ادعت وزارة الخارجية الاسرائيلية مؤخرا، بمناسبة الذكرى 43 لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، ان هذا الاتفاق غير وجه المنطقة.
وفي هذا الصدد، ادعت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه بعد 43 عامًا من توقيع اتفـاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء تل أبيب آنذاك، مناحيم بيغن، غيرت هذه الاتفاقية بين الجانبين وجه المنطقة. وقالت الوزارة إن اتفاق السلام مع مصر دفع الدول الأخرى إلى التفكير في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الادعاء السخيف بإنهاء العداء لإسرائيل
ما مدى قرب ادعاء انتهاء العداء مع الكيان الصهيوني في ذكرى توقيع اتفـاقية كامب ديفيد من الحقيقة؟ للتشكيك في هذا الادعاء وتأسيسه، يكفي مراعاة أربع ميزات:
ولادة حملات الانتفاضة بعد كامب ديفيد: بينما تم توقيع اتـفاقيات كامب ديفيد في وقت لم يكن فيه الفلسطينيون قد اصطفوا بانتفاضة موحدة من قبل، أدى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1987 إلى اندلاع حركة مقاومة في السنوات اللاحقة. وتشكلت قوات الانتفاضة الموحدة بعد ذلك. واصل الفلسطينيون حتى الآن أربع جولات انتفاضة على الأقل، استمرت كل منها عدة سنوات، ضد الاحتلال الصهيوني.
لا تطبيع عام للدول الإسلامية الأخرى بعد كامب ديفيد: على الرغم من توقيع اتفـاقية كامب ديفيد وعملية تطبيع العلاقات المصرية مع تل أبيب قبل 33 عامًا، إلا أن تطبيع العلاقات بين الدول الأخرى وتل أبيب لم يصبح أمراً طبيعياً بعدها. كما رفضت دول كثيرة في المنطقة والعالم العربي الاعتراف بوجود النظام الصهيوني.
حتى الاعتراف بهذا النظام من قبل البحرين والإمارات على شكل اتـفاق إبراهام في عام 2019 تم بضغط من ترامب وبأهداف انتخابية للرئيس الأمريكي، ولا يمكن أن تمتد نفس العملية إلى دول أخرى والمملكة العربية السعودية، كأقرب حليفين للبحرين والإمارات، إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى، لا يزالون يرفضون الاعتراف رسميًا بوجود تل أبيب. لذلك لم يستطع النظام الصهيوني أن يكتسب مصداقية في المنطقة حتى بعد توقيع كامب ديفيد.
استمرار الأعمال العدائية: حتى مع توقيع اتفاق كامب ديفيد من قبل القادة المصريين، لا تزال القاهرة تربطها علاقات باردة مع تل أبيب، ويعارض الرأي العام في مصر بشدة العلاقات مع الصهاينة. وفي هذا الصدد قال “مصطفى يوسف اللداوي” الكاتب والمحلل العربي البارز في مذكرة نقلا عن تصريحات مسؤولي النظام الصهيوني حول استمرار عداء الأمة المصرية لهذا النظام ومطالبتهم بإلغاء اتفاق التسوية، يرى المصريون أن هذا الاتفاق يعتبر مهينًا ومخزيا، وهو لا يعبر عن الإرادة الوطنية والرأي العام المصري. وأشار اللداوي في هذا المقال إلى أقوال السفير الإسرائيلي في القاهرة الشاكية،
وكتب: “يبدو أن السفيرة الإسرائيلية في مصر أميرة آرون حزينة للغاية من الطريقة التي يعاملها بها الشعب المصري بمختلف طبقاته وجماعاته، وذلك بسبب الحقائق اليومية في مصر والسلوك الوطني المتأصل لأبناء هذا البلد ومواقفهم الوطنية، وقد صُدمت السفيرة الإسرائيلية في القاهرة من إصرار الشعب المصري على معتقداته القديمة ومفاهيمه الوراثية، رغم مرور أكثر من أربعين عامًا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
محور المقاومة بدلاً من محور التسوية
يظهر لنا فحص التطورات بعد اتفاقية كامب ديفيد أن هذه الاتفاقية أدت بالفعل إلى تشكيل مجموعات مناهضة للصهيونية في فلسطين ودول أخرى في المنطقة. أي إن ردود الفعل التي حدثت في السنوات التالية على اتفاقيات كامب ديفيد في فلسطين ودول أخرى في المنطقة عززت مفهوم المقاومة، وعززت هذه الظروف محور المقاومة في المنطقة.
في الواقع، اتفاقية كامب ديفيد هي اليوم مجرد حدث غير فعال على الورق، وما يحدد مسار التطورات في المنطقة حاليًا هو محور المقاومة في فلسطين ودول أخرى في المنطقة. حتى عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين والنظام الصهيوني فشلت في تحقيق النتائج المرجوة للصهاينة والأمريكيين في توسيع عملية المصالحة في المنطقة، وما زال حجم التطورات في غرب آسيا يحدده محور المقاومة.
الوقت التحليلي