نفّس التحالف السعودي – الإماراتي شيئاً من غضبه، مُعيداً، كما في كلّ مرّة يتلقّى فيها صدمة عسكرية، استهداف صنعاء، التي ادّعى مجدّداً أنه استهدف منظومات صواريخ وطائرات مسيّرة فيها، ليَظهر لاحقاً وسريعاً بُطلان تلك الادّعاءات.
على أن العِبرة، على أيّ حال، ليست في ما فعله «التحالف» في الساعات الماضية، بل في ما سيفعله، وخصوصاً الطرف الإماراتي منه، في الأيام المقبلة، وهو الأمر الذي تترقّبه صنعاء لتبْني على الشيء مقتضاه. على الضفّة الإسرائيلية، تتكاثر الأسئلة في شأن تداعيات «إعصار اليمن»، والذي هبّ في توقيت حساس، تَجهد فيه تل أبيب لتكثير أوراق قوّتها.
وإذ تعتقد إسرائيل أن ضربة أبو ظبي من شأنها تضعيف تلك الجهود، فهي بدأت تتحسّب لما سيطاولها في أيّ صراع مع إيران وحلفائها، الذين ثبت أن لديهم القدرة على إيذائها
لم تستفِق الإمارات من صدمة الضربة اليمنية بعد. وعلى الرغم من أن وزارة خارجيتها توعّدت بـ«الردّ في الزمان والمكان المناسبَين»، إلّا أن المستويات القيادية في الإمارة الغنية بالنفط، تعكف، أو هذا ما يُفترض بها فعله، على دراسة الموقف بدقّة، ربْطاً بمصالحها وبعيداً عن الأجندة الأميركية وضغوطها. ومن هنا، فإن أوّل حركة تأتي بها أبو ظبي بعد تلقّيها الضربات الاستراتيجية في عُمقها الحيوي، ستكون أوّل إشارة إلى صنعاء عن نوايا «عيال زايد» للفترة المقبلة.
سيْل البيانات والتغريدات المُدينة والشاجبة والمستنكرة، وإنْ كانت الإمارات تطلبها وتحتاج إليها بشدّة، إلّا أنها لا تفيدها بشيء حيال المأزق الاستراتيجي الذي وضعتها فيه مسيّرات «أنصار الله» وصواريخها الباليستية والمجنّحة، إذ إن صنعاء تُشدّد على أن ضربة يوم الإثنين «ليست سوى البداية، وما يَصنع نهايتها هو الاستجابة الإماراتية العاقلة فقط».
وهكذا، فإن «أنصار الله» لا تملك الكثير من الأقوال بعد الأفعال التي سجّلتها في مطارَي دبي وأبو ظبي ومنطقة المصفح الصناعية، إلّا أن الثابت الوحيد هناك أن «ما بعد إعصار اليمن ليس كما قبله».
كانت السعودية من أكثر الأطراف الشاجبة حماسة، إذ أبدت استعدادها، على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، للتعامل مع مزيد ممّا وصفته بـ«التعنت الحوثي».
لكنّ ابن فرحان في تغريدته، بخلاف التغريدة «العنترية» لنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، قال إن «مبادرة السعودية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة اليمنية، لا تزال مطروحة»، في حين، أعادت واشنطن «احتضان» أبو ظبي عبر مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الذي قال إن بلاده «ستتعاون مع الإماراتيين ومع شركائها الدوليين لمحاسبة الحوثيين».
وبعيداً من البيانات والتغريدات، تبدو الإمارات أمام خيارَين: الجنوح إلى التهدئة، أو مواصلة اللعب من موقعها الوظيفي ضمن الأجندة الأميركية، بصرْف النظر عن مصالحها الخاصة.
تبدو أبو ظبي أمام خيارَين: إمّا الجنوح إلى التهدئة أو مواصلة اللعب من موقعها الوظيفي ضمن الأجندة الأميركية
في صنعاء، ثمّة ترقّب للموقف، وتعبيرٌ عن مستوى عالٍ من المعنويات والجهوزية للتصدّي، على رغم الغارات الهستيرية التي شنّها طيران التحالف السعودي – الإماراتي انتقاماً عقب ضرْب أبو ظبي، مرتكباً جرائم عديدة راح ضحيّتها العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ، الذي غاب ذكرهم عن بيانات استنكار السياسيين ورجال الدين «من المحيط إلى الخليج».
ما بعد «إعصار اليمن»، الجنوح الإماراتي نحو التهدئة من منظور صنعاء، يعني بالضرورة مساراً متكاملاً لا مكان فيه للحلول المجتزأة أو المرحلية، أوّل خطوة فيه تعديل السلوك انطلاقاً من شبوة.
أمّا الاستمرار في تأدية الوظيفة الأميركية، فهذا يعادِل دخول مرحلة تحويل الإمارات إلى «دولة غير آمنة» حيّز التنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار رسائل الودّ والتضامن الإسرائيلية التي بعثها رئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، إلى وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، متعهّداً بـ«الوقوف معاً في وجه الإرهاب»، ربْطاً بالدور «المتطوّر» للإمارات على مسار التطبيع المتسارع بين أبو ظبي وتل أبيب.
هنا، يَبرز السؤال عن الهوامش الأميركية، ومدى قدرة الإمارات على المواءمة بينها وبين مصالحها الوطنية كدولة عكفت أخيراً على فتح قنوات اتّصال بخصومها، محُاوِلة «تصفير مشاكلها» مع كلٍّ من سوريا وتركيا ومصر وإيران، التي من المتوقّع أن يزور رئيسها، إبراهيم رئيسي، العاصمة الإماراتية، بعد جولته الروسية.
وفيما يبدو أن «شمّاعة إيران» ليست فعّالة في الحالة الإماراتية الراهنة، بسبب «الأجواء الإيجابية» التي كانت سائدة في كلّ من فيينا والرياض، ربْطاً بالمحادثات المنفصلة التي كانت دائرة مع طهران، بدأ في الكواليس السياسية الخليجية الحديث عن اتصالات تجريها العاصمة العُمانية مسقط، مع الأطراف المعنيّة بـ«الحدث الكبير» المسجَّل على خطّ صنعاء – أبو ظبي، للحثّ على التهدئة وعدم تصعيد الموقف، ومحاولة إعادة الوضع إلى ما كان عليه وفقاً لتعهّدات الإمارات التي أعلنت بموجبها سحب قوّاتها من اليمن وإنهاء مهامها فيه.
إذاً، شكل المرحلة المقبلة من المواجهة بين صنعاء ودول التحالف الأميركي – السعودي – الإماراتي، يحدّده قرار أبو ظبي، بعد استفاقتها من صدمة «الرسائل المجنّحة».
وهو قرار لا شكّ أن لواشنطن تأثيراً كبيراً على شكله وتوقيته وطبيعته، ولصنعاء دوراً أكبر في تفهّمه أو رفضه، مع ما يعنيه هذا، في الحالتَين، من دخول الحرب على اليمن منعطفاً حاسماً جديداً.
الأخبار اللبنانية