قد يكون من المفيد العودة بالزمن قليلًا إلى الوراء، والإضاءة بشكل سريع على عملية البـنيان المرصوص التي نفذتها وحدات الجيش واللجان اليمنية و”انصار الله” في نهاية شهر كانون الثاني من العام 2020، (في مثل هذه الأيام تقريبًا منذ عامين) والتي نتج عنها حينها، نجاح تلك الوحدات في تحرير أكثر من 2500 كلم مربع من مناطق استراتيجية شمال شرق صنعاء، بين نهم والجوف وصرواح في مأرب، وذلك في محاولة لإجراء مقارنة ميدانية وعسكرية مع ما يحصل اليوم في مناطق شبوة المتاخمة لمأرب، حيث تخاض سلسلة من المعارك والمواجهات العنيفة، والتي لا شك سيكون لها تأثير غير بسيط، على معركة تحرير مأرب بشكل خاص، وعلى معركة التصدي للعدوان على اليمن بشكل عام.
في متابعة لعملية البـنيان المرصوص بداية عام 2020، أشار العميد يحيى سريع في مؤتمره الصحافي حول العملية الى أن العدو استعد لهذه العملية الهجومية منذ عدة أشهر وأن هدفه من خلال محاولة سيطرته على مناطق نهم بلوغ أقرب نقطة يتمكن عبرها من الوصول الى المناطق المتاخمة مباشرة للمداخل الشمالية الشرقية لمدينة صنعاء، وبناء عليه يقول العميد سريع: “بدأت قواتنا في التصدي الحازم للتصعيد العدواني، وعلى وقع النجاح في عملية التصدي مضت قواتنا نحو تنفيذ عملية هجومية معاكسة على طول الجبهة المشتعلة في منطقة العمليات”.
ولفت حينها العميد سريع الى أن “الهدف الأساسي من عملية البـنيان المرصوص كان ردع قوات العدو ودحرها من المنطقة وهو ما يعني تأمين المنطقة بشكل كامل وإفشال المخطط العدواني الذي تمثل في الهجوم الواسع على قواتنا والتقدم الى المناطق المتاخمة للعاصمة صنعاء”، وأضاف حينها “العدو، وبعد أن دفع بتشكيلات مختلفة من قواته الى منطقة نهم خلال السنوات الماضية لدرجة أن هذه المنطقة كان يتمركز فيها 17 لواء عسكري وعدد من الكتائب ونقل اليها عتادا عسكريا مختلفا من السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف، كان وقع عملية البنيان المرصوص ثقيلًا عليه، ومع إبعاده نهائيًا من مناطق شمال شرق صنعاء ودحر وحداته على حدود مأرب والجوف، فقد سقطت له أيضًا خسائر ضخمة في العديد بين قتلى مصابين واسرى، وفي العتاد”.
هل تتكرر عملية “البـنيان المرصوص” في شبوة؟
اليوم، نجد أن التاريخ يعيد نفسه لناحية الوضع العسكري والمعطيات الميدانية بشكل مماثل تقريبًا، فقوات الجيش واللجان الشعبية نفذت اعادة انتشار تكتيكي بين مديريات شبوة الثلاث (عسيلان وعين وحريب)، هدفت من ورائه الى امتصاص صدمة هجوم الوحدات المتشددة المدعومة اماراتيا، والتي تدعى بما يسمى “الوية العمالقة”، والمدعومة بتغطية جوية غير مسبوقة من تحالف العدوان. وهذه الوحدات اليوم (وحدات الجيش واللجان وانصار الله) تتصدّى بحسب العميد سريع “لزحف كبير لمرتزقة ودواعش الإمارات باتّجاه مديريتي عين بمحافظة شبوة وحريب بمحافظة مأرب، استمر لعدّة ساعات دون إحراز أي تقدّم للمرتزقة رغم الغطاء الجوي المكثّف، وتمّ تكبيدهم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، كما تمّ استهداف تجمّعاتهم بصاروخين بالستيين، وكانت الإصابة دقيقة وخلّفت أعدادًا كبيرة من القتلى والجرحى”.
ما تصح مقارنته بين عملية البنيان المرصوص عام 2020 وبين معارك شبوة – مأرب اليوم، يمكن وضعه في الأطر التالية:
من الناحية الميدانية
تشكل بقعة عمليات المواجهات بين شبوة ومأرب، نفس الأهمية الميدانية لمنطقة عمليات البـنيان المرصوص في نهم والجوف وصرواح. تمثّل الأولى نقطة ارتكاز حيوية لمتابعة الضغط على مدينة مأرب من الناحية الجنوبية، ولناحية تشكيل نقطة ارتكاز ميدانية أخرى، تؤسس لامتلاك قاعدة انطلاق هجومية للتقدم شرقًا باتجاه عتق وشرورة وحضرموت، أو جنوب شرق باتجاه مناطق شبوة حتى الساحل الجنوبي الشرقي لليمن بين المكلا وزنجبار، بينما كانت تشكل منطقة عمليات البـنيان المرصوص نقطة ارتكاز حيوية مزدوجة أيضًا، لحماية صنعاء نهائيًا، وهذا ما حصل فعلًا، ولناحية امتلاك قاعدة انطلاق هجومية باتجاه الشرق وشمال شرق، وبالأخص لجهة الاقتراب من مدينة مأرب من الغرب، وهذا أيضًا قد حققته البنيان المرصوص بامتياز.
من الناحية العسكرية
لا شك أن ما حققته عملية البـنيان المرصوص، بالإضافة للبعد الميداني، لناحية حجم الخسائر التي سقطت للعدوان في العديد والعتاد، أسس لهذا التقدم اللاحق لوحدات الجيش واللجان الشعبية في كامل مناطق ومديريات محافظات مأرب والبيضاء والضالع، وخاصة بمواجهة الوحدات المتشددة التي تبين أنها كانت أقوى من مرتزقة العدوان وأكثر شراسة وتجهيزًا، وهذا الأمر قد نشهد نفس نتائجه اليوم بعد ما سقط ويسقط للعدوان ولمرتزقته هذه الخسائر الضخمة الموثقة، في محاولاته اليائسة على أبواب مناطق حريب وعين وجنوب شرق مأرب، خاصة أنه استنفد أغلب وحداته ومقاتليه في المواجهات الأخيرة على أبواب مأرب، مما اضطره لتنفيذ انسحاب حساس من منطقة الحديدة والساحل الغربي الاستراتيجية، لتأمين عديد ووحدات لتنفيذ محاولاته اليوم في شبوة وجنوب شرق مأرب.
وأخيرًا، يبقى لوحدات الجيش واللجان وأنصار الله أن تدير تكتيكات ومناورة التعامل مع محاولات العدوان في مديريات شبوة الثلاث (عسيلان وعين وحريب)، بنفس المستوى والأسلوب الذي أدارت فيه عملية البنيان المرصوص، والتي قامت على امتصاص تقدم العدوان بداية في مناطق نهم، وألحقته حينها مباشرة بهجوم معاكس كاسح، خاصة أن مستوى قدرات وامكانيات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله اليوم قد تضاعفت عما كانت عليه بداية عام 2020، من كافة النواحي العسكرية والتكتيكية والاستراتيجية، وبالأخص أنها تمتلك اليوم أسلحة دفاع جوي مناسبة، استطاعت من خلالها اقفال أجواء منطقة العمليات بين شبوة ومأرب والجوف، ومسلسل اسقاطها اليومي لطائرات الاستطلاع المعادية الأكثر تطورًا هو خير دليل على مستوى هذه القدرات والامكانيات.
ـــــــــــــــــــــــــــ
شارل ابي نادر