لم يعد هناك من أسرار استثنائية في حرب اليمن. قبل شهور عدة، قصد الإماراتيون إيران لعقد تفاهمات جانبية تخصّ ملفات عدة، من بينها اليمن. قادة أبو ظبي يصرّحون بأن علاقتهم مع محمد بن سلمان لا تسمح بمواجهة مباشرة معه. وصراحتهم تجعلهم يتحدثون عن طلبات الولايات المتحدة منهم في اليمن وغير اليمن.
لكنهم يحسنون الحديث عن التفاهمات الجانبية التي تستهدف عدم تدفيعهم الأثمان الكبيرة جرّاء أخطاء هنا أو هناك. وهم فعلوا الأمر نفسه مع لبنان قبل أكثر من سنة. أرسلوا من يطلب هدنة إعلامية ــــ أقلّه ــــ مع حزب الله. وقالوا إنهم لا يريدون استمرار الحملة المباشرة عليهم في خطب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. وعرضوا خدمات تخصّ لبنان.
لكنهم سمعوا أن الملف الأهم، بالنسبة إلى إيران أو الحزب في لبنان، هو الملف اليمني. وفي هذا الجانب لا يحتاج قادة الإمارات الى من يشرح لهم أن الحرب فشلت في اليمن، وأن الهدف المركزي في إسقاط أنصار الله وتركيب حكم على طريقة آل سعود صار مستحيلاً، ودونه تدمير لكل بلاد المنطقة.
الإماراتيون كانوا أول من أدرك أن محور المقاومة الذي تقوده إيران لا يخفي وقوفه الى جانب اليمن، وأن المحور مستعد لتقديم كل أشكال الدعم لأنصار الله. وأي جهة في العالم تسأل، يتولّى الإماراتيون الإجابة: كما ندعم نحن جهات يمنية، تدعم إيران وحزب الله جهات يمنية أخرى.
في سياق هذه التفاهمات، كان قادة الإمارات يشكون من الإدارة السعودية للمعركة في اليمن. شكوى تبدأ من الإدارة العسكرية للتحالف، وتصل الى طريقة عمل «جيش عبد ربه منصور».
أما الحل عند أبو ظبي، فيتركز على بناء قوة يمنية قادرة على احتلال موقع مؤثر داخل الجنوب أو الوصول الى الشمال من دون تورط عسكري مباشر.
في هذه الحالة، فتحت الإمارات خزائنها ومستودعاتها، وأرسلت كل ما يحتاج إليه المتعاونون معها. وثوابتها لها أساس واحد: خطر الإخوان المسلمين في اليمن لا يقلّ عن خطر أنصار الله.
لذلك، كانت المساعي الأخيرة الخاصة بالانسحاب من الساحل الغربي مرتبطة بقرار الإمارات استغلال فرصة ما يجري في مأرب لتوجيه ضربة لحزب الإصلاح (إخوان اليمن)، ومنعه من الانتقال الى شبوة، علماً بأن الإمارات عملت بقوة على تعزيز مواقع ونفوذ أنصارها من جماعة طارق صالح (ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح) والتيار السلفي بذراعه العسكرية (العمالقة)، وأبقت على نفوذها على ميليشيات المجلس الانتقالي التي تتولى إشغال جماعة منصور هادي في محافظات الجنوب.
لم يعد هناك من جدوى لوساطات أبو ظبي مع طهران أو حزب الله، فإمّا الانسحاب وإمّا انتظار المفاجآت
لكن الجديد تمثل في تبدّل نوعي في القرار الأميركي البريطاني، وتمثّل في قرار استراتيجي بمنع سقوط مأرب. وقد بادر الأميركيون الى التدخل مباشرة في المعركة. ومن يراجع تفاصيل المعارك الأخيرة، يكتشف ما هو أبعد وأكثر خطورة، حيث البصمات الإسرائيلية.
لقد قسمت قوى العدوان مناطق مأرب بالطريقة نفسها التي قسمت فيها إسرائيل معركتها الأخيرة على قطاع غزة. وتم توزيع قطع الأسلحة في مأرب بطريقة لا تحاكي مطلقاً العقل السعودي. ونوعية العمل الاستخباري القائم الآن هناك لا تشبه بتاتاً عمل قوى العدوان خلال السنوات السابقة. لكن كل ذلك لا ينفع من دون دعم عملاني على الأرض.
وعند الحاجة الى مقاتلين، يبحث الأميركيون عن القوة القادرة على جذب مقاتلين أشدّاء بمميزات تشبه ما هو موجود عند لواء العمالقة، ليس لجهة قناعاتهم العقائدية فقط، بل لعدم وقوفهم عند حجم الخسائر التي تصيبهم في المعركة.
وفي حالة الحرب الراهنة، تحتاج المعركة إلى رجال على الأرض، وهنا يأتي القرار الأميركي بإلزام الإمارات بإعادة النظر في «استراتيجية الخروج» من الحرب، والدفع نحو التورط بصورة أكبر.
عند هذا الحد، لا يعود لأي وساطة جانبية من معنى. حتى عندما يقول الإماراتيون لإيران أو يرسلون الى حزب الله في لبنان أو الى أنصار الله في اليمن بأنهم عرضة لضغوط كبيرة من الأميركيين، فذلك لا ينفع في تعديل الوجهة الجديدة لدى قيادة أنصار الله حيال التعامل مع الإمارات من الآن فصاعداً.
وكل الوساطات لا تغيّر في قرار قيادة أنصار الله، وقرار السيد عبد الملك الحوثي شخصياً، بتوجيه «ضربات تأديبية» للإمارات على خلفيّة ما تقوم به في اليمن منذ ثلاثة أشهر على الأقل.
ما حصل أمس له حكايته العملياتية البسيطة، حيث يعرف الخبراء على الأرض أنها حكاية يمنية بامتياز، ويعرف أهل الحكم في الإمارات أن الأهداف التي اختيرت ليست سوى إشارة انطلاق، وفي حال عدم حصول تغيير جوهري ونوعي سريع في سلوك الإمارات على الأرض، فإن كل مراكز النشاط في كل الإمارات العربية المتحدة ستتحول الى أهداف قابلة للإصابة الدقيقة بأنواع مختلفة من السلاح النوعي الذي لا تنفع معه كل منظومات الدفاع الجوي في العالم… وربما ما هو أكثر من ذلك أيضاً!