فتحت التطورات الميدانية التي شهدتها جبهة مأرب أخيراً، الباب أمام المزيد من التكهنات حول نية صنعاء الحقيقية حيال تحرير مدينة مأرب فيما تسري أحاديث عن أن صنعاء لا تنوي اقتحام المدينة، إنما تهدف من محاصرتها والتقدم نحوها إلى وضْعها كورقة ضغط على طاولة المفاوضات مع الرياض، ولكن قرار تحرير كل مناطق اليمن قد اتخذ من قبل القيادة،
ولا مساومة على مسألة هامة كهذه وما بين تحرير المدينة أو الاكتفاء بمحاصرتها، أولويات تفرضها المعركة، تأخذها القيادة الميدانية في الاعتبار والعمليات التي نفذها الجيش واللجان جنوب مأرب في إطار معركة “النصر المبين الثالثة” منفصلة عن المعارك التي كانت تدور رحاها غرب مأرب في الأسابيع الماضية .
بات أنصار الله يحيطون بمـأرب من الشمال والغرب وجزء من الجنوب، فيما تتواجد قوات التحالف ومرتزقتها في جزء من الجنوب حيث تمتلك امتدادا نحو محافظة شبوة، وفي الشرق إلى صافر وحضرموت وصولا إلى الحدود السعودية حيث تسيطر قوات صنعاء على أغلب مديريات محافظة مـأرب، فيما تبْقى المدينة و3 من مديرياتها كمناطق اشتباك.
ووفقا للمعطيات السياسية والعسكرية التي يرصدها أنصار الله بدقة ويتعاملون معها وفق الموقف المطلوب واجب الأخذ بعين الإعتبار أن عملية دخول إلى مدينة مـأرب من دون السيطرة على منابع النفط، ستكلف الكثير عسكريا وسياسيا، كما أن السيطرة على صافر، حيث الحقل النفطي، يمكن أن يتخذها التحالف ذريعة لاستهداف المنشآت النفطية وتدميرها ولذا إطباق الحصار على مدينة مـأرب من كل الاتجاهات، وفرض انسحاب المقاتلين التابعين للتحالف، خيار مطروح على الطاولة، كما خيار تمكين مقاتلي قبائل مأرب الموالين لصنعاء من السيطرة على المدينة وإسقاطها من الداخل .
مأرب وأنصار الله .. عقد تفاهمات هامة مع قبائل مأرب .؟!
لقبائل مـأرب دور كبير في تحديد مستقبل المدينة والمعركة عليها، حيث بعض الشخصيات المحسوبة على بعض قبائل مـأرب تستغل المبادرة التي تقدمت بها حركة أنصار الله، على راسها الزعيم عبد الملك الحوثي، في آذار 2020، للترويج لفكرة أن الحركة غير قادرة على دخول مدينة مأرب،
وبالتالي تعمل هذه الشخصيات، بدفع من التحالف السعودي، على عرقلة أي تفاهم قد تتوصل إليه أطراف قبلية أخرى مع أنصار الله لتجنيب مدينة مأرب تداعيات المعركة، وأغلب العناصر المسلحين في مدينة مأرب بالتحديد، هم ليسوا من أبنائها، بل من المرتزقة الذين استقدمهم التحالف من خارج محافظة مأرب، وضمهم تحت لواء قوات هادي ومسلحي حزب الإصلاح .
عند مشاركة عناصر قبليين في عملية “النصر المبين الثالثة” إلى جانب الجيش واللجان، فأنصار الله نجحوا في عقد تفاهمات مهمة مع عدد من قبائل مـأرب، الأمر الذي ترجم بمشاركة أعداد كبيرة من أبناء قبائل مراد في معركة النصر المبين الثالثة الأخيرة، كان لها الفضل في حسم المعركة لمصلحة صنعاء،
متابعة أن الحركة تعمل على تحييد أكبر عدد ممكن من القبائل لتجنيب مدينة مـأرب تداعيات المعركة المقبلة فيما تعمل السعودية بجد من أجل استقطاب القبائل والشخصيات الأساسية فيها، على الرغم من أن عددا من هذه القبائل بدأ يعدل من مواقفه المؤيدة للرياض، نتيجة المسار الطويل من الوعود غير المحققة والتعامل المهين الذي تتبعه القيادات السعودية مع القبائل وأبنائها.
وفي هذا الإطار، تحرص السعودية على أن تكون القبائل خط الدفاع الأول عنها انطلاقا من مـأرب، فيما يضع حزب الإصلاح كل ثقله القبلي في مأرب، لأن القراءة الخاصة به تؤكد أن خسارة معركة المدينة ستكون خسارة للحرب في اليمن ككل، مع ما يعنيه ذلك من مآلات مجهولة بالنسبة إلى الحزب وخلفيته العقائدية الإخوانية على أن المزاج القبلي تغير في اليمن، وهو آخذ في مـأرب خصوصا في التبلور على نحو جديد في حين لم تقتنع كل القبائل بموقف أنصار الله حتى الآن، فإن نسبة كبيرة منها قد بدأت بالفعل في التشكيك في موقف السعودية وخطابها في اليمن ككل انطلاقا من مأرب .
هنا فقط .؟! يبدو أن عامل الوقت يلعب لمصلحة أنصار الله التي تراهن على تبدل ملحوظ في موقف القبائل، إن لم يكن إلى درجة تدفعها إلى الانخراط في المعركة ضد قوات هادي والتحالف، فعلى الأقل إلى درجة تحيدها، ما يسهل على الحركة استكمال تحرير المحافظة، الذي سيؤدي، من ضمن ما سيؤدي إليه، إلى تعزيز رؤية صنعاء للحل في أي مفاوضات مقبلة، والقائمة في الأساس على وقف العدوان وانسحاب قوات التحالف ومرتزقتها ورفع الحصار، مقابل وقف عملياتها .
العصر التحليلي – أسامة القاضي