كشف موقع أمريكي عن خفايا لوبي سعودي لزعزعة استقرار تركيا عبر التحريض على نظامها الحاكم ووصفه بالمستبد.
وقال موقع Responsible Statecraft الأمريكي إن جماعة ضغط أمريكية تهاجم السياسة التركية تدعى “جماعة مشروع الديمقراطية التركية” على صلة غامضة بالسعودية والإمارات، ملمحاً إلى أن طبيعة هذه العلاقة، قد تؤشر لتلقى الجماعة تمويلاً من الدولتين، ولكن الحكومة الأمريكية تعرقل كشف حقيقة الأمر.
وهذه الجماعة هي جماعة مناصرة دُشِّنَت الصيف الماضي بهدفٍ ينصُّ على تعزيز الديمقراطية في تركيا، ولكن المفارقة أن الجماعة لا تتضمَّن أعضاءً أتراكاً في مجلسها القيادي.
وألقى الموقع الضوء على شبكة علاقات الجماعة الغامضة بالسعودية وكذلك أعضاء الجماعة الذين ينتمون إلى اليمين المتشدد للحزب الجمهوري.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى قبل التطبيع الرسمي مع إسرائيل، حدث تقارب بين اللوبيات الداعمة لتل أبيب في الولايات المتحدة، واللوبيات الداعمة لدول الخليج العربي، وخاصة الإمارات، صديقة إسرائيل الجديدة، وكان أحد أسباب بروز الإمارات كفاعل إقليمي في العقد الأخير اللوبي الإماراتي النشط في واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية.
وبصفة عامة، دفعت التحالفات السياسية الإقليمية العديد من كبار قادة الشرق الأوسط وخاصة السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل إلى تفضيل قيادة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
وفي بيانٍ صحفي أعلن تشكيلها، قالت الجماعة إنها “ملتزمةٌ بتشجيع تركيا على تبني المزيد من السياسات الديمقراطية”.
وكان العضوان التركيان المنخرطان في المشروع السياسي التركي السابق أيكان إردمير، والأكاديمي سليمان أوزيرين، قد أُزيحا من القائمة الخاصة بأعضاء المجلس الاستشاري للجماعة، والمنشورة على موقعها الإلكتروني، بعد وقتٍ ليس طويلاً من تدشين الجماعة.
وقائمة عضوية جماعة مشروع الديمقراطية التركية مليئةٍ بالمسؤولين الرسميين الأمريكيين السابقين والدبلوماسيين المتشدِّدين الذين تربطهم علاقاتٌ وثيقة بإسرائيل ودول الخليج، حسب الموقع الأمريكي.
من هؤلاء فرانسيس تاونسند المسؤولة السابقة عن مكافحة الإرهاب في إدارة بوش، والسيناتور الأمريكي المؤيد لإسرائيل جوزيف ليبرمان، ومستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترامب، جون بولتون، المعروف بعدوانيته.
وقال بولتون، المعروف أيضاً بتأييده للمواجهة الأمريكية مع إيران، على منصة تويتر، في وقت إطلاق مشروع الديمقراطية التركية: “حان الوقت لدقِّ ناقوس الخطر بشأن تركيا”.
ومع ذلك، فإن المنظمة لديها روابط بشبكةٍ من جماعات الأموال المظلمة المُمَوَّلة بسخاءٍ والتي تروِّج لمواقف السياسة الخارجية الأمريكية المتشددة في الشرق الأوسط، تلك السياسات التي تتوافق مع المصالح الأمنية السعودية والإماراتية والإسرائيلية، وفقاً للموقع الأمريكي.
وفي القلب من كلِّ ذلك، هناك مارك والاس، السفير السابق لإدارة جورج دبليو بوش في الأمم المتحدة. في الوقت الحالي، يشغل والاس منصب رئيس مشروع الديمقراطية التركية، لكنه أيضاً رئيس للمنظمة المُناهِضة لإيران المعروفة باسم “متحدون ضد إيران النووية”.
وهو أيضاً رئيس جماعة مناصرة أخرى وهي “مشروع مكافحة التطرُّف”، وحتى أيضاً منظمة غير ربحية قائمة على أنشطة الفنون تركِّز على حقوق الإنسان في إيران تسمَّى “PaykanArtCar”.
وهناك 8 من أصل 11 من أعضاء القيادة العليا والمجلس الاستشاري لمشروع الديمقراطية التركية يشغلون مناصب في “متحدون ضد إيران النووية”، أو “مشروع مكافحة التطرُّف”، أو في كليهما.
واجهت كلتا المنظمتين أسئلةً حول أهدافهما ومصادر تمويلهما، بما في ذلك ما إذا كانوا يتلقون دعماً مالياً من الحكومات الأجنبية والشخصيات السياسية.
ولم يقدِّم مشروع الديمقراطية التركية بعد معلوماتٍ علنيةً حول تمويله. لكن المنظمتين المرتبطتين بشكلٍ وثيق، “متحدون ضد إيران النووية” و”مشروع مكافحة التطرُّف”، كلاهما يقعان تحت مظلَّة منظمة تُعرَف باسم “المشروع الموحَّد لمكافحة التطرُّف”.
ورغم عدم الكشف عن أيٍّ من مصادر للتمويل، فقد جلبت شبكة المنظمات هذه أكثر من 101 مليون دولار بين عامي 2009 و2019، وفقاً لمراجعة الإقرارات الضريبية، ما يجعلها واحدةً من أكبر شبكات الضغط السياسي ذات الأموال المظلمة للسياسة الخارجية الأمريكية العاملة اليوم، حسب الموقع.
أشار مقال نُشِرَ في يوليو/تموز الماضي على موقع Intelligence Online، حول إنشاء مشروع الديمقراطية التركية، إلى علاقات والاس الواسعة مع توماس كابلان، المستثمر الملياردير المعروف بأنه مُمَوِّلٌ وداعمٌ صريح لجماعات والاس التي تركِّز عملها على إيران.
الجدير بالذكر أن كابلان يوظِّف والاس مستشاراً أول في مجموعة Electrum المملوكة له، وهي شركةٌ تستثمر في “الأسهم العامة في قطاع المعادن والتعدين”، وهي الأسهم التي يسوِّقها والاس وكابلان للمستثمرين باعتبار أنها تحتفظ بالقيمة في حالة تأثُّر الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط.
وأشار المقال على موقع Intelligence Online أيضاً إلى علاقات كابلان الواسعة بأفراد العائلات الملكية في الخليج، وهو أمرٌ أشار إليه كابلان علناً من قبل. وعلى وجه الخصوص، يحافظ كابلان على علاقاتٍ تجارية وخيرية واسعة النطاق مع دولة الإمارات.
اصطدمت الجهود المبذولة لفحص الموارد المالية وراء شبكة جماعات الضغط للسياسة الخارجية المرتبطة بكابلان بعقبةٍ غير عادية، ألا وهي أن الحكومة الأمريكية ألغت دعوى قضائية في عام 2013 ضد كابلان ومنظمة “متحدون ضد إيران النووية”.
وزعمت الدعوى أن كابلان وهذه المنظمة مُوِّلا من قِبَلِ أطرافٍ أجنبية لم يُكشَف عنها. وزعمت الحكومة أن السماح للقضية بالمُضيّ قُدُماً من شأنه أن يعرِّض الأمن القومي للولايات المتحدة للخطر.
ويعلق الموقع الأمريكي قائلاً “إن هذا استحضارٍ غير عاديٍّ لأسرار الدولة بصفتها متدخِّلاً من طرفٍ ثالثٍ في دعوى مدنية”.
ورغم توفُّر الإيداعات العامة التي تقدِّم أرقاماً إجمالية حول تمويل هذه الشبكة من المنظمات التي يقودها والاس، تظلُّ المعلومات المُحدَّدة حول المانحين غامضة.
ومع ذلك، كانت هناك أدلةٌ دورية تشير إلى الدور السخي لكابلان في تمويل هذه الأنشطة. وكشفت قوائم المانحين لمنظمة “متحدون ضد إيران النووية”، المنشورة عام 2015 على موقع التحقيقات الاستقصائية LobeLog، أن الصناديق التي يسيطر عليها كابلان ساهمت بمبلغ 843 ألف دولار في منظمة “متحدون ضد إيران النووية” في عام 2013، وهو ما يمثِّل تقريباً نصف إيرادات المنظمة في ذلك العام.
في عام 2015، قدَّم والاس كشفاً إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب قبل أن يمثُل كشاهدٍ بصفته رئيساً لمشروع مكافحة التطرُّف.
كتب والاس: “تلقَّينا حتى الآن مساهماتٍ فردية وخاصة، ولم يتلقَّ مشروع مكافحة التطرُّف أيَّ أموالٍ من حكوماتٍ أجنبية، ولكنه قال: “ناقشنا تمويل مشروع مكافحة التطرُّف مع كلٍّ من حكومة الولايات المتحدة وعديدٍ من الحكومات الأجنبية”.
يبدو أن مجموعةً من رسائل البريد الإلكتروني المُسرَّبة التي أُطلِقَت قبل عدة سنوات -يُعتَقَد أنها من حساب سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة- تُظهِر سعي الشبكة للحصول على تمويلٍ أجنبي، لا سيما من الإمارات والمملكة السعودية.
وأشارت رسالة بريد إلكتروني من والاس إلى العتيبة يرجع تاريخها إلى 3 سبتمبر/أيلول 2014، إلى “تقديرات التكلفة” لـ”منتدى” قادم، رغم أنه لم يكن من الواضح أن المنتدى المُشار إليه كان لمنظمة “متحدون ضد إيران النووية” أو كان إطلاقاً لمنظمة “مشروع مكافحة التطرُّف”، الذي تم في وقتٍ لاحقٍ من ذلك الشهر.
وتحدثت رسالة بريد إلكتروني مُسرَّبة أخرى، ترجع إلى يناير/كانون الثاني 2015، عن دعم الإمارات لمنظمة “مشروع مكافحة التطرُّف”، إذ طلبت فرانسيس تاونسند مساعدة العتيبة في ترتيب اجتماعاتٍ مع محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان، وليّ عهد أبوظبي. واختتمت تاونسند رسالتها بتوجيه الشكر إلى العتيبة على “دعمه لجهود مشروع مكافحة التطرُّف”.
ومرةً أخرى في أغسطس/آب 2016، كتب السيناتور الجمهوري السابق نورم كولمان، الذي هو الآن عضو جماعة ضغط سعودية، إلى العتيبة، بتوجيهٍ من وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير، لتقديم الوضع الضريبي لـ”مشروع مكافحة التطرُّف”. كتب كولمان إلى السفير الإماراتي: “أوصى وزير الخارجية السعودي بمتابعة الأمر معكم في هذا الشأن”.
وإذا تلقَّى منظمة “مشروع مكافحة التطرُّف” أو “متحدون ضد إيران النووية” تمويلاً أجنبياً، فقد تتطلَّب أنشطتهما تسجيلاً بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وهو قانونٌ يتطلَّب التسجيل للكيانات التي تشارك في “أنشطةٍ سياسية” داخل الولايات المتحدة.
لم تُسجَّل أيٌّ من الجماعتين بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، فيما لم يظهر أيُّ دليلٍ قاطع على وجود تمويلٍ أجنبي.
ويؤشر رفض الحكومة الأمريكية لكشف الموارد المالية وراء شبكة جماعات الضغط للسياسة الخارجية المرتبطة بكابلان بعقبةٍ غير عادية، وخاصة إلغاء الدعوى القضائية ضده وضد منظمة “متحدون ضد إيران النووية”، إلى احتمال وجود صعوبة مماثلة في كشف أي مصادر تمويل خارجي محتملة لجماعة مشروع الديمقراطية التركية.
قال بِن فريمان، مدير مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية، عن “مشروع مكافحة التطرُّف”، و”متحدون ضد إيران النووية”، و”مشروع الديمقراطية التركية”: “تشارك هذه الجماعات جميعاً في الأنشطة التي من شأنها أن تكون مؤهَّلة بموجب تعريف قانون تسجيل الوكلاء الأجانب للأنشطة السياسية”.
وأضاف: “لديهم أهدافٌ واضحة للغاية تتعلَّق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهم يحاولون بنشاطٍ التأثير على قطاعاتٍ من الجمهور -وفي بعض الحالات التأثير على صنَّاع السياسات أنفسهم- تجاه أهداف السياسة هذه”.
وأضاف فريمان: “يمكنك القيام بكلِّ هذه الأنواع من العمل إذا كانت مواطناً أمريكياً ومُمَوَّلاً من قِبَلِ مواطنين أمريكيين، لكن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب له دورٌ إذا تلقَّيت تمويلاً أو اتَّخَذت إجراءاتٍ بناءً على طلبٍ من حكومةٍ أو كيانٍ أجنبي”