“خاص”
26 سبتمبر ثورة بدون قائد والسرق بالسرقة
تسعة وخمسين عاما من عمر ثورة 26سبتمبر 1962م ولاتزال هناك العديد من الحقائق مجهولة، فهي ثورة بدون وثائق ولاقائد، لكنها حظيت بخطاب ثوري ضد الاستعمار والصهيونية والإمبريالية الأمريكية والتطلع إلى مستقبل أفضل، فكان الأسوأ، وانتكست الثورة بعد ثلاث سنوات من قيامها، الأمر الذي أدى لتهميش وتغييب وإقصاء وقتل وحتى سحل ثوار 26 سبتمبر، وعلى المستوى العام لم تتحقق أهداف الثورة الستة حتى اليوم.
إذ تربع على المشهد اليمني الرسمي سرق الثورات ولصوص الخيرات، وأصبحت ثورة 26 سبتمبر اسم بلا روح ومناسبة للإحتفال والأناشيد الحماسية، دون أن نعرف من هو قائد ثورة 26 سبتمبر حتى اليوم، وتم اختزال الثورة والجمهورية والأهداف الستة بالبطنين بعائلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وعائلة صالح عفاش، وهم الثورة والجمهورية والشرعية والوطنية والاسلام والسُنة والصحابة والوحدة والديمقراطية من الآباء عبدالله الأحمر وصالح عفاش إلى الأبناء حميد الأحمر وأحمد علي وطارق عفاش، والجمهورية لم تعد جمهورية، بل “جملكية” تُحكم من قصور بني سعود.
من هو قائد ثورة 26 سبتمبر
لا يوجد توثيق للثورة، ولا وثائق، وكل ماوصلنا عن الثورة كتابين فقط لا غير، الأول للّواء عبدالله جزيلان والثاني للّواء حمود الجائفي عن ثورة 26 سبتمبر، والفقيد عبدالله البردوني قال عنهما بأنهما أقرب إلى المذكرات من كتب التوثيق للثورة، وبالرغم من ذلك فإن قادة الثورة والثوار الشرفاء الذين ورد ذكرهم في الكتابين أو الذين تقاطروا للدفاع عن الثورة لم يلاقوا مايستحقونه نظير أدوارهم النضالية سوى الجحود والنكران في حياتهم وبيان النعي بعد وفاتهم، وتعددت الأسماء التي تنسب قيادة الثورة لها.
أنا القائد
اللواء جزيلان في مذكراته يقول أنه هو قائد الثورة وبعد الثورة لم نرى جزيلان في الصفوف الأولى ومن أصحاب القرار، بل توارى عن الأنظار والانعزال ولم يرد اسمه حتى في مناسبات الثورة السنوية، هو الآخر اللواء حمود الجائفي يقول في كتابه بأنه هو قائد الثورة، وكيف له ان يكون القائد وهو من تحرك إلى الحديدة بالدراجة النارية ليلة قيام الثورة.
الناصريين يقولون أن الملازم “علي عبدالمغني” هو القائد، وهذا لا يتناسب مع تراتبية الرتب العسكرية فرتبة ملازم لاتقود ضباط برتب أعلى، والصواب أن علي عبد المغني هو ضابط اتصال مابين تنظيم الضباط الأحرار والقائم بأعمال السفارة المصرية في صنعاء “محمد عبد الواحد”.
عبدالله السلال لم يعرف بقيام الثورة إلا في ليلة الخميس 26 سبتمبر وتعاون مع الثوار بفتح قصر السلاح لهم، ثم أصبح أول رئيس للجمهورية كونه يحمل أكبر رتبة عسكرية كتكرار لثورة مصر عندما تم تعيين “محمد نجيب” أول رئيس لمصر، بينما عبد الناصر هو قائد الثورة المصرية.
الدكتور “عبدالعزيزالمقالح” في كتابه “عبد الناصر واليمن” قال انه لايعرف من هو قائد الثورة ويرجح أن الملازم “علي عبد المغني” ربما يكون قائدها بحكم علاقته الوطيدة مع جمال عبد الناصر.
الشيخ عبدالله الأحمر قال: “الجمهورية حقنا”، والثورة قامت وهو قابع في سجن بمحافظة حجة، بل هو أول من انشق عن الثورة والجمهورية في أغسطس 65م، وأيد قيام دولة لاجمهورية ولاملكية “جملكية” في مؤتمر جدة السعودية، ولاحقا عرف بالطرف الثالث المعتدل المُنبطح للرياض، وحركة التصحيح التي قادها إبراهيم محمد الحمدي في 13 يونيو 1974م تعيد الوهج لثورة 26 سبتمبر سرعان ما انقض عليها البطنين عفاش والأحمر وبالوكيل السعودي قتلوها.
سامي شرف يتحدث
سامي شرف هو السكرتير الخاص ومدير مكتب “جمال عبد الناصر” من مارس 1955 إلى إبريل 1970م حيث تم تعيينه بقرار جمهوري كوزير للدولة للأمن القومي، وحينها عرف الشعب المصري اسم مدير مكتب الرئيس عبد الناصر، وقبل ذلك سامي شرف كان بعيدا عن الأضواء والإعلام وقبل ذلك هو ضابط مصري وأحد مؤسسي المخابرات المصرية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م.
ثورة مصر ذهبت إلى اليمن
في 31 ديسمبر 2019م نشر موقع الوعي العربي دراسة بعنوان “عبد الناصر وثورة اليمن” والمؤلف “سامي شرف” ضابط المخابرات المصرية السابق ومدير مكتب عبدالناصر لاحقاً جاء فيها: “إن كل الثوار العرب جائوا لمصر طلبا لمساعدة مصر للقيام بثورات في بلدانهم باستثناء اليمن حيث ذهبت ثورة 23 يوليو المصرية إلى اليمن للقيام بالثورة، وبرر ذلك بأن اليمن تعاني من التخلف والانعزال عن العالم ولهذه الأسباب ذهبت ثورة مصر لليمن، ولم ينتظر قادة ثورة يوليو قدوم الكوادر الثورية اليمنية إليها بل حرصت هي على الذهاب إليهم”.
تكليف للمخابرات المصرية
يؤكد سامي شرف في دراسته أنه “في أغسطس من عام 1953م تلقت المخابرات العامة المصرية -التي كانت قد أنشئت عام 1952م برئاسة زكريا محي الدين- أول تكليف بدراسة الأوضاع في اليمن، وما يجب عمله، وما هو دور ثورة يوليو إزاء اليمن، حيث تولى الزميل “فتحي الديب” هذه المسؤولية بحكم توليه رئاسة فرع الشؤون العربية منذ أن نُقل للعمل في المخابرات العامة، وقد كلفه الرئيس جمال عبدالناصر بإعداد خطة لتحرك الثورة في اليمن.
وعقدت عدة اجتماعات في “منشية البكري”، حتى تم إعداد مشروع الخطة بشكل عام، وتقرر أن يقوم فتحي الديب بزيارات ميدانية لتأكيد وتجميع المعلومات اللازمة وبعدها عاد إلى القاهرة لاستكمال الحوارات المطولة مع القيادات اليمنية المقيمة في القاهرة وفى مقدمتهم القاضي محمد الزبيري وآخرين، ثم توجه في جولة استطلاعية للمرة الثانية في اليمن أكتوبر 1953م وقامت أفرع المخابرات العامة في حصر القيادات السياسية اللاجئة بالقاهرة والعناصر الطلابية التي كانت تتلقى الدراسة في القاهرة، وجمع أكبر قدر من المعلومات عنهم”.
ويضيف سامي شرف بالقول: “لقد قمنا من ناحيتنا في القسم الخاص بالمخابرات العامة بمعاونة فتحي الديب وهكذا كانت زيارة فتحي لليمن في أكتوبر 1953م مستندة إلى قدر لا بأس به من المعلومات وقد اتخذ ساتراً لرحلته بصفة مفتش بوزارة الخارجية، بغرض التفتيش على السفارة المصرية في صنعاء، وانتقل الديب براً من عدن إلى تعز حيث التقى العقيد الثلايا الذي تم الاتفاق معه على ترتيب اتصال منتظم مؤمن بينه وبين القاهرة، وفي تعز التقى فتحي بالإمام أحمد في اجتماع استغرق ساعتين، طلب الإمام من مصر إمداده ببعض المدرسين وبعد الرحلة أعد فتحي الديب تقرير بنقاط 12وخمس توصيات”.
ناصر يقر توصيات
يواصل سامي شرف دراسته و يؤكد أن عبدالناصر اعتمد التوصيات الخمس والتي أوصت بالإعداد والتخطيط والتنفيذ الدقيق لتغيير نظام الحكم باليمن، والتخطيط لتأمين الوضع بعد حدوث التغيير وبنفس الوقت طمأنة الإمام من جانب ثورة 23 يوليو والاستجابة لكافة مطالبه مع اختيار العناصر الواعية التي تعار لليمن وإعدادها لتكون سندا في حال حدوث التغيير، وربط الشباب اليمني من الدارسين في إطار التجمع الوطني اليمني وإعداد الصالح منهم عسكرياً بما يحقق الاستفادة منهم لصالح الأوضاع المستقبلية، وقد أمر عبدالناصر بالبدء في التنفيذ في إطار من السرية”.
يتابع سامي شرف دراسته بالقول: “في أعقاب مأمورية “فتحي الديب” تحركت وفود مصرية إلى اليمن وإرسال بعثات عسكرية وشرطة ومدرسين وشفرة تواصل مع العقيد الثلايا الذي تسرع بحركته في عام 1955م دون التنسيق مع مصر وفشلت وأصبح التغيير صعب”.
الإمام يوقع الوحدة مع مصر وعبدالناصر لايثق بالإمام
يستمر سامي شرف في دراسته بالقول: في هذه الأثناء وقع الإمام احمد حميد الدين مع عبدالناصر ميثاق الإتحاد اليمني، وكان تقدير الأحرار اليمنيين أن هذه الخطوة قد تمثل قيداً عليهم، لكن أحمد أبو زيد شرح لهم حقيقة الموقف، وأن الثقة مفقودة من عبدالناصر تجاه الإمام أحمد، وأننا لن نتردد فى دعم أية انتفاضة ضده، ويومها قال عبد الله جزيلان ”إن الحكم سينتهي عندما يأتي الفرج من القاهرة، أما إذا بقيت مصر بعيدة فإن موضعها بين الشعب اليمنى سيكون مهزوزا، فلابد أن تتواجد مصر في اليمن، وهذه مسئولية مصر وقدرها، أن تؤيد كل حركة تحررية في الوطن العربي”.
والطالب عبدالله قائد جزيلان من الطلاب اليمنيين الذين تلقوا تعليمهم من الابتدائي حتى الثانوية في مصر، وعندما زار الأمير عبدالله بن يحيى حميد الدين مصر والتقى الطلاب اليمنيين، أمر بمنح جزيلان منحة دراسية في الكلية الحربية، ومنح الطالب عبدالرحيم عبدالله منحه ليدرس في الكلية الجوية في مصر والذي واصل دراسته في إيطاليا ولاحقا أصبح أول طيار يمني والطيار الخاص للإمام أحمد.
تنسيق بين الضباط والبعثة العسكرية المصرية
ينتقل سامي شرف للداخل اليمني ويوضح ان الضباط اليمنيين الذين تخرجوا من مصر والعراق ومنهم جزيلان والجائفي والضبي، كانوا ينسقون مع البعثة العسكرية المصرية باليمن ونظموا صفوفهم في أربع خلايا رئيسية؛ كانت الأولى في صنعاء ويقودها جزيلان الذي كان مديرا للكلية الحربية، والثانية في تعز ويقودها عبدالغنى مطهر، والثالثة في الحديدة ويرأسها حمود الجائفي، أما الرابعة فكانت في عدن ويقودها الملازم محمد قائد سيف، كما انتظم الاتصال بين التنظيم وبين القاهرة.
وكان يمثل مصر في هذا الاتصال أنور السادات، الذي كلفه الرئيس عبدالناصر بالإشراف على هذه العملية، وفي 26سبتمبر 1962م، تم إعلان قيام الثورة وكانت القاهرة قد اتخذت قرارها دون تردد في مساندة الثورة بمجرد أن تعرفت على أسماء قادتها، وكانت طبعا تعرفهم جميعا مسبقا”.
ساعة الصفر ودور السلال
يفيد سامي شرف في دراسته “أن ساعة الصفر لثورة 26 سبتمبر هي مساء الخميس 25 سبتمبر 1962م، حيث تجمع الثوار في الكلية الحربية وانطلقوا منها بقيادة عبدالله جزيلان، وعلي عبدالمغني، واقتحموا أبواب صنعاء وحاصروا قصر الإمام، ثم مبنى الإذاعة، علاوة على القيام باعتقال رؤوس النظام الملكي، وبعد ساعات قليلة تمت السيطرة على الموقف نسبيا، ولكن انطلقت فجأة من داخل القصر الملكي وبعض قصور الأمراء نيران كثيفة فاستدعى الضباط الأحرار “عبد الله السلال” الذي لم يتردد؛.
وبدأ يصدر أوامره بصفته قائدا للحرس الملكي لضباط المدفعية والفرقة الخاصة من الحرس الملكي ”فوج البدر” أن يلقوا أسلحتهم فاعتقد هؤلاء أن هذه هي أوامر البدر يصدرها على لسان السلال، وأعقب ذلك الهجوم المضاد للضباط الأحرار الذين بدأوا من جديد السيطرة على الموقف برمته بقيادة عبد الله السلال، ثم تلى أحد الضباط البيان رقم واحد، واستنجدت الثورة الوليدة بالقاهرة لتنفيذ وعدها بالمساندة حسب قرار مجلس الرئاسة المصري الذى كان قد أتخذ بالإجماع، وفي خلال أيام كانت وحدات من قوات الصاعقة المصرية تصل إلى اليمن”.
واختتم ضابط المخابرات المصرية السابق ولاحقا مدير مكتب عبد الناصر سامي شرف دراسته بالقول: “أن قرار ثورة يوليو والرئيس عبدالناصر قد اتخذ لتحرر الشعب اليمني قد أتخذ على الصعيد العملي منذ بداية 1953م. “انتهى الاقتباس من دراسة سامي شرف”.
كلمة لابد منها
الرئيس جمال عبدالناصر ربما حرر اليمن صنعاء من الانعزال ولكنه لم يحرر اليمن عدن من الإستعمار البريطاني، ولاحقا تنازل عن ثورة 26 سبتمبر للطرف الثالث “عبدالله الأحمر” وبالاتفاق مع الرجعية السعودية الملك فيصل واعتمد النضال السلمي لتحرير الجنوب المُحتل من بريطانيا عبر الدمج القسري بين الجبهة القومية وجبهة التحرير التي تضم السلاطين والعملاء باتفاقية 24 أغسطس من عام 1956م بين السعودية ومصر.
ومابعد ذلك كانت هزيمة العرب من الكيان الصهيوني في يونيو 1967م واحتلال شبة جزيرة سيناء المصرية والجولان السوري وأغوار الأردن وتالياً عبدالناصر في ذمة الله في 28 سبتمبر 1970م، ونائبه السادات مسؤول تحرير اليمن من التخلف والانعزال أطاح بأهداف ثورة 23 يوليو المصرية جملةً وتفصيلاً بالإعتراف بالكيان الصهيوني مارس 1979م، والارتماء في أحضان الرجعية السعودية والصهيونية والانفتاح الإقتصادي على الغرب الرأسمالي وأمريكا الإمبريالية، واهداف ثورة 23 يوليو لم تعد معادية للصهيونية والرجعية السعودية وأمريكا بل العكس صحيح.
وكذلك ثورة 26سبتمبر ومن يتشدق اليوم بأنه يمثل ثورة 26 سبتمبر والجمهورية وهو في أحضان أعدائها الرجعية السعودية وأمريكا وتل أبيب الذين شنوا حرباً على جمهورية 26 سبتمبر ولم يعترفا بالجمهورية إلّا في عام 1970 بعد تصفية ثوار 26 سبتمبر خلال مراحل عدة من أغسطس 1965م وانقلاب نوفمبر 1967م وأحداث أغسطس 1968م أو اتفاق ما أسموه المصالحة بين الملكيين والاعتدال الجمهوري عام 1970م، وليصبح السفير السعودي والسفير الامريكي هو الحاكم الفعلي ومن يقاوم يتم اغتياله وسجنه والاقصاء والتهميش والتغييب مصيره حتى وصلنا الى زمن نقل جمهورية 26 سبتمبر المعتدلة الى القصر السعودي تمهيدا لنقلها الى الكنيست الصهيوني بالتطبيع الى احضان اعداء ثورة 26سبتمبر 1962م، ولميدان ثورة 21 سبتمبر قول وفعل آخر بالصمود والانتصار.
عاشت كل الثورات اليمنية المعادية للرجعية السعودية والصهيونية وأمريكا الإمبريالية، المجد والخلود لكل شهداء اليمن الأبرار، الحرية للأسرى والشفاء للجرحى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهد اليمني الأول
المحرر السياسي
27 سبتمبر 2021م