في ذكراها السابعة، يسلِّطُ قائدُ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، السيدُ عبدُ الملك بدر الدين الحوثي، الضوءَ على الثورة كحَدَثٍ تأريخي فاصلٍ بين مرحلتين سعى الأعداءُ بجهدٍ كبيرٍ لطمس الفروق الواضحة بينهما؛ لما تمثله تلك الفروقُ من دلائلَ واضحةٍ على تحوُّلاتٍ شاملة كبرى، فاجأتهم واعتبروها مشكلةً خطيرةً؛ لأَنَّها تهدّد كُـلّ مشاريعهم في اليمن وفي الإقليم،
وهو الأمر الذي دفعهم لشن العدوان؛ بهَدفِ وأدها، غير أن النتيجة كانت مفاجأة أُخرى، أكّـدت أن تلك التحولات ليست من النوع الذي يمكن إيقافه في منتصف الطريق، بل إنها مُستمرّة، وببرنامج عملي واضح لبناء دولة ذات أسس إدارية وداخلية قوية وصحيحة، وعلاقات دولية مبنية على مبدأ الندية والاحترام المتبادل، مع التزامها بمبدأ العداء للكيان للصهيوني ومواجهة الهيمنة الأمريكية.
مرحلة الوصاية ماقبل الثورة
بدأ القائد خطابه من مرحلة ما قبل الثورة، وهي المرحلة التي لخّصها بوصفها “مرحلة الوَصاية الخارجية التي فرّطت فيها القوى السياسيةُ باستقلال وحرية الشعب”، مستشهداً على ذلك بأدلة محفوظة في الذاكرة الجماعية للشعب اليمني، وموثقة أَيْـضاً لمن لا يتذكر، وهي تؤكّـد بشكل قاطع أن الثورة انطلقت من واقع “ضرورة” مُلِحَّةٍ؛ لتفادي “انهيار تام” كانت البلاد على حافة هاويته.
رؤية واقع البلاد في حال عدم قيام الثورة
وإلى جانب تلك الأدلة، يفتح قائد الثـورة نافذةً افتراضيةً لرؤية واقع البلاد في حال عدم قيام الثورة، بناءً على ما كان قائماً، حَيثُ يبدو المشهد مروِّعاً للغاية، ما بين مشروع “أقلمة” يمضي في تفكيك البلد إلى كنتونات توزَّع بين أنظمة وجيوش الاستعمار الغربي، وأمن منعدم تماماً، وتنظيمات تكفيرية تجتاحُ البلاد طولاً وعرضاً، وجيش منهار بالكامل.
الضروراتِ التي انطلقت منها الثـورة
هذا الواقعُ يوضحُ بجلاء الضروراتِ التي انطلقت منها ثورة 21 سبتمبر، وفي مقدمتها ضرورة التخلص من الوَصاية الأجنبية التي كانت السببَ الرئيسي والمحوري في الوصول إلى تلك الحافَّةِ المخيفة، ليكون العنوانَ الرئيسي لهذه الثورة، وهو “الحرية والاستقلال” منسجماً مع أهدافها الحقيقية، وليس مُجَـرَّدَ شعار دعائي.
وهذا ما أكّـده “الفعلُ الثوريُّ” نفسُه في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، والذي سلّط قائدُ الثورة الضوء على جانب من خصائصه الفريدة التي تميزه وتؤكّـد عدالة قضيته، وأبرزُها: الاتساعُ لكل فئات ومكونات الشعب اليمني، وفي مقدمتها القبائل التي كانت هدفاً لتشويهٍ كبيرٍ من قبل قوى الوصاية والأطراف المتواطئة معها، وهو استهداف لم يكن عبثياً بل انطلق من أهميّة الدور الذي تستطيعُ هذه القبائل أن تلعبَه في التغيير، وهو ما أثبتته الثورة، وبشكل فاجأ الجميع،
الفعلُ الثوريُّ وخصائصه الفريدة التي تميزه
فذلك الفعل الثوري الذي قادته القبيلة اليمنية في الـ21 من سبتمبر انفرد بشكل تام بتجاوز نزعة الانتقام والإقصاء التي لم تخل معظمُ الثورات منها، بل حمل نزعةً قويةً للتسامح مع الآخر، وقد برز ذلك جليًّا في اتّفاق “السلم والشراكة” الذي جاء عنوانه ترجمة لطبيعة التحول الذي تم إنجازه والذي يراد استكماله لتحقيق بقية أهداف الثورة.
ومن النقاط التي يغفلُ الكثيرُ عنها في الحديث عن الفعل الثوري، أن الضرورة التي انطلقت منها ثورة 21 سبتمبر، كانت حاضرةً في المشهد بشكلٍ رئيسيٍّ أثناء العملية الثورية، ولم يكن الأمر-كما يحاول العدوّ تسطيحه- متعلقاً بمطالبَ بسيطة بعيدةٍ عن الأهداف الرئيسية، وهنا يؤكّـد قائد الثورة أن “مشكلة الدور الخارجي والدول الأجنبية وفي مقدمتها أمريكا كانت حاضرة منذ البداية، وتلك الأطراف هي من واجهت الثورة قبل العملاء”، وهذا ما جعل الفعل الثوري في 21 سبتمبر أكثر وضوحاً في عدالة توجّـهه وقضيته التي يحملها.
هذا التفرّدُ في الأداء وفي النجاح كان لائقاً بعظمة وأهميّة الأهداف الرئيسية للثورة، وهو ما مثل تحولاً مفاجئاً وغير مألوف على الساحة، في نظر قوى الوصاية التي كانت “شهيتها الاستعمارية” قد انفتحت إلى أقصى حَــدٍّ لالتهام البلد، مطمئنة إلى الانبطاح الكامل من القوى السياسية الحاكمة والعميلة، ولهذا –يؤكّـد القائد– كانت هناك محاولاتٌ للقضاء على هذا التحول بشكل فوري من خلال التحكم بنتائجه فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ومحاولة تمرير مؤامرة الأقلمة، ويمكن القول: إن هذا كان اختباراً آخر أثبت فرادةَ ثورة 21 سبتمبر، وعدمَ قابليتها للتطويع والانكسار، الأمر الذي جعل العدوَّ يندفعُ بسرعة نحو قرار الحرب.
نتائج الثورة بالنسبة للعدو
لم تكن النتائجُ أفضلَ بالنسبة للعدو بعد شن العدوان، فالتحول الذي صنعته ثورة 21 سبتمبر مضى نحو الأمام بشكل يؤكّـد قائد الثورة أنه مثّل مفاجأةً أُخرى، ويمكن القول إنها أثقلُ من سابقتها؛ لأَنَّ قوى الوَصاية كشفت من خلال العدوان كُـلّ أوراقها لمواجهة ذلك التحول، وبالتالي بات الأمر محسوماً، لا شيء سيوقفُ عجلةَ التغيير.
استحالةُ وقف مفاعيل ثورة 21 سبتمبر، تعيدُ تسليطَ الضوء على مميزات هذه الثورة وبرنامجها؛ لأَنَّ خيار التعامل معها هو الخيار الوحيد المتبقي أمام الأطراف الأُخرى، وقد تميز خطاب قائد الثورة هذه السنة بتوضيح جانب مهم من برنامج ثورة 21 سبتمبر ورؤيتها السياسية والإدارية؛ مِن أجلِ إزالة التشويش الذي حاول العدوّ صنعه في المشهد من خلال “الاصطدام” بالثورة.
ثورة 21 سبتمبر وعلاقاتها الداخلية والخارجية
ومن أهم ما وضحه القائد في هذا السياق، وضع “العلاقات الدولية” في برنامج ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، حَيثُ أعلن بصراحة أن الثورة “لا تعادي أحداً في المحيط العربي والإسلامي” و”لا تمثل أي تهديد لبقية دول العالم”، بل إنها منفتحةٌ على إقامة علاقات “أخوية مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشروعة وليس التفريط بثروات البلد”، مع التنبيه على الموقف غير القابل للمساومة في العداء للكيان الصهيوني، ومواجهة الهيمنة الأمريكية.
هذه التوضيحات جاءت حاملةً لرسائلَ بالغةٍ في الأهميّة تتعلق بحتمية انتصار ثورة 21 سبتمبر، في المواجهة مع أعدائها، فبعد أكثر من 7 أعوام من هذه المواجهة، لم يعد خفيا أن قوى الوصاية على اليمن تعيش مأزقاً يضعُها أمام خيارين وحيدَين: إما كف يدها عن البلد وترك الثورة تكمل طريقها والتعامل مع اليمن بندية، أَو تكبد المزيد من الخسائر التي لا يمكنها تحملها،
وتوضيحات قائد الثورة هنا تجدد تثبيت هذين الخيارين أمام العدوّ لكن بطريقة مختلفة، فهي من جهة “تنصح” الأطراف الإقليمية الدولية باختصار الوقت والخسائر والاتّجاه نحو الخيار الأسلم والأكثر انصافاً، ومن جهة أُخرى، تؤكّـد لتلك الأطراف بشكل حاسم على أن كُـلّ محاولات تعديل مسار الثورة والالتفاف على برنامجها ستبوء بالفشل وسيتم مواجهتها بكل قوة.
مسار الثورة في التصحيح والتطوير في الشأن الداخلي
وفيما يتعلق ببرنامج ثورة 21 سبتمبر أَيْـضاً، يسلط القائدُ الضوءَ على الوضع الداخلي، مؤكّـداً أن مسارَ التصحيح والتطوير والإصلاح يمضي في اتّجاه واحد نحو الأمام، شأنُه شأنُ كُـلّ المسارات الأُخرى ضمن البرنامج، مع أخذ الظروف المفروضة من قبل العدوان، والتركة الثقيلة من الفساد والعبث بعين الاعتبار، وحقيقة أن وجود تقدم في مسار إصلاح الوضع الداخلي في هذه ظل الظروف الاستثنائية يمثل دليلاً آخر على فرادة هذه الثورة وتميزها المدهش في التغلب على التحديات وتجاوز العوائق، وهو ما يدعم أَيْـضاً حتمية انتصار هذه الثورة.