يوم قرّر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «اقتحام» اليمن للقضاء على «أنصار الله»، ودعْم «شرعية» هادي، كان الأمير السعودي الشاب، القادم إلى سدّة الحُكم باندفاعٍ كبير مكّنه لاحقاً من الإطاحة بالمنافس القوي الأمير محمد بن نايف، قد خطّط مسبقاً لأن تكون عملية الاقتحام تلك «نظيفة وسريعة».
وبناءً على ذلك، بنى ابن سلمان «عالمه اليمني الخاص»، بصرف النظر عن وقائع الميدان، وراح يأمر مستشاريه ومأموريه بوضع الخطط والتصوّرات التي تُترجم رؤيته لـ«يمن خالٍ من أتباع إيران» ومنصاعٍ كلياً لإرادته الملَكية، فصاغ له هؤلاء خططاً على قياس حُلمه: يمنٌ بلا جيش، تُدير شؤونَه السعودية عبر لجان سياسية واقتصادية وأمنية، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
في تشرين الثاني من العام 2015، عندما كان ابن سلمان وزيراً للدفاع ووليّاً لوليّ العهد، وفيما كانت الحرب على اليمن في مراحلها الأولى، أمر بالشروع في إعداد برنامج اقتصادي وتنموي لليمن يكون تنفيذه متزامناً مع الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، التي اعتبر أن دخوله إليها سيكون سهلاً وإنجازه فيها سريعاً.
على الفور، تَشكّل فريق عمل مكوّن من مستشارين في الديوان الملكي ووزارتَي المالية والخارجية وصندوقَي «السعودي للتنمية» و«الاستثمارات العامة»، وممثّلين عن وزارة الدفاع والمستشار العسكري لابن سلمان إضافة إلى السفير السعودي في اليمن، بمهمّة عاجلة تتمثّل في الإعداد لـ«مُقترح سموّه» ليمن ما بعد «عاصفة الحزم»، على أن يُعرض هذا المقترح فور إنجازه على مجلس الشؤون السياسية والأمنية.
تَعتبر «رؤية» ابن سلمان أن اليمن لا يحتاج إلى قوات مسلّحة بعد انتهاء الحرب
وثائق ممهورة بعبارة «سرّي للغاية/ غير قابل للتداول»، اطّلعت عليها «الأخبار»، تَكشف محضر اجتماعات فريق العمل الخاص بـ«إعداد برنامج اقتصادي وتنموي لليمن»، وتُظهر أن الفريق المذكور وضَع بالفعل تصوّراً شاملاً لمستقبل هذا البلد، يَلحظ مناحي السياسة والأمن والاقتصاد والتنمية والمساعدات الإنسانية.
«هِمّة» مجموعة ابن سلمان هذه تترجِم «الخطأ الجسيم» في قراءة الحرب ومآلاتها وتحوّلاتها، وتُظهر استعجال السعودية تحويل جارتها إلى «حديقة خلفية» منزوعة السلاح، يُديرها مجموعة من المستشارين المرتبطين بالديوان الملكي، والذين يديرون بدورهم مجموعة من الساسة ورجال الأعمال اليمنيين. مقارَنة وضع المعركة في اليمن اليوم مع ما كان يتصوّره ابن سلمان عند انطلاقها قبل نحو سبع سنوات، قد تُفسّر الإرباك السعودي الكبير الذي اتّسم به أداء «التحالف» عسكرياً وسياسياً.
لم تفشل السعودية في تحقيق أهدافها الأساسية من العدوان، والمتمثّلة في هزْم «أنصار الله» وإعادة تثبيت حكومة هادي وسيطرتها، فحسب، بل تَحوّل الجيش و«اللجان الشعبية»، اليوم، بعد سنوات القتال الطويلة، إلى قوّة قتالية هائلة برّاً، وصاغوا معادلات جوّية عبر المسيّرات والصواريخ الباليستية، كان آخرها ضربُ العُمقَين السعودي والإماراتي، في تحدٍّ نقَل المعركة إلى مستوى أكبر من المخاطر على «الأمن القومي» السعودي. وهذا واقع مستجدّ فشل العقل السعودي في تَوقُّعه منذ بداية المغامرة في آذار 2015.
المملكة التي اعتقدت أنها ستنتصر في الحرب عبر القصف الجوّي المكثّف، في غضون أسابيع معدودة، صار عُمقها الجغرافي اليوم هدفاً شبه دائم لعمليات الردّ اليمني، وهو وضْع جعل الدعوات المتكرّرة التي تطلقها الرياض من أجل «السلام» لا تجد طريقها إلى آذان قيادة صنعاء، التي رفعت سقف شروطها لقبول الشروع في مفاوضات، أرادتها الرياض ابتداءً مفاوضات استسلام، لكنها أضحت اليوم تبحث من خلالها عن استراتيجية خروج من المستنقع اليمني.
ضاقت الخيارات أمام ابن سلمان في سبيل خروجه «مرفوع الرأس» من اليمن
ضاقت الخيارات أمام ابن سلمان في سبيل خروجه «مرفوع الرأس» من اليمن، فيما خُططه لتطويع هذا البلد عبر «برنامج اقتصادي وتنموي» بحاجة هي الأخرى إلى التطوير، بما يتناسب والخيارات الضيّقة أمامه لوقف الحرب، والتي يمكن اختصارها باثنين: مفاوضات جدّية بما يتوافق مع شروط «أنصار الله»، أو الذهاب إلى مشروع تقسيم اليمن. وللخيار الثاني تداعيات من شأنها أن تعيد خلط جميع الأوراق من جديد. تُظهر الوثائق التي اطّلعت عليها «الأخبار»، أن فريق العمل الخاص بـ«إعداد برنامج اقتصادي وتنموي لليمن»، عَقد منذ أواخر كانون الثاني 2016 حتى أوائل أيار من العام نفسه، ثلاثة اجتماعات مطوّلة في الديوان الملكي السعودي وبحضور جميع أعضائه.
وكخُلاصة لمَحضر الاجتماعات الثلاثة، فقد حرص المجتمعون على الخروج بالمقترحات والتصورّات ذات العلاقة بتقديم المملكة برنامجاً اقتصادياً وتنموياً لليمن، قد يساعد على التعجيل في إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار المنشود في هذا البلد، مع الإقرار بأن إعادة الإعمار والعمل على البنية التحتية يتطلّبان وجود استقرار سياسي وحكومة قائمة مستمرّة، خصوصاً أن عملية البناء ستكون صعبة «نظراً لما لحق باليمن من دمار»، مُتوقّعين أن تكون تكاليف التنمية هناك باهظة جداً.
ولذا، فقد وجدوا أنه من المناسب التعاون مع الدول المانحة الأخرى في «المجتمع الدولي»، ومؤسسات التنمية الدولية والإقليمية، مُحذّرين، في الوقت نفسه، من أن هكذا تعاون يعني التشارُك في صُنع القرار، ممّا قد يفتح المجال لدول مثل إيران لمحاولة الدخول مجدّداً إلى اليمن من خلال ذلك.
الجيش: لا سلاح ولا دور
تَعتبر «رؤية» ابن سلمان اليمنية، على المستوى الأمني، أن اليمن لا يحتاج إلى قوات مسلّحة بعد انتهاء الحرب، بقدْر حاجته إلى قوّات أمنية تتولّى حفظ الأمن، بحيث «ستضمن المملكة لليمن أمنه الإقليمي والتصدي لأي تهديد خارجي له»، مع الأخذ بالاعتبار أن فكرة بناء جيش جديد وتسليحه – إن تمت – «يجب أن تكون تحت رعاية المملكة وإشرافها».
انطلاقاً من ذلك، يكشف محضر الاجتماعات، رؤية قدّمها العميد الركن أحمد بن حسن عسيري، المستشار العسكري لوزير الدفاع محمد بن سلمان، لإعادة إعمار اليمن من وجهة النظر العسكرية، تهدف إلى أن «يكون الجيش اليمني قادراً على حفظ أمن واستقرار الدولة وتأمين مؤسساتها بشكل لا يمثل تهديداً لأمن المملكة مستقبلاً»،
وما يقتضيه هذا من «منع أي محاولة لإعادة بناء الجيش اليمني بالشكل السابق، وبناء الجيش مستقبلاً وفق مفهوم وطني شامل، وتسليحه تحت مفهوم مساندة الأمن الداخلي، ودمج عناصر المقاومة الشعبية ضمن الجيش النظامي، والاكتفاء بقوة حرس الحدود، وتحديد المهام الأساسية للجيش اليمني لتشمل المحافظة على أمن واستقرار ووحدة اليمن ومكافحة التنظيمات الإرهابية وحماية الحدود مع دول الجوار والاستمرار في مراقبة الموانئ ومنع دخول الأسلحة لليمن».
توقّع مستشارو وليّ العهد أن تكون عملية البناء صعبة «نظراً لما لحق باليمن من دمار»
وكان للجزء المتعلّق بإعادة الإعمار حيّز كبير من النقاشات؛ فقد أظهر محضر الاجتماعات خطّة مقدّمة من «الصندوق السعودي للتنمية» بشأن «تنمية اليمن» (وهي التسمية السعودية البديلة لإعادة الإعمار)، تضمّنت ثلاثة بنود:
«- المحاور الاستراتيجية للرؤية المقترحة لإعادة الإعمار والتنمية في اليمن، وتشمل العمل الإغاثي والتـنموي السريع والمباشر، والعمل الاجتماعي والتنموي متوسّط المدى، والعمل الاجتماعي والتنموي طويل المدى.
– دور المملكة العربية السعودية في مراحل العمل الإنساني وإعادة الإعمار والتنمية في اليمن، ويشمل الجانب الإنساني (يتمثل بدور مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية)، الجانب التنموي (يتمثل بدور الصندوق السعودي للتنمية)، والمشاركة مع المجتمع الدولي في تقدير الأضرار وحساب تكاليف إعادة الإعمار.
– التحضير لانطلاقة الأعمال والتحديات التنموية لإعادة إعمار اليمن، ويكون من خلال مبادرة المملكة للدعوة إلى عقد اجتماع أصدقاء اليمن، ويعقب ذلك الترتيب لعقد اجتماع لمؤتمر المانحين تستضيفه المملكة، وكذلك استمرار الأمانة العامة بمجلس التعاون لدول الخليج العربي في عقد اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن».
التوصيات: اليمن استثمار سعودي رابح
بدراسة ومناقشة ما تمّ عرضه من أفكار ورؤى وتصوّرات، انتهى الفريق إلى الخروج بالتوصيات التالية:
• أهمية ربط الدعم الاقتصادي والتنموي لليمن بما يخدم مصالح المملكة في جميع الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية.
• حاجة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى اعتماد ميزانيته للعام 2016 للاستمرار في تنفيذ برامجه، وكذلك التجاوب السريع مع متطلبات المركز من الجهات الحكومية المختلفة.
• أهمية نزع الأسلحة الاستراتيجية من جميع الأطراف باليمن والسيطرة على الأسلحة الثقيلة، ومنع أي محاولة لإعادة بناء الجيش اليمني بالشكل السابق، والعمل على أن يبنى الجيش اليمني كقوة داعمة لأمن واستقرار اليمن من الداخل، وأن لا يمتلك أسلحة استراتيجية تكون مصدراً لتهديد أمن المملكة مستقبلاً، مع الأخذ بالاعتبار صعوبة تنازل الجانب اليمني عن بناء الجيش وقبول البقاء على وحدات صغيرة أو متوسطة، كما أنه من المهم تواجد بعثة عسكرية سعودية لتدريب وتأهيل أفراد الجيش اليمني.
• ضرورة أن يتضمن أي قرار قادم لمجلس الأمن ما ينص على حظر توريد الأسلحة لليمن ومكافحة تهريبها.
• محاولة التعامل مع طبيعة الشعب اليمني وحساسيته تجاه بعض المصطلحات المتداولة، وذلك بمحاولة استخدام مصطلح «الإنسانية» عوضاً عن «العسكرية» قدر الإمكان، واستخدام مصطلح «تنمية اليمن» عوضاً عن «إعادة إعمار اليمن».
• ضرورة وجود إرادة ودعم قوي من أعلى المستويات بهدف خلق نفوذ قوي للمملكة باليمن بكافة المجالات التي تتضمن الجيش، الأمن، الدفاع، الخارجية وغيرها.
• أهمية وجود جهة تعنى بتنمية اليمن ومتابعة جميع الجوانب السياسية والأمنية والتنموية والإغاثية.
• ضرورة التعامل مع مشكلة الألغام المزروعة بشكل كبير جداً ومصانعها المنتشرة باليمن، والتي تعد أولوية قصوى قبل البدء بأي عمل تنموي، وأهمية إشراك المجتمع الدولي بعملية إزالتها.
• دخول صندوق الاستثمارات العامة لليمن بعد تحقيق مستوى مقبول من الأمن بشراكة مع يمنيين، من خلال الشركات التي يمتلك بها الصندوق حصصاً كبيرة، ودراسة المشاريع وتنفيذها حسب الاحتياجات والأولويات والتركيز على الاستثمار بشكل عاجل بالمطارات، والموانئ، والاتصالات، بحيث يتم تحقيق عائد مادي ومصالح أمنية بذات الوقت.
• دعوة الشركات السعودية كشركات الإسمنت والحديد وغيرها إلى الاستثمار باليمن.
• اعتماد ميزانية مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لعام 2016 لمواصلة تنفيذ برامجه.
• المسارعة وتنفيذ مشاريع تنموية في محافظة عدن.
• إنشاء جهاز تنسيقي عبارة عن فريق عمل دائم يعنى بتطوير البرنامج التفصيلي لتنمية اليمن ومتابعة تنفيذه مع الجهات المختلفة المحلية والدولية.
في ما يلي فحوى الاجتماع الثاني لفريق العمل الخاص بـ«إعداد برنامج اقتصادي وتنموي لليمن»، والذي عُقد يوم الإثنين 26 آذار 2016:
«تلخّصت محاور الاجتماع بمناقشة التقرير المقدّم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بشأن تقدير الاحتياجات الإنسانية وخطة الاستجابة الإنسانية لليمن، ومناقشة تقرير الرئاسة العامة للاستخبارات عن الجانب السياسي المستقبلي لليمن وتحديد المخاطر وتطوير خطة عمل الفريق.
وقسّم المجتمعون ما يمر به اليمن إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى عسكرية (القائمة حالياً)، المرحلة الثانية أمنية (بهدف تحقيق الأمن والاستقرار للبدء بالبرنامج)، المرحلة الثالثة الاحتياجات الإنسانية (من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)، المرحلة الرابعة التنمية (من خلال الصندوق السعودي للتنمية).
كما تم الاطلاع ومناقشة تقرير الرئاسة العامة للاستخبارات عن الجانب السياسي المستقبلي لليمن وتحديد المخاطر، الذي يوضح وجود أربعة سيناريوهات محتملة للوضع السياسي باليمن:
– السيناريو الأول: قبول وتنفيذ الانقلابيين للقرار (2216)، وبالتالي تساهم الحكومة اليمنية والمكونات السياسية بفاعلية بتطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل مع الأخذ بالاعتبار ما قد يواجه تطبيقها من عقبات.
– السيناريو الثاني: قبول الانقلابيين بالقرار (2216) واستمرار الاضطرابات والاختلال الأمني والسياسي في بعض المحافظات لسنوات وعدم قدرة الحكومة اليمنية على بسط نفوذها على كافة أراضي الدولة وبالذات الحاضنة للانقلابيين، بالإضافة إلى بروز المنظمات الإرهابية في بعض المناطق التي تقع تحت سيطرة الدولة، مما يسهم في تعطيل أعمال الإعمار وجمودها.
– السيناريو الثالث: أن تساهم سلطة الرئيس هادي في التهيئة لتحقيق انفصال آمن وبطيء بهدف إضعاف ردة الفعل المحلية والإقليمية والدولية المعارضة لقرار الانفصال بين الجنوب والشمال.
– السيناريو الرابع: أمام عجز حكومي لإدارة الدولة بعد انتهاء الأعمال القتالية، يعم الانفلات الأمني وتمرد قيادات المقاومة وقيام تحالفات مع بعض قادة الجيش وسياسيين ذوي توجهات حزبية أو مناطقية ويدخل اليمن في صراع أهلي.
كما اتفق الأعضاء على الرؤية المقترحة بخصوص الجيش اليمني وضرورة أن يتم تحويل جميع الألوية التي تقاتل مع الشرعية حالياً إلى ألوية أمنية تمتلك أسلحة خفيفة إلى متوسطة لا تصل بها القدرة إلى القيام بعمليات كبيرة وعدم بناء جيش بالشكل التقليدي. وفيما يختص بحماية الحدود، فيمكن أن يتم ذلك بالتنسيق مع دول الجوار ويكتفي اليمن بحرس الحدود.
وتحدث الأعضاء عن ضرورة استفادة المملكة من عملية تنمية اليمن، وأن يتم التركيز على تنمية المناطق المحاذية للمملكة لكسب ولاء ساكنيها وتركيز المشاريع في المناطق الموالية للمملكة لتكون مناطق جذب لسكان المناطق الأخرى.
وتم التطرّق إلى ما يعانيه اليمن من مشكلة المياه والتي من الممكن استغلالها لدعم اليمن وسد جزء من حاجات المملكة منها مستقبلاً، وأهمية مشاركة القطاع الخاص وبحث ما يمكنه تقديمه والاستفادة منه استثمارياً كبناء المطارات والاتصالات والموانئ وغيرها».
الاخبار اللبنانية