بعبارة واحدة لخص رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط، السببَ الرئيس من العدوان على اليمن: «إن اليمن يدفع ثمن موقفه من القضية الفلسطينية»، المشاط وضع في هذه المقاربة – المعادلة، النقاط على الحروف لناحية مسار العدوان وأهدافه ومناورته ونقطة ارتكازه التي يستند إليها، وحدد أيضا وبوضوح كعادته – مثله مثل كل القادة اليمنيين وعلى رأسهم قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي – استراتيجية حكومة صنعاء في القتال والميدان والسياسة والاقتصاد لمواجهة العدوان وللخروج من هذه المعركة المفصلية، التي سترسم نتيجتها بلا شك مستقبل ومسار المنطقة بأكملها وليس فقط مسار اليمن ومستقبله.
من خلال متابعة وتحليل العناوين الرئيسة لحديث الرئيس المشاط الذي خصَّصه لفضائية المسيرة اليمنية، يمكن استنتاج عدة نقاط مهمة يبنى عليها لرسم الخطوط العامة التي تترجم استراتيجية العدوان وأهدافه، وبالمقابل لتحديد استراتيجية المواجهة التي تعتمدها الدولة اليمنية، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
أولًا – أن يتم اعتبار السبب الرئيس للحرب على اليمن هو الموقف من القضية الفلسطينية، ما يُدخِل المعركة في اليمن من ضمن مسار معركة محور المقاومة بالكامل. فالحصار غير المسبوق تاريخيًا، والضغوط الضخمة التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ نشأة وانطلاق الثورة، يرتبط بشكل وثيق بموقف المرجعية الدينية والقيادات العسكرية والسياسية في ايران من القضية الفلسطينية، وأي تراجع أو تراخ أو تساهل في هذا الموقف، سيكون حتمًا مدخلًا لوقف الحصار والضغوط الغربية والأمريكية – الإسرائيلية بالتحديد عن ايران.
أيضًا، الحرب الكونية التي شُنَّت على سوريا قامت بأساسها، لارتباط موقف الدولة والجيش والقيادة في سوريا بالقرار المساند والداعم بشراسة وبقوة للقضية الفلسطينية وللمقاومة اللبنانية، ومفتاح وقف العدوان الدولي على دمشق هو فقط، وبكل سهولة، في تغيير موقفها القومي والوطني من تلك القضية ومن حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
لبنان الدولة المحاصرة والمضغوط عليها – سياسيًا واقتصاديًا- يمنع جيشه من امتلاك القدرات المناسبة لحماية سيادة البلاد، وتتعرض مقاومته لأقسى أنواع الاستهداف الظالم إقليميًا ودوليًا، كل ذلك يعود للموقف الداعم للقضية الفلسطينية، ويرتبط إنهاء كل تلك الضغوط مباشرة بتغيير الموقف اللبناني من دعم القضية الفلسطينية وعمليا في إنهاء حالة العداء مع «اسرائيل».
المقاومة الفلسطينية، في غزة أو في خارجها وداخل فلسطين المحتلة، تعيش ضغوطا ضخمة في كافة المجالات، إضافة للظلم والتنكيل الذي يلحق بأبنائها في السجون وخارجها، وفي كافة البلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية بسبب الموقف الصامد غير المتنازل عن حقوقه وعن قضيته المقدسة.
ثانيًا – أن يكون الموقف اليمني الوطني وبالتحديد موقف الجيش واللجان وحركة أنصار الله الداعم للقضية الفلسطينية، السبب الرئيس للعدوان على اليمن، فهذا الأمر يرتبط بطريقة مباشرة بموقع اليمن الاستراتيجي والحيوي، الذي من خلاله تمتلك أي سلطة يمنية (والتي من المفترض أن تكون مسيطرة على كامل جغرافيا ومقدرات اليمن) تمتلك قدرة التأثير الرئيسة.
وانطلاقًا من هذا الموقع المميز على الموقف الاستراتيجي في أكثر منطقة حيوية من العالم، منطقة مثلث المعابر الاستراتيجية الحيوية: باب المندب – مضيق هرمز – البحر الأحمر وقناة السويس، تمتلك هذه السلطة (اليمنية) إمكانية ضخمة للتأثير في الصراع الواسع ضد «إسرائيل»، أو بمعنى آخر عمليًا تمتلك العناصر الأكثر أهمية في المواجهة بين محور المقاومة وبين «إسرائيل» وداعميها في الإقليم أو في الغرب.
من هنا تأتي الحاجة الاستراتيجية بالنسبة لحكومة صنعاء الوطنية لإنهاء العدوان وتحرير كامل جغرافيا اليمن، ومن هنا أيضا، تأتي أهمية السيطرة على مفاصل اليمن الرئيسية ميدانيًا، وبالتحديد السيطرة على مدينة مأرب ومديرياتها، وتحريرها من العدوان ومن مرتزقته. وانطلاقًا من معركة مارب، يمكن تصور الموقف النهائي تقريبًا لمسار العدوان بالنسبة لحكومة صنعاء من جهة، وبالنسبة للعدوان وداعميه ومرتزقته من جهة أخرى.
بالنسبة للعدوان، أشار الرئيس المشاط إلى أكثر من نقطة تشرح خلفيات هذا الاستشراس الإقليمي والدولي لمنع الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله من تحرير مارب. فبالإضافة إلى أن تحريرها ينزع من العدوان آخر نقطة ارتكاز برية ممكن أن يتابع انطلاقًا منها معركته وعدوانه، وبالتالي يخسر آخر قاعدة انطلاق ميدانية عسكرية في الوسط الشرق اليـمني، فإن تحريرها أيضا ينزع من العدوان فرصة نهب وسرقة مكامن النفط والثروات الطبيعية اليمنية، والتي تتركز بنسبة كبيرة منها في محافظة مارب ومديرياتها، وفي المناطق الشمالية الشرقية منها وصولًا الى الحدود مع السعودية.
وأخيرًا، تبقى معركة تحرير مارب بالنسبة لحكومة صنعاء الوطنية، معركة التحدي للعدوان ولداعميه الغربيين والإقليميين، وبالإضافة لأهميتها الاستراتيجية كموقع ونقطة ربط عسكرية ميدانية، باتجاه الشرق (حضرموت) أو الجنوب (عدن ولحج) أو الجنوب الشرقي (الساحل ومدن المكلا وزنجبار)،
فإنها ستكون – بحسب الرئيس المشاط – المعركة الأكثر حساسية في جزء مهم واستراتيجي وكبير من التراب الوطني اليمـني، والمتغيرات الميدانية الأخيرة، وخاصة في المناطق التي تحررت مؤخرا بين الصومعة وماهلية ورحبة، والتي تضمنتها عملية «البأس الشديد»، سَتُخضِع دول العدوان للانصياع للسلام الحقيقي، وسوف تجبره على إنهاء عدوانه والسير بتسوية سياسية، طالت كثيرا بسبب التعنت والإنكار الذي يعيشه هذا العدوان .
شارل أبي نادر * عميد متقاعد في الجيش اللبناني