كتب/ عبدالملك العجري
العقبة الأساسية التي تواجه مشاورات الكويت وتهدها بالفشل أن أحد أطراف الصراع والفاعل الحقيقي مصر على لعب دور الضمير المستتر, يؤثر على تشكيل الجملة وحركة الإعراب دون أن يظهر في الصورة, وأي قراءة للجملة لا تضع في اعتبارها الفاعل المستتر حتما تكون قراءة خاطئة ,ونائب الفاعل وإن تلبس دور الفاعل في الرسم والشكل لا يغير من حقيقته شيئاً كمفعول ومنفعل وستظل كل الخيوط بيد الفاعل المعلوم المنزوع من السياق لأسباب تعلمها الأمم المتحدة والدول الكبرى .
في الليلة الأولى للعدوان، كشف الجبير-وكان حينها سفيرا للملكة في واشنطن-أن التدخل العسكري في اليمن كان قيد الدراسة بين الرياض وواشنطن منذ ستة أشهر. كلام الجبير معناه أن التفكير في الحرب كان قبل ستة أشهر من إعلانها ولا علاقة له بمزعوم الشرعية ولا باستقالة هادي وحكومة بحاح .
العدوان السعودي على اليمن ،كانت قد اكتملت دوافعه وشروطه عند الجانب السعودي ومنذ 21سبتمبر 2014 وهي في حالة تربص بانتظار الفرصة المواتية والحصول على الضوء الأخضر من \حلفائهم الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية .
وجود السعودية كطرف أساس في خريطة الصراع يعكس تأثيره الحاد على سير مشاورات الكويت. من ناحية تركز جدول المشاورات على المبررات المعلنة للحرب لا على دوافعها الحقيقية. ومن ناحية تشكيلة طاولة المفاوضات بين طرفين يمنيين طرف هو جزء أساسي في الصراع (وفد صنعاء) وطرف يعلب دور الأداة (وفد الرياض) للفاعل المقابل في الصراع وهو السعودية , ومن ثم ستظل المشاورات تراوح مكانها دون تقدم ما لم يحصل اختراق سياسي يعيد توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح .
تشكيلة طاولة المفاوضات على هذه الصيغة لا تفيد في حلحلة الوضع الآسن ولا تنتج اتفاقا سلمياً يطمح له اليمنيون. فالسعودية التي فشلت في تحقيق أهدافها بالحرب ، ستظل تفتعل العراقيل بوجه أية تسوية يمنية –يمنية. ويراودها أمل بأن تنتزع بالسياسة ما عجزت عنه بالحرب. وهي في سبيل ذلك تستخدم تأثيرها على حلفائها اليمنيين وعلى القوى الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة والأداء الرديء لمبعوثها الأممي ولد الشيخ أحمد.
من المعروف أن إيران هي عقدة السعودية في المنطقة عموما وتعتقد أن اليمن قد ذهب بعيدا في علاقته مع إيران واستحق بذلك عقابها . ومن هذه الخلفية الإقليمية للصراع في اليمن، على المجتمع الدولي، إن كان جاداً في وقف الحرب على اليمن، أن يتوجه مباشرة إلى الرياض ويسأل ببساطة: ماذا تريدون؟! وأن يضغط باتجاه تسوية مع الرياض تتعامل مع الدوافع الحقيقية لا المموهة سواء بحوار مباشر أو غير مباشر أو بأي طريقة كانت. وباعتقادي أن القوى الوطنية في الداخل لديها لا تمانع من تفهم أية مطالب معقولة ومشروعة للرياض. ومالم يحدث هذه الاختراق ستظل المشاورات تراوح مكانها, وأي انفراجة في هذا الاتجاه تنعكس مباشرة على التسوية اليمنية- اليمنية .
يكاد الشهر يكتمل ومشاورات الكويت “مكانك سر” باستثناء اللجان المتناسلة التي يعاد دمجها وتشكيلها بطرق جديدة كلما وصلت المشاورات لطريق مسدود.
ولد الشيخ أحمد يعتقد أن جمع الأطراف على طاولة واحدة يعتبر نجاحاً بحد ذاته، ولا يهم بعدها أن يكون لكل طرف له بحره الخاص يحرث فيه كيف يشاء بعيداً عن الطرف الآخر, ولحد اللحظة فشل ولد الشيخ في توحيد الطرفين على مستوى الأمور الفنية. إعلانات التهدئة جاءت بصيغ مختلفة، ولكل طرف جدول عمل خاص ، وتسميه خاصة للجان بالشكل الذي يناسبه، وفد صنعاء يسمي اللجنة الأساسية باللجنة السياسية بينما يسميها وفد مجموعة الرياض بلجنة استعادة الدولة.
أداء وفد الرياض يعكس رغبته في إعاقة أي تقدم باتجاه الحل فهم -كما قلت- يلعبون دوراً وظيفياً في الحرب, كما أنهم يدركون هشاشة وضعهم السياسي و انهم لا يملكون امتدادا شعبيا او وطنيا غير ما تمدهم به العاصفة ويتخوفون أن وقف الحرب يمثل انكشافاً سياسياً وشعبياً وعسكرياً إن في الشمال أو في الجنوب, أما استمرارها فيتقاطع بشكل كثيف مع مصالحهم الضيقة التي تعلق آمالاً على تصفية المشهد السياسي في اليمن من كل الفاعلين الحقيقيين بما في ذلك الفاعلون الحقيقيون في الجنوب ,ورغم مضيّ ما يزيد على نصف العام منذ دخول قوات الاحتلال للجنوب وزعم تحالف العاصفة انه حرر 80% من الأراضي اليمنية لم يستطع هادي ولا حكومته العودة إلا كما يعود اللصوص يأتون خلسة وعلى عجل يغادرون ,فهم في الشمال مدحورون وفي الجنوب مذمومون .حتى علي فرض حصول تسوية سياسية تقضي بعودتهم يدركون أن بقاء القوى المحلية الفاعلة على ما هي عليه يجعل عودتهم مؤقتة إذ لا يملكون مقومات الاستمرار.
ولذلك يطرحون مطالب ليست خارج سياق الحرب بل خارج سياق الممكن, ولا تضع اعتباراً للآثار النفسية والتداعيات السياسية والاجتماعية والأمنية لعام وشهور من العدوان , فمثلا في مشروع ترتيبات الانتقال السياسي ضمن الرؤية التي تقدم بها وفد الرياض ينص البند الثالث على “مباشرة سلطة الدولة الشرعية لوظائفها على كل أرجاء البلاد دون عوائق وإزالة كل ما من شأنه الحيلولة مباشرة مهامها على النحو المبين في القوانين والأنظمة المتبعة في الدولة “انتهى .
وفد الرياض جاء الكويت وفي ذهنه انه يفاوض على شقة مفروشة وينتظر تسليم المفاتيح, غير مدرك أنه يفاوض على جغرافيا مزقتها الصراعات المتراكمة المعقدة والمزمنة .
من أين نأتي لهم بدولة تبسط سيطرتها على كل جغرافيا اليمن, ليس هذا فحسب. بل يصرون على دولة كاملة الأوصاف والتحسينات تمارس سلطتها كاملة غير منقوصة كما يحددها النظام والقانون ..وإلا فإنهم لن يعودوا .!!
لو كان بيدنا أن نحقق لهم هذا المطلب ثمناً لوقف العدوان لقدمناه, لكن من اين نأتي بهذه “الدولة الموقرة”؟
القضية لا تتوقف على إرادتنا بل على قدرتنا .. من أين نأتي بهذه السابقة التي لم تعهدها اليمن في تاريخه القديم والحديث والمعاصر ..دولة القانون في اليمن “دولة منتظرة” ينتظرها اليمنيون كما ينتظر الإثنا عشرية “المهدي المنتظر” الذي بشرت به بعض الآثار .
الكارثة أن رهان مجموعة الرياض على خروج “الدولة المنتظرة” من صحراء نجد كرهان بعض الطوائف على خروج المهدي المنتظر من السرداب.
المفارقة أن كل المؤشرات على الارض تدل على أن الدولة المنتظرة التي بشر بها سلمان هي “الدولة الإسلامية” بقيادة أبو بكر البغدادي ..
يتجاهل وفد الرياض أن التداعيات النفسية وما خلفته الحرب علي كل المستويات الاجتماعية والعسكرية وانتشار السلاح بأيدي الجماعات المتعددة من سلفيين وقاعدة واخوان مسلمين ومرتزقة وفصائل حراكية وآلاف الجرحى والشهداء , تجعل من المستحيل أن يقبل طرف تسليم رقبته طواعية للطرف الآخر.
في المقابل تعكس رؤية وفد صنعاء الشعور بالمسؤولية الوطنية و الحرص على إنهاء المحنة يتبين ذلك من طرحهم لتسوية سياسية تضمن سلطة توافقية تتولى إنهاء عوامل الصراع وإدارة المرحلة الانتقالية .
مثل هذا الطرح يفترض أن يتقدم به طرف محايد لا أحد أطراف الصراع فعادة البلدان التي تعاني من انقسامات سياسية وصراعات دموية يتم اللجوء الى تسويات سياسية تقوم على الشرعية التوافقية لإعادة تطبيع الأوضاع لحين استعادة الشرعية الدستورية .
في كل بلدان العالم أدنى اهتزاز لشرعية الحكومة أو فشلها في أداء بعض وظائفها يكفي مبرراً لإسقاطها وإعادة تشكيل حكومة جديدة وفي حال تدهور الأمور أكثر إلى مستوى ينذر بحصول كارثة يعاد تشكيل السلطات التنفيذية كما حصل في 2011 م مع المبادرة الخليجية. والغريب أن حرباً شاملة استهدف كل مظاهر الحياة في اليمن الحجر البشر الجغرافيا والتاريخ وشحن الوضع النفسي بعواطف الانتقام والثأر , وانتشار السلاح في عموم جغرافيا اليمن وصوله بكميات هائلة للجماعات المتطرفة القاعدة وداعش .. لا تكفي مبرراً لإعادة تشكيل سلطات توافقية تضع حدا للكارثة التي حلت باليمن ..
مالكم كيف تحكمون!!