بعد انضمام الامـارات إلى تحالف العدوان لشن الحرب على اليمن، وقبيل تعيينه وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة، وصف جميس ماتيس، أبو ظبي بالـ “إسبرطة الصغيرة” كونها “المدينة التي تحاول أن تلعب دوراً أكبر بكثير من حجمها الطبيعي. ربما أراد ماتيس من هذا الوصف مدح الامـارات، لكن ما لم يلتفت إليه ماتيس ربما، ان نهاية هذه المدينة اليونانية لم يكن مبشراً أبداً فقد انتهى بها المطاف بعد سلسلة حروب خاضتها مع المدن الاغريقية المجاورة لها، إلى زوالها نهائياً.
وها هي الصواريخ المجنحة اليمنية تعيدها إلى حجمها الطبيعي، فبينما ينشغل العالم بأسره بنقل تفاصيل عملية “إعصار اليمن” بين مبارِك للضربة التي ذكرّت الامـارات بحجمها وحدودها وبين مستنكر لها مقدماً بذلك “فروض الطاعة”، كانت أبو ظبي في مكان آخر ، ربما تستذكر أنظمة الدفاع الجوي الذي وُعدت بها كثمن لاتفاقية التطبيع ثم خذلتها “إسرائيل” ووفقت دون اتمام الصفقة.
بـ 4 صواريخ من طراز “قدس 2” وصاروخ من طراز “ذو الفقار” وعدد كبير من المسيرات من نوع “صماد 3″، استهدفت القوات المسلحة اليمنية مطاري دبي وأبو ظبي ومصفاة النفط في المصفح وعدداً من المنشآت الإماراتية العامة والحساسة حسب ما أعلن المتحدث باسمها العميد يحيى سريع.
ما وراء عملية “إعصار اليمن”
تعلم الامـارات جيداً “كلمة السر” التي كان قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي قد أبلغها لـ “أبو ظبي” منذ العالم 2017 خلال إحياء ذكرى ثورة 21 سبتمبر وقال “على كل الشركات في الامـارات ألا تنظر للإمارات أنها بلد آمن بعد اليوم… إن المنشآت النفطية السعودية والاماراتية من اليوم باتت في مرمى صواريخنا”.
وهو ما أعاده العميد سريع خلال اعلان العملية ان “القوات المسلحة تحذر الشركات الأجنبية والمواطنين والمقيمين في دولةِ العدو الاماراتيِ بأنّها لن تتردد في توسيع بنك الأهداف ليشمل مواقع ومنشآتٍ أكثر أهمية خلال الفترة المقبلة وبأنّ عليهِم الابتعاد عن المواقع والمنشآت الحيوية حفاظاً على سلامتهم واعتبار الامـارات دويلة غير آمنة طالما استمر تصعيدها العدوانيُّ ضدَّ اليمن”. لكن المقامرة الأميركية بـ “أبو ظبي” ورغبة الأخيرة في لعب دور أكبر في المنطقة جعلها تتورط مجدداً في مستنقع لم تستطع السعودية إلى اليوم الخروج منه.
نجاح الصواريخ اليمنية
من جهة أخرى، فقد استطاعت الصواريخ اليمنية اجتياز كل منظومات الدفاع الجوي التي عملت طيلة سنوات على تعزيزها ونشرها لتغطي كامل الدولة خاصة المناطق التي يرتكز عليها اقتصاد البلاد بشكل أساسي. وهنا عرض لأبرز منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها الامـارات:
أمس الأول عقدت كوريا الجنوبية الصفقة الأكبر في تاريخها ببيع صواريخ أرض – جو Cheongung II KM-SAM بقيمة 3.5 مليار دولار أمريكي.
منظومة Pantsir الروسية التي أنتجتها شركة KBP والتي خضعت للعديد من التعديلات تتركز على زيادة دقة الرادار المدمج. وهذا النوع من منظومات الدفاع الجوي يتألف من مركبة صواريخ سطح-جو موجهة دقيقة، مركبة التحكم بالبطاريات، مرافق الصيانة، مساعدات التدريب. ومركبة قتالية تتألف من مقصورة إطلاق النار ونظام إمداد الطاقة العديد من الرادارات التي يوكل إليها مهمة البحث والرصد والتعقب إضافة لقاذفة من نوع SAM ومدافع ذاتية الحركة AA.
الذي يميز هذا النوع من المنظومات هو قدرته على الاشتباك مع مختلف أنواع الهجمات الجوية في وقت واحد مثل التصدي لصواريخ كروز والصواريخ المضادة للرادار والطائرات المسيرة والقنابل الموجهة. كما يستطيع الكشف عن الطائرات عن بعد 80 كلم.
كما تسلّمت الامـارات مع بداية العام 2017 بطارية نظام الدرع الصاروخيةTHAAD من الولايات المتحدة مقابل 1.135 مليار دولار والتي تم وضعها في المنطقة المتاخمة للحدود بين أبو ظبي ودبي. وهي تتضمن 9 منصات إطلاق للصواريخ و48 صاروخاً مضاداً. تتولى هذه المنظومة حماية البنى التحتية الإماراتية من الضربات الصاروخية والتي تتميز بقدرتها على اسقاط الصواريخ الباليستية حتى تلك التي خارج الغلاف الجوي.
كما نشر رادار أميركي الصنع من طرازAN TPY-2 الأمر الذي دفع بعض الخبراء الأميركيين للقول بأن “الامـارات أصبحت أول بلد في المنطقة ينشر نظاماً متكاملاً منسقاً للدرع الصاروخية والدفاع الجوي.
الرسالة وصلت!
وبهذا تكون الرسالة التي أرادت صنعاء إيصالها قد وصلت. لكن هذه المرة لعدة جهات في آن معاً. خاصة بعدما كشف القيادي في حركة أنصار الله محمد البخيتي ان “السعودية ضغطت على الامـارات للتدخل في المحافظات الجنوبية، بعد أن فشلت في المواجهة…تل أبيب مارست ضغوطاً كبيرة على الامـارات للتصعيد في اليمن”. معتبراً ان “العملية ما هي إلا بداية في العمق الاماراتي”.
هذا الرد كان متوقعاً من قبل الامـارات، لكن بعد سلسلة الاستهدافات التي شنتها طيلة الفترة الماضية لما اعتبرتها مصانع تجهيز الطائرات المسيرة وأماكن إطلاقها في صنعاء. ظنت أبو ظبي ان الجيش واللجان الشعبية قد فقدوا القدرة الصاروخية وهذا الذي وصفه البخيتي بـ “سوء تقدير في الحسابات الإماراتية، والآن اتضحت الحقيقة لهم بشأن قدرتنا… كنا ننصحكم في السابق والآن نحذركم”.
وضعت هذه الضربة الامـارات أمام خيارين لا تملك كامل القرار باختيار أحدهما نتيجة الضغط الأميركي والإسرائيلي عليها، الأول هو اللجوء إلى التصعيد في الداخل اليمني عبر استكمال الهجوم على مديريات شبة باتجاه البيضاء وبالتالي الإصرار على تجاوز الخطوط الحمراء وتكثيف الغارات الجوية وهو ما سيضع المزيد من القواعد العسكرية الإماراتية والمنشآت الحيوية الإماراتية خاصة مصافي النفط ضمن دائرة الاستهداف من جديد مع وجود بنك أهداف ضخم لدى صنعاء لم يتم استنزافه بعد على اعتبار ان الامـارات لم تُستهدف سوى 3 مرات تقريباً منذ بدء الحرب، وتكبيد أبو ظبي خسائر قد دفعت المليارات ولجأت إلى التطبيع مع كيان الاحتلال لتفاديها.
والثاني تلقف الرسالة وخفض التصعيد وهو ما قد لا ترضى به واشنطن ولا تل أبيب خاصة ان الأخيرة قد تلقت الرسالة أيضاً التي تفيد بأن الطائرات المسيرة التي تستخدم لاستهداف العمق الاماراتي قادرة على الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث ذكرت المراسلة في قناة 11 الإسرائيلية غيلي كوهن ان “ما حصل باليمن يذكر ما حصل في هجوم المسيرات في السعودية على منشأة ارامكو، وانه في اسرائیل يستعدون لذلك والمسافة بين اليمن و الامـارات تقارب المسافة بين اليمن وايلات واذا كان اليمنيون قادرين على اطلاق هذه المسيرات لهذه المسافات فإنهم قادرون على اطلاقها نحونا”.
خسائر تحتاج سنوات لتعويضها
عملياً، لا يمكن حصر الخسائر التي تكبدتها الامـارات جراء عملية “إعصار اليمن” بهبوط أسعار البورصة في دبي 0.7% وتراجع أسهم شركة الامـارات للاتصالات بـ 1.2% وغيرها من الشركات. بل إن الدولة التي تعتمد بشكل أساسي على السياحة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على أراضيها ودفعت لأجل كسب ثقة المستثمرين وكبريات الشركات العالمية أموالاً طائلة هي اليوم “بلد غير آمن” ومعرضة أكثر من أي وقت مضى للاستهداف. وبهذا تكون الثقة التي عملت على بنائها قد تعرضت للعطب وتحتاج لسنوات أخرى لكسبها من جديد. حيث أن منطقة المصفح الصناعية التي تعرضت للاستهداف، هي من أهم المناطق الصناعية في الامـارات وتضم عدداً كبيراً من شركات السيارات والشركات الصناعية.