باستشهاد السيد عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله في لبنان، في 16 شباط 1992، ظهر السيد حسـن نصر الله أميناً عاماً جديداً للحزب.
دراسة سجل السيد حسـن نصر الله الممتد لثلاثة عقود على رأس هرم حزب الله كمنظمة اجتماعية وثقافية وشبه عسكرية، تظهر نجاحه في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحزب، لدرجة أنه بعد هذه الفترة، بات الصديق والعدو يعتبره من نقاط قوة حزب الله.
وفي هذا الصدد، أجرت دوائر التجسس التابعة للکيان الصهيوني منذ فترة طويلة بحوثًا مكثفةً لدراسة أبعاد شخصية الأمين العام لحزب الله وكيفية اتخاذه للقرارات في المواقف الحرجة، حتى يتمكنوا من التنبؤ وتحديد أفعاله في المواقف الحساسة.
وفي خطوة غير مسبوقة العام الماضي، نشر فرع المخابرات العسكرية التابع للکيان الصهيوني مجموعةً من المعلومات الصحيحة أو الخاطئة عن الأمين العام لحزب الله اللبناني، والتي أطلق عليها “ملف السيد حسـن نصر الله السري”.
خطوة جهاز التجسس التابع للکيان الصهيوني هذه، والتي کانت محاولةً للتستر على فشل هذه الأجهزة في اغتيال السيد حسـن نصر الله، سعت إلى توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي مفادها أنه لا توجد إرادة سياسية في تل أبيب للاغتيال الأمين العام لحزب الله؛ لكن وفقًا لمسؤولين ومحللين سياسيين صهاينة، كانت هذه الإرادة حاضرةً دائمًا لدی صانعي القرار الإسرائيليين، ولا تفوت إسرائيل أي فرصة لاغتيال أمين عام حزب الله.
ولخطابات الأمين العام لحزب الله في لبنان، مثل شخصيته، تأثير كبير على الدوائر السياسية والاجتماعية للکيان الصهيوني، إلى الحد الذي اعترفت فيه وسائل الإعلام المختلفة لهذا الکيان مرارًا وتكرارًا بأن الرأي العام الإسرائيلي عشية كل خطاب رئيسي للسيد نصر الله، ينتظر هذا الخطاب ليرى أين سينتهي مصير الملفات المهمة في المنطقة.
حتی أن الکيان الصهيوني قام بتدريب خبراء تعليماً عالياً وعلی مستوی الدكتوراه، ليسعوا للحصول على معلومات من الأمين العام لحزب الله وكيفية تفکيره ودراسة شخصيته علی مدار الأسبوع.
وبعد هزيمة الکيان الصهيوني في حرب عام 2006، أكد شيمون بيريز، رئيس الکيان السابق، في تصريحاته أمام لجنة فينوغراد المسؤولة عن دراسة أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله، أنه من أهم عوامل انتصار حزب الله على إسرائيل، هو أنه على الجانب الآخر كان هناك شخصية مثل السيد حسـن نصر الله.
إغتيال الشخصية.. استراتيجية الصهاينة القديمة-الجديدة ضد نصر الله
يعتقد الإسرائيليون أن أهمية ومصداقية هذه الصورة لا تقل خطورةً بالنسبة لهم عن سلاح حزب الله، لأن صدق خطابه وصراحة لهجته معروفان ليس فقط في الأوساط العامة اللبنانية، ولكن أيضًا في الرأي العام الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية ملحقًا قبل أيام، حتى تتمكن من تشويه صورته في سياق حرب نفسية واسعة النطاق ضد أمين عام حزب الله. ومن بين المزاعم غير الصحيحة التي وردت في هذا الملحق، دور حزب الله في غسيل الأموال وقيادة العمليات المصرفية في لبنان، فضلاً عن تهريب المخدرات وتهريب الأعضاء.
وأشار كاتب هذا المقال المحلل والخبير الإسرائيلي يواف ليمور إلى أن الردع والإحباط اللذين يمارسهما السيد حسـن ضد الجيش الإسرائيلي، وشدد على أن الإحباط كان كبيراً، لدرجة أن جميع المرشحين لانتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية 1999 تعهدوا بالانسحاب من لبنان، ليكون شعارهم الانتخابي الرئيسي لجذب الرأي العام.
وفي أحد الكتب المدرسية للطلاب الصهاينة والذي يدرَّس في مدارس الکيان الرسمية، يوصف الأمين العام لحزب الله في لبنان بأنه شخصية كاريزمية وغير عادية.
ومع تصاعد أزمة المحروقات في لبنان منذ بداية الشتاء، وجهود السيد حسـن نصر الله لنقل المحروقات من إيران إلى لبنان، كتبت صحيفة “إسرائيل ديفنس” الإسرائيلية في مقال أن نصر الله سيصبح البطل القومي للبنانيين.
مأزق إسرائيل مع السيد حسـن
إن دراسة مجموعة العوامل والإشارات تظهر مأزق إسرائيل في التعامل مع الشخصية الثقافية والسياسية والعسكرية للسيد حسن نصر الله. وبينما لا تملك الأجهزة العسكرية والاستخباراتية التابعة للکيان الصهيوني القدرة علی اغتيال الأمين العام لحزب الله، فإن إعلام الکيان غير قادر هو الآخر على تشويه صورة نصر الله العامة الصادقة، ليس فقط داخل لبنان، ولكن أيضًا بين المستوطنين الإسرائيليين.
ونختم بالقول إن مأساة تل أبيب هي أن قدرة السيد حسـن نصر الله علی إدارة الأزمات تبقی نقطةً مجهولةً وغامضةً لصناع القرار الصهاينة، مما يجعل أي مغامرة عسكرية كابوساً للإسرائيليين.