في إطار الجولة التي بدأها أخيراً على وقع التطوّرات المتسارعة في مدينة مأرب، حطّ تيم ليندركينغ في اليمن، في ظلّ اعترافات لافتة لديفيد شينكر فحواها: «لقد فاتنا القطار، ولم يَعُد ممكناً إلّا الاستدراك». اعترافاتٌ يعزّز صحّتها تواصل توغّل قوات صنعاء في المدخل الجنوبي لمركز المحافظة، حيث تقترب من جعْل المدينة مكشوفة من ثلاثة اتّجاهات أمام نيرانها
وواصلت قوات صنعاء، خلال الساعات الماضية، توغّلها في المدخل الجنوبي لمدينة مأرب، مُحقّقة تقدّماً جديداً باتجاه منطقة الفلج الاستراتيجية، ونحو الجانب الغربي من سلسلة جبال البَلْق الشرقي، آخر السلاسل الجبلية المحيطة بالمدينة.
وأكدت مصادر محلية، لـ«الأخبار»، أن قوات هادي، «فقدت كافة مواقعها العسكرية في منطقة برقاء بقيرتين»، وهي مواقع استراتيجية مهمّة قريبة من منطقة النقعة في سلسلة جبال البَلْق الشرقي، مضيفة أن«قوات صنعاء تقدّمت باتجاه السلسلة الجبلية من اتجاه الغرب، وتمكّنت من السيطرة على جزء منها، وسط حالة ارتباك في صفوف قوات هادي».
من جانبه، نشر المركز الإعلامي التابع للجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، مساء الأحد، مشاهد مصوّرة تُظهر تقدّم قوات صنعاء نحو منطقة الفلج، التي تُعدّ البوابة الجنوبية لمركز المحافظة.
وسُمّيت هذه المنطقة بالاسم المذكور لوقوعها بين سلسلتَين جبليتَين: الأولى البَلْق الأوسط، والثانية البَلْق الشرقي، كما تمُرّ عبرها طريق دولية رابطة بين صنعاء وحضرموت، وتفيض سيولها إلى سدّ مأرب. وكان الجيش و«اللجان» سيطرا على منطقتَي روضة جهم والمنساح جنوب شرق سدّ مأرب، وهو ما سيساعد في إسقاط منطقة الفلج، التي استقدمت قوات هادي من أجل الدفاع عنها مقاتلين سلفيين من المحافظات الجنوبية، بقيادة علي ناصر العوذلي، المكنّى «أبو عيشة».
كذلك، أفادت مصادر مطّلعة في مدينة مأرب، بأن «قوات هادي فرضت حظر تجوال في الأحياء الجنوبية للمدينة منذ أوّل من أمس، وأعلنت جميع المناطق الواقعة في نطاق المدخل الجنوبي، امتداداً من مفرق سدّ مأرب إلى سلسلة البلق الأوسط، ومن محطة ابن جابر الواقعة جنوبي المدينة إلى مفرق حريب وصولاً إلى منطقة الفلج، منطقة عسكرية مغلقة وساحة عمليات عسكرية».
لكن خبراء عسكريّين يعتقدون أن سيطرة الجيش واللجان» على معظم المناطق الحاكمة في الجبهات الغربية والشمالية الغربية، وصولاً إلى الحسم المنتظَر في آخر سلسلة جبلية حاكمة متمثّلة في البَلْق الشرقي، بعد سيطرتهما على البَلْق القِبْلي منذ منتصف العام الجاري، وتقدّمهما في البلق الأوسط والمناطق المطلة على سدّ مأرب، كلّ ذلك سيُفقد قوات هادي وميليشيات حزب «الإصلاح» تحصيناتها، ويجعل مدينة مأرب مكشوفة من ثلاثة اتجاهات أمام نيران قوات صنعاء.
وفي هذا الإطار، يقول الناشط القبلي، حمزة عبد الله المرادي، وهو من قبائل مراد، إن مأرب سقطت بسقوط مديريات قبائلها، واتّهم حزب «الإصلاح» بـ«خذلان القبائل»، وأشار في تغريدة له إلى أن «الإصلاح يرى في مأرب المدينة فقط، ولم يُعِر الـ12 مديرية التي سقطت أيّ اهتمام وكأنها لا تمثّل مأرب».
في الأثناء، تابع طيران العدوان شنّ الغارات «الهستيرية» على عدد من مناطق التماس في البوابة الجنوبية لمدينة مأرب خلال الـ48 ساعة الماضية.
ووفقاً لمصادر عسكرية، فقد تجاوز عدد الغارات الـ61، وهي تركّزت على مديريات صرواح والجوبة ومجزر، في محاولة لإسناد قوات هادي وميليشيات «الإصلاح».
وفي إحصائية حديثة، ذكر المركز الإعلامي في صنعاء أن «طيران العدوان شنّ 669 غارة على محافظة مأرب خلال شهر تشرين الأول المنصرم»، مبيّناً أن مديرية الجوبة كانت الأكثر تعرّضاً للغارات خلال الشهر الماضي، حيث استُهدِفت بأكثر من 317 ضربة، تليها مديرية العبدية بـ167، ثمّ مديرية صرواح بـ140.
فرضت قوات هادي حظر تجوال في الأحياء الجنوبية للمدينة منذ أوّل من أمس
على خطٍّ موازِ، حطّ المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في مدينة عدن جنوبي البلاد، حيث سيلتقي مسؤولي حكومة هادي، في إطار جولة جديدة في المنطقة بدأها في الـ4 من الشهر الحالي، تستهدف، على ما يبدو، إيجاد طريقة لمنع سقوط مدينة مأرب في يد «أنصار الله». وتأتي هذه الزيارة بينما تعلو أصوات في الولايات المتحدة مناديةٌ بابتكار خطط بديلة، بعدما لم يَعُد ممكناً قلْب ميزان القوى في تلك المحافظة.
وجاءت آخر الدعوات المذكورة على لسان المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، الذي اعترف بأن «المتمرّدين الحوثيين باتوا على وشك الاستحواذ على مدينة مأرب»، معتبراً أنهم «إذا سيطروا على مركز الطاقة في اليمن، يكونون بذلك قد انتصروا فعلياً في الحرب. وهذا أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل بالنسبة للرياض وواشنطن والشعب اليمني».
وإذ أعرب شينكر عن اعتقاده بأنه «من غير الوارد أن تحاول إدارة (جو) بايدن تفادي انتصار كامل للحوثيين، سواء من خلال العمل مع السعوديين لتسليح حكومة هادي وحلفائها المحليّين وتنظيمهم بشكلٍ أفضل، أو عبر الإيعاز إلى الجيش الأميركي بالتدخّل مباشرةً»، فهو دعاها إلى «احتواء الضرر الإيراني في دولة يمنية ستكون خاضعةً للحوثيين، والحفاظ على سلامة الشحن في البحر الأحمر، وتقويض طموحات الحوثيين الإقليمية في المملكة العربية السعودية»
موصياً إيّاها في هذا الإطار بـ«تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة»، و«إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية»، «والمسارعة من الآن إلى وضع آلية أمنية متعدّدة الأطراف في البحر الأحمر من أجل اعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة»، فضلاً عن «إعادة تفعيل حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن عام 2015».