كواليس ما قبل إنطلاق عاصفة الحزم .. حتى الفشل
بالرغم من حجم التغطية الإعلامية الضخمة المصاحبة و المساندة لعملية عاصفة الحزم و المتابعة لأنشطتها لحظةً بلحظة منذ إنطلاقها في 26 مارس 2015 و المستخدمة لذلك أحدث التقنيات و التجهيزات الدعائية و الإعلامية و التي يُخيَّل للرائي او السامع أو القارئ أنه لم يعد هنالك من شئٍ لا يعلمه حول تفاصيل هذه العملية، إلا ان هنالك في حقيقة الأمر جوانباً خفيةً لم يُسمح للإعلام بالتطرق إليها او حتى الإقتراب منها كالأهداف الحقيقية من وراء هذه العاصفة مثلاً أو الخطة السرية المعتمدة للوصول إلى هذه الأهداف او غير ذلك من الجوانب الأخرى .
في الحقيقة أنه لمن السذاجة بمكان أن يصدق أي إنسانٍ عاقلٍ متابع و مطلع أن هذه العاصفة إنما جاءت لعيني شرعية هادي أو نجدةً لمحسن او المخلافي أو ان سلمان قد حشد الدول و جيش الجيوش و أنفق مليارات الدولارات حباً في الشعب اليمني الذي إستكثروا عليه يوماً القبول بضمه إلى مجلس التعاون الخليجي أو إيثاراً لمصلحته الوطنية العليا . بطبيعة الحال الهدف الحقيقي لهذه العاصفة هو تدمير اليمن أرضاً و إنسانا، لكن السؤال هنا الذي يفرض نفسه هو : لماذا يريدون بهذه العاصفة تدمير اليمن و بهذه الوحشية و الحقد الظاهر ؟!
بصراحة شديدة يتلخص السر في ذلك في أمرين : الاول هو القيام بعملية إستعراضية خاطفة تعكس حجم المستوى العالي الذي وصلت إليه القوات المشاركة و خاصةً السعودية منها و الإماراتية و ذلك في رسالة واضحة تستهدف بالدرجة الأساسية غريمهما التقليدي (إيران) الآخذة قدراتها العسكرية في التمدد و النمو المتسارع .
الأمر الثاني هو القيام بعملية إستباقية تكتيكية لما قد تؤول إليه الأمور في حال تأزمت الأمور و قررت إيران إغلاق مضيق هرمز و ذلك بما يمكن السعودية من الحصول على منفذٍ لها في البحر العربي يمتد من السعودية جنوباً ويدخل في الأراضي اليمنية بالموازاة مع الشريط الحدودي العماني مع اليمن و ذلك لضمان إستمرار تدفق النفط السعودي و الخليجي، و في نفس الوقت القيام بتأمين منطقة تجارة حرة في عدن بديلة يمكن ان تحل محل دبي في حالة مضى الإيرانيون في تنفيذ تهديدهم بإغلاق المضيق خاصةً و أن عدن تتمتع بموقع إستراتيجي فريد من نوعه و يفوق دبي من حيث الموقع الإستراتيجي و الجغرافي، و في نفس الوقت ضمانة بقاء عدن بعيدة عن مسرح المنافسة مع دبي في الظروف العادية و ذلك عن طريق بقاء التدخل الإماراتي قريباً منها لإعاقة أي خطط مستقبلية لتنمية و تطوير و تأهيل المنطقة الحرة في عدن .
بمشاركة الخبراء الأمريكيين تم إقرار و إعتماد الخطة السرية التي من خلالها سيتم الوصول إلى تلك الأهداف المشار إليها آنفاً، حيث أنه كان من المقرر لهذه العاصفة وفقاً للخطة المقرة أن تمر بثلاث مراحل أساسية تتم بشكل سريع و خاطف الأمر الذي سيعطي إنطباعاً عن مدى تطور و ضخامة القدرات السعودية و الأماراتية على وجه التحديد .
المرحلة الأولى : مرحلة الضربة الأولى و التي تعتمد على الضربات الجوية المباغتة و الموجهة المستخدمة لاحدث الطائرات و القنابل الأمريكية الصنع و المعززة بتوجيه الأقمار الصناعية و ذلك لشل القدرات الدفاعية و الصاروخية اليمنية و ضرب الأهداف و المنشآت العسكرية و الإقتصادية اليمنية الحيوية جملةً واحدةً في غضون مدة زمنية محددة لا تتجاوز الاربع و عشرين ساعة الاولى من عمر العاصفة بما يمهد الطريق للبدء الفوري للمرحلة الثانية من الخطة العملياتية المقررة و هذا ما يفسر خروج المتحدث بإسم التحالف أحمد عسيري في اليوم الأول معلناً تدمير ما نسبته 98% من القدرات الدفاعية و الصاروخية اليمنية بما فيها الصواريخ البالستية .
المرحلة الثانية : مرحلة الإجتياح الواسع للاراضي اليمنية بما يمكن القوات المتحالفة من الوصول إلى العاصمة صنعاء في غضون سبعة أيام و من ثم الوصول إلى صعدة في يوم العاصفة العاشر على أكثر تحديد و الذي سيعلن في نهايته عن الإنتهاء من إستكمال مهام العاصفة العسكرية و الإنتقال في اليوم الحادي عشر الى المرحلة الثالثة و الاخيرة .
المرحلة الثالثة (إعادة الأمل) : في حقيقة الأمر لم يكن المقصود بإعادة الأمل هنا تلك العملية التي اعلن عنه المتحدث بإسم قوات التحالف أحمد عسيري تحت نفس المسمى في 21 إبريل 2015 و التي جاءت كنوع من التضليل و الإيهام للراي العام بتحقيق شئٍ أو تقدمٍ فيما يخص العاصفة ثبت بطلانه لاحقاً، و إنما يقصد بها المرحلة التي ستعقب الإنتهاء من العمليات العسكرية و التي تتمثل في عملية إعادة الخارطة السياسية و الجغرافية اليمنية بما يتناسب مع الأهداف و الأطماع السعودية و الإماراتية على وجه الخصوص في اليمن عن طريق :
– الإجتثاث و الإستئصال بشقيهما الخشن و الناعم ؛ يستهدف الإجتثاث الخشن بطبيعة الحال قيادات الصف الأول لأنصارالله و الموتمر الشعبي العام إما بالتصفية الجسدية او بالإعتقال و المحاكمة الصورية التي تنتهي بعملية الإعدام . أما الإجتثاث الناعم فيتمثل في عملية إجتثاث واسعة لمنتسبي الجهاز الإداري للدولة المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام و أنصارالله و من يدور معهم في نفس الرحى و إحلال كادر إداري جديد يدين بالولاء لهادي و من معه بموجب قانون يستصدره هادي في هذا الشأن بالتوازي مع قانونٍ آخر لحل الجيش اليمني و تسريح منتسبيه على غرار ما حصل للجيش العراقي عقب الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 .
– إطلاق عملية سياسية صورية يتم من خلالها تقاسم النفوذ بين القوى الموالية للسعودية و الإمارات بحسب ما تحدده السعودية نفسها و حلفاءها لكل طرف و بما يضمن بقاء اليمن تحت الوصاية السعودية و الإماراتية و خاضعة لهما خضوعاً تاماً من خلال حكام اليمن الجدد و الذين سيتم إختيارهم بعناية و إنتقائية فائقة من قبل السعوديين و الإماراتيين أنفسهم . طبعاً يتم بالتزامن مع هذه المراحل الثلاث إطباق الحصار الإقتصادي على الشعب اليمني بما يشدد الخناق عليه و يجبره على الركوع و الإستسلام .
عموماً .. من هنا يتبين حقيقة هذه العاصفة المشئومة و نوايا مطلقيها و عرابيها السيئة و أن لا مصلحة لأي يمني من وراءها بما في ذلك هادي نفسه و زمرته و أنه لولا صمود الشعب اليمني و ثباته الذي افشل هذه المؤامرة و جعل من قوى العدوان يتخبطون و يعيدون النظر في خططهم و إستراتيجيتهم لكانت اليمن اليوم قد تجزأت إلى أكثر من ست دولٍ متناحرة تحارب بعضها بعضا و تتآمر على بعضها بعضا لمصلحة السعودية و الإمارات و من وراءهما .
بقلم الشيخ عبدالمنان السنبلي