات الدولة، واقتصاد قابل للحياة، بدون الموارد الطبيعية للشرق.

كما ستواجه تدفقاً للاجئين من الشرق يسعون للهروب من الحكم الروسي. سوف يلجأ غرب أوكرانيا إلى أوروبا طلباً للمساعدة. وليس معلوماً ما إذا كانت هذه المساعدة وشيكة والتجربة أظهرت أن أوروبا لم تتقدم للمساعدة بشكل فعال في أزمة اللاجئين السوريين، حيث اختارت العديد من الدول بدلاً من ذلك إغلاق حدودها بعد عام 2015-2016 وهنا كلما بدا غرب أوكرانيا أضعف، كلما زاد ميل الرئيس بوتين إلى الاستيلاء على بقية البلاد بالقوة.

العالم

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version