تعيشُ دويلةُ الإمارات ومعها كيان العدوّ الصهيوني حالة رعب مشتركة، بعد عمليتين نوعيتين للقوات المسلحة اليمنية استهدفتا مواقع حساسة في أبو ظبي ودبي، وما يدلل على ذلك حجم الاتصالات المكثّـفة بين الكيانين، وزيارة الرئيس الإسرائيلي إلى أبو ظبي، في حدث وصفه الكثيرون بأنه يأتي في سياق المخاوف المشتركة من قدرات الجيش واللجان الشعبيّة، والقوة الصاروخية والطيران المُسَـيَّر اليمني.
وأثارت عمليةُ “إعصار اليمن” الثانية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية، في العمقين الإماراتي والسعوديّ، الذعرَ والقلقَ لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي عبَّرت في وسائل إعلامها عن القلق الشديد، جَرَّاءَ هذه العملية، التي استهدفت مواقعَ حَسَّاسَةً وعلى رأسها قاعدة “الظفرة” الجوية التي تعد مركزاً عسكريًّا لقادة القوات الأمريكية والمشاركة في العدوان على اليمن، وأهدافاً أُخرى في أبو ظبي، وكذلك عدد من القواعد العسكرية في العمق السعوديّ في منطقة “شروره” ومواقعَ حيوية وحسّاسة في جيزان وعسير بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
ضربةٌ جريئة
وَيؤكّـد الخبيرُ العسكري اللواء خالد غراب أن العدوّ الإسرائيلي قَلِقٌ من الضربات اليمنية، التي طالت العمق الإماراتي خُصُوصاً، بعد أن أجرى عملية حسابية بقياس المسافة بين اليمن ودبي، والتي من خلالها تأكّـد أن هناك باقي أربعمِئة كيلو متر حتى تصل الصواريخ اليمنية إلى ميناء “إيلات”، لكنه لم يعلم أن هناك منظوماتٍ صاروخيةً وطائرات مسيَّرة لم تستخدم بعد، وسوف تصل إلى العمق العدوّ الإسرائيلي.
ويوضح غراب في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن العدوَّ الإسرائيلي بحسب قراءته لعملية “إعصار اليمن” الثانية والواسِعة والتي سمّاها “بالجريئة”، خُصُوصاً بعد ما قامت به دويلةُ العدوان الإماراتي من تحَرُّكات سياسية ودبلوماسية وعسكرية، وأصدرت بياناً من مجلس الأمن ومن الجامعة “العبرية” وليس العربية حول عملية “إعصار اليمن الأولى” لن يجرؤ اليمنُ على تنفيذ عملية” إعصار اليمن الثانية ” التي استهدفت العُمقَ السعوديّ والإماراتي مرةً ثانيةً،
وطالت أهدافاً هامَّةً وحسَّاسةً، وخَاصَّةً قاعدة “الظفرة” الاستراتيجية التي تضُمُّ عدة قوى أجنبية بما فيها الأمريكي والإسرائيلي، ولهذا اعتبر كيان العدوّ الصهيوني هذه العملية “جريئة” من اليمن على قاعدة “الظفرة” التي تتواجد فيها كُـلّ القوات العسكرية بما فيها الأمريكية والإسرائيلية، مستدركاً بالقول: “لأن القوات المسلحة والشعب اليمني لا يحسِبُ للعدوان الأمريكي والإسرائيلي أيَّ حساب ولكل دول العالم المشاركة في العدوان على بلادنا”.
وبحسب اللواء غراب فَـإنَّ استهدافَ القوات المسلحة اليمنية لقاعدة “الظفرة” يعد رسالةً هامةً؛ كونها تعد منطلقاً لطائرات حربية تقصف أبناء شعبنا اليمني، مشدّدًا على أنه لا موانع لدينا على الإطلاق في الدفاع عن مواطنينا وأراضينا مهما كانت التضحيات.
وكون دويلة العدوان الإماراتي تحمي نفسها بالوهم، يؤكّـد الخبير العسكري اللواء غراب أن الكيان الصهيوني باع بعد عملية إعصار اليمن الأولى من الإمارات منظومات دفاعية وتجسسية والتي سرعان ما تم اختبارها بالصواريخ اليمنية التي أثبتت عجز وضعف العدوان ومنظوماته الفاشلة، ولهذا إذَا لم يرتدع فَـإنَّ القوة الصاروخية اليمنية ستكون حاضرة، وفي العمق وباستراتيجية لم تتوقعها دول العدوان، حَيثُ رأت دولة العدوان الإماراتي الاستجابة السرعية في عملية إعصار اليمن الثانية، والتي جاءت بعد أسبوع من العملية الأولى نتيجة التصعيد والمجازر الأخيرة التي ارتكبتها في اليمن.
متابعةٌ دقيقة
من جانبه، يقول السفير والمحلل السياسي الدكتور محمد السادة: إن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي يقوم برصد عمليات اليمن العسكرية ومراجعتها وتقييمها، وَأَيْـضاً يقوم برصد وتحليل خطابات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- والذي أكّـد قبل فترة طويلة أن العدوّ الإسرائيلي ليس بعيداً عن الضربات اليمنية في حال تمادى، ولهذا فَـإنَّ الصهاينة يحملون ما نقوله على محمل الجد.
ويؤكّـد السفير السادة في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن عرض العدوّ الإسرائيلي بتقديم المساعدة للإمارات كان في هذا الإطار، منوِّهًا إلى أن العدوّ الإسرائيلي قد يتلقى خلال الأيّام القادمة ضرباتٍ موجعةً في عمقه سواءٌ أكان في الأراضي المحتلّة، أَو في عرض البحر، في حال لم يتوقف العدوان، وبهذا فَـإنَّ الصهاينة يأخذون الضربات اليمنية لدول العدوان السعوديّ والإماراتي على محمل الجد، معتبرين تلك الضربات قد تكون في أي وقت في العمق الحيوي التابع لهم.
ويؤكّـد السفير السادة أن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي أصبح اليوم يدرك بأن اليمن يمتلك قدراتٍ عسكرية وتكنولوجية متطورة، وأن الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي تتخطى من 1200 كيلو متر إلى 1500 كيلو متر، تجعل من السهل ضرب العدوّ الإسرائيلي والمناطق التي يحتلها في فلسطين، وقادرة على الوصول إلى العمق الحيوي، ولهذا فإسرائيل تعتقد أن الضربة القادمة ستكون موجَّهةً إليها.
وحول منظومة القبة الحديدية التي تعول عليها دولة العدوّ الإسرائيلي، يقول السادة: إذَا كانت صواريخ الباتريوت وهي تعتبر نظاماً متقدماً لم تنفع السعوديّة، ولم تستطِع حمايتها من الصواريخ اليمنية، فَـإنَّ القبة الحديدية رأيناها في الحرب الأخيرة في غزة، حَيثُ استخدمت حماس تكتيكاتٍ عسكريةً واسعة مثل كثافة الصواريخ التي بدورها أضعفت من قدرات القبة الحديدية، ولهذا لا تعول عليها إسرائيل التي تعتقد أن الضربة القادمة ستكون موجهة إليها.
مصالحُ استراتيجية
وفي عُمق المشهد ونتيجة لإعصار اليمن الثاني ثمّة قراءة للمشهد المستجد في اليمن منذ إعادة دويلة العدوان الإماراتي تفعيل مرتزِقتها انطلاقاً من شبوة، الأمر الذي يؤكّـد أن دويلة العدوّ الإماراتي ترعى 3 مصالحَ إسرائيلية استراتيجية في اليمن:
– الأولى عبر التمويل السخي، خُصُوصاً مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تتعرّض لها الولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤثّر في التقديمات النوعية التي توفّرها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتستعيض عنها الأخيرة بأبو ظبي.
ومن هنا، فَـإنَّ تعرُّضَ دويلة العدوان الإماراتي لضربات متتالية في عمقها الحيوي والحسّاس يُدخلها في دوامة من الاستنزاف للموارد المالية المأمولة بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر أحد أكبر المتضرّرين من توالي الضربات اليمنية على الإمارات.
– الثاني، عبر شركة «موانئ دبي العالمية»، تشكّل الإمارات مظلّة للإطلالة والملاحة الإسرائيليتَين في البحر الأحمر وباتّجاه الهند والصين.
أما الثالث، عبر الانخراط المباشر في الميدان، تؤمّن دويلة العدوّ الإماراتي، من خلال علاقاتها وقدراتها ومواردها، خزاناً بشرياً من المرتزِقة الموالين لها لرفد الجبهات، خُصُوصاً في المحافظات الجنوبية المحتلّة ومأرب، وهذا ما يُعتبر بمثابة “القوة البرية الأمريكية” غير المعلنة في اليمن.
ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار الكيان الإسرائيلي أحد أكبر المتضرّرين من توالي الضربات اليمنية على دويلة العدوّ الإماراتي؛ لأَنَّ عجز الأخيرة عن أداء المهام الموكلة إليها في اليمن، سيؤثر مالياً وميدانيًّا واستراتيجياً في خططها المستقبلية التوسّعية، ومن هذه الزاوية أَيْـضاً، يمكن فهم إصرار القوات المسلحة اليمنية على اعتبار الإمارات دويلة غير آمنة.
صحيفة المسيرة