يتعالى الضجيجُ الأمريكي حول اليمن هذه الفترة، بشكل ملحوظ، مع تصاعُدِ انتصارات قوات الجيش واللجان الشعبيّة في الجبهات، حَيثُ عاد الحديثُ الدعائي عن “إنهاء الحرب” إلى الواجهة مجدّدًا، لكن في ظل ارتفاع مُستمرٍّ لوتيرة العمليات العدوانية والحرب الاقتصادية، وهو ما يجدد التأكيدَ على أن واشنطن تواصلُ التمسك بمنهج “الابتزاز” والمراوغة، لكن هذه المرة في وضعية أسوأ؛ لأَنَّ موقف صنعاء القتالي والسياسي قد ازداد قوةً وثباتاً.
خلال الأيّام الماضية، كثّـف المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، تحَرّكاته ولقاءاته على مستوى إقليمي ودولي، متحدثا عن “ضرورة وقف الحرب” و”وجود فرصة لتحقيق السلام”، لكن وفقاً للمحدّدات الأمريكية السعوديّة التي تسعى لفرض “سلام” مزيَّف لا يتضمَّنُ إنهاء العدوان والحصار بشكل كامل بل يلزم صنعاء وحدَها بإلقاء السلاح ووقف التقدم في الأرض ووقف الضربات الصاروخية والجوية على السعوديّة، مقابل “تخفيف” بعض القيود المفروضة بشكل تعسفي وإجرامي على الاحتياجات الإنسانية لليمنيين.
وبالتزامن لجأت الولاياتُ المتحدة إلى إعلان تقديم “مساعدات إضافية” لليمن عن طريق “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” (التي ثبت تورطها أصلاً في تقديم دعم عسكري لجماعات القاعدة وداعش في البلاد)، فيما جدّد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، “إدانة الهجمات على السعوديّة”، مع تجدد محاولات تحميل صنعاء مسؤولية “عرقلة السلام” أَيْـضاً.
تصاعد وتيرة انتصارات
هذه الجَلبةُ الأمريكيةُ غيرُ الجديدة بشأن اليمن، تأتي توازياً مع تصاعد وتيرة انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة في جبهات القتال، حَيثُ تم إكمال السيطرة على محافظة البيضاء بالكامل، وبدأت القوات المسلحة بالإعلان رسميًّا عن تفاصيل المواجهات في محافظة مأرب التي ارتفع مستوى قلق تحالف العدوان ورعاته الغربيين بشأنها إلى الذروة؛ بسَببِ استمرار تقدم الجيش واللجان فيها على أكثر من محور، وانقطاع خطوط إمدَاد جديدة عن المرتزِقة والجماعات التكفيرية، إلى جانب تصاعد الضربات الصاروخية والجوية على العمق السعوديّ في إطار تلك العمليات الميدانية.
ولا يخفى أن القلق من تصاعد مكاسب صنعاء العسكرية هو الدافع الرئيسي من وراء عودة الضجيج الأمريكي حول السلام، بل إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تؤكّـد ذلك بوضوح، لكن على الواقع يبدو أن الولايات المتحدة ما زالت تعوِّلُ على الخداع والألاعيب والضغوط بشكل رئيسي لتقييد تحَرّكات صنعاء العسكرية “المرعبة”.
وفي هذا السياق، حملت لقاءات وتصريحات وزير خارجية واشنطن ومبعوثها إلى اليمن خلال الأيّام القليلة الماضية مؤشراتٍ على الاتّجاه نحو حشد مواقف دولية وإقليمية لفرض “الرؤية” الأمريكية على صنعاء، وإزاحة الشروط التي تتمسك بها الأخيرة من المشهد (فتح الموانئ والمطار بدون شروط وإنهاء العدوان والحصار تماماً وسحب القوات الأجنبية).
ويتزامن ذلك مع تصعيد حملات تشويه صنعاء إعلامياً وحقوقياً على نطاق واسع، في الوقت الذي يستمر فيه الدفع بالحرب الاقتصادية نحو مستويات أعلى.
لكن بالرغم من ذلك، يبدو الموقف الأمريكي اليوم أسوأ من أي وقت مضى؛ لأَنَّ صنعاء قد بدأت فعلياً مرحلةَ تصعيد جديدةً دُشّـنت بإعلان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن التوجّـه نحو “تحرير كافة أراضي البلد واستعادة جميع المناطق المحتلّة”، وهو الإعلان الذي أعقبه تنفيذُ وإعلانُ عمليات عسكرية واسعة واستراتيجية، كما أن الرئيسَ مهدي المشاط تحدث بعد ذلك خلال لقائه التلفزيوني مع “المسيرة” بلهجة صريحة عن عدم وجود أفق للحل السياسي.
فشل استراتيجية “المراوغة”
بالتالي، يمكن القول إن الوقت لم يعد في صالح المراوغات الأمريكية (حتى إن كان في جعبتها مراوغاتٌ جديدة ومختلفة)، وقد بات مؤكّـداً أن “الضغوط” مهما بلغت لا تفلح في تقييد خيارات صنعاء، بل إن الأخيرة أثبتت احترافيةً مدهشةً خلال الفترة الماضية في تحويل خدع العدوّ إلى مصائد تضاعف خسائره هو فقط.
ولا يمكنُ تجاهُلُ قيمة المكاسب الجديدة التي حصدتها صنعاء خلال الفترة الماضية، والتي تزيد من قوة موقفها القتالي والسياسي، بصورة تجعل دول تحالف العدوان والأمريكيين أكثر اضطراراً للاقتراب عمليًّا وبشكل واضح من شروط صنعاء إذَا كانوا يريدون جذب انتباهها؛ لأَنَّ خيارات الجيش واللجان تتسع اليوم بشكل متسارع وتتمدد ملوحة بمعادلات قد تتجاوز حسابات وتوقعات الجميع.
ووفقاً لذلك، يمكنُ الحُكْمُ مسبقًا على فشل أية محاولة أمريكية جديدة أَو مكرّرة لكسب الوقت والالتفاف على متطلبات السلام الفعلي، بل يمكن أَيْـضاً الحكم بأن استراتيجية صنعاء المعتمدة على دفع العدوّ نحو الإحساس بـ”ضرورة” وقف العدوان وإنهاء الحصار لإنقاذ نفسه، قد أثبتت بالفعل تفوقها على استراتيجية إدارة بايدن التي تهدف لتعويض الفشل العسكري بالمراوغات والضغوط وإطالة أمد العدوان والحصار.
صحيفة المسيرة