تتهافَتُ قوى الـعـدوان الأمريكي السعوديّ بشكل سافر؛ للسيطرة والاستحواذ والتمركُز في المواقع الاستراتيجية الهامة في بلادنا، متعمدةً نهبَها وتعطيلَها، حتى لا تعودَ بالفائدة على الاقتصاد اليمني ويستفيد منها الشعب.
وتُعَدُّ منشأةُ بلحاف الواقعة في محافظة شبوة “المحتلّة” جنوب شرقي اليمن، واحدةً من أبرز المنشآت الاقتصادية والحيوية التي يحتدمُ عليها الصراع بين وكلاء العدوان، حَيثُ يريدُ كُـلُّ طرف الاستحواذَ عليها، والبقاء فيها لفترات طويلة، فالاحتلال الإماراتي الذي هو في الأَسَاس أدَاةٌ للأمريكيين والإسرائيليين يسيطر على الموانئ والجزر اليمنية،
وَمنها ميناء ومنشأة بلحاف التي تعتبر ثاني أضخم مشروع غازي في الشرق الأوسط، وأكبر منشأة يمنية مخصصة لتصدير الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيسي الممتد من محافظة مأرب شمال شرقي البلاد، وحتى ساحل بحر العرب، وهي كذلك من أهم المشاريع الاستراتيجية في اليمن، حَيثُ كلّف إنشاؤها 4.5 مليارات دولار، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال عبر ميناء بلحاف الذي بدأ إنشاؤه عام 1990م، بعد اكتشاف النفط في محافظة شبوة عام 1987م من قبل شركة تكنوا كسبورت السوفيتية، لتصدير النفط الخفيف.
وتم تصدير أول شحنة نفطية منه، في عام 2009، ويعتبر النفط المحرك الرئيسي للاقتصاد اليمني، حَيثُ كان يمثل 70 % من موارد الموازنة، و63 % من الصادرات، و30 % من الناتج المحلي، وتمثل عائداتُه نسبةً كبيرةً من موارد النقد الأجنبي، حَيثُ بلغت إيراداتُه في عام 2014 نحو 800 مليون دولار.
مضاعفةُ الخسائر
ويقول الخبراءُ المختصون بالشأن الاقتصادي اليمني: إن حكومة المرتزِقة سلّمت ميناء ومنشأة بلحاف، التي تغطي إيراداتها السنوية ميزانيةَ الدولة، لدولة الاحتلال الإماراتي، في خطوة اعتبروها ضمن الحرب الاقتصادية التي تمارَسُ ضد الشعب اليمني، مؤكّـدين أن منشأة بلحاف تعتبر رافدا اقتصاديا للشعب؛ ومن أجل ذلك تعمدت الإمارات إيقافها، وسيطرت على “بلحاف”؛ مِن أجلِ النفط والغاز، واستكمالاً لسيطرتها على جميع الموانئ البحرية، ومواردها الاقتصادية.
ولأَنَّ ميناء “بلحاف” يعد ميناءً لتصدير النفط والغاز الطبيعي والمسال، ومن ضمن الموارد الاقتصادية التي يحتكرها الـعـدوان ، أوقفت دولة الاحتلال الإماراتي منشأة بحاف الغازية منذ 2015 بداية الـعـدوان ، ومن ثَـــمَّ حوَّلتها إلى ثكنة عسكرية، بعد أن قرّرت حكومةُ المرتزِقةِ إيقافَ جميع عمليات إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، وتسليمها للإمارات المحتلّة.
وعلاوةً على المخاطر الاقتصادية، وبعد سيطرة الإمارات على المنشأة أصبحت المنشآت والموانئ اليمنية ساحةً للنفوذ الإسرائيلي، ووفقاً لمصادر سياسية فَـإنَّ الموارد الاقتصادية من أهم أهداف دولة الإمارات المحتلّة، حَيثُ ظهر طمعُها بالسيطرة على الموانئ والجزر، وركزت منذ وصولها اليمن على المناطق الاقتصادية وسيطرت عليها، مثل جزيرة سقطرى ومنشأة بلحاف التي منعت تصديرَ الغاز منها.
ويقول وكيل وزارة المالية، الدكتور يحيى علي السقاف: إن دولة الاحتلال الإماراتي تسعى لتحقيق أهدافها الاقتصادية من خلال سيطرتها على ميناء ومنشأة بلحاف الغازية الذي يضم أكبر مرفق لتصدير الغاز المسال على ساحل بحر العرب في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، وهي في سبيل ذلك حولته إلى ثكنة عسكرية، ومركز تدريب لمجاميع مسلحة تتبع ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي التابع لها، والذي تدعمه؛ بهَدفِ إبقاء الميناء تحت سيطرتها.
ويضيف الدكتور السقاف في تصريح خاص لـ “المسيرة”: “ومن تلك الأهداف التي تسعى لتحقيقها قيامُها منذ بداية الـعـدوان بعمل إجراءات تعيق قدرة اليمن على استعادة اقتصاده عن طريق تعطيل وتدمير هذه المنشأة الاستراتيجية لمضاعفة خسارة اليمن من النفط والغاز المسال؛ حتى تخسر اليمن أسواقها الدولية التي كانت تستوعب الغاز؛ ولنهب أكبر قدر ممكن من عائدات النفط والغاز المسال في ميناء بلحاف، وكذلك لخلق أزمة احتياج لمادة الغاز في داخل اليمن”.
ويشير الدكتور السقاف، إلى أن دولة الاحتلال الإماراتي اختارت أهدافها في اليمن بعناية فائقة، حَيثُ أحكمت قبضتها على ميناء بلحاف أهم الموانئ النفطية والغازية، وركزت على بعض المواقع المهمة في الساحل الغربي التي تضم أهم الموانئ الاقتصادية والاستراتيجية، مبينًا أن اليمن خسر ما يقارب من 15 مليار دولار، بحسب تقديرات رسمية، جراء توقف تصدير الغاز المسال خلال السنوات الأولى من بداية الـعـدوان على اليمن، وتقوم دولة الإمارات المحتلّة دائماً بالتسبب بحوادث مفتعلة، كان آخرها إشعال حريق في سفن تصدير يمنية في الميناء، وكذلك القيام بتفجير أَدَّى إلى إصابة أجزاء كبيرة من ميناء “بلحاف”، وكل ذلك لهدف السيطرة على الميناء.
وبحسب الأبحاث الاقتصادية، فَـإنَّ الاحتلال الإماراتي قد اختار هذه المنشأة كموقع لقواتها منذ بدء الـعـدوان مطلع 2015م، كونها تحوي خدماتٍ مهمةً وبُنيةً تحتيةً قويةً ومدرجَ مطارٍ وميناء.
ويقول خبراء في شؤون النفط والغاز: إن منشأة بلحاف هي أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في اليمن، حَيثُ كلف إنشاؤها 4.5 مليار دولار، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال القادم من مأرب، مؤكّـدين أن إيرادات المنشأة السنوية قبل تعطيلها، كانت 4 مليارات دولار، وكانت الحكومة السابقة تحصل على الربع، أي يحصل الخائن عفاش على مليار دولار سنوياً، وفي المقابل فَـإنَّ خسائر إيرادات المنشأة الغازية خلال ست سنوات تصل إلى 24 مليار دولار.
وبحسب الأبحاث، فَـإنَّ الأهداف الاقتصادية لها بُعدٌ تاريخي يمتد حتى القرن الثامن عشر، من ضمنها حتى لا تكون اليمن دولة قوية اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، وفي جميع المجالات، بحكم موقعه الاستراتيجي العالمي، المتحكم في الاقتصاد الدولي والإقليمي.
وبخصوص الصراع على ميناء بلحاف والمنشأة الغازية والذي شهدته محافظة شبوة مؤخّراً، يؤكّـد وكيل وزارة المالية الدكتور يحيى السقاف، أن هناك صراعاً كبيراً وتسابُقاً بين دول الـعـدوان للسيطرة على ثروات ميناء بلحاف من النفط والغاز المسال، خَاصَّة بين دولتي احتلال السعوديّة والإمارات، وذلك لاحتواء هذا الميناء على مخزون احتياطي كبير من النفط والغاز المسال.
ويواصل الدكتور السقاف قائلاً: منشأة بلحاف هي أصلٌ من أصول شركة توتال الفرنسية، بحسب العقود المبرمة معها من قبل النظام السابق، وَمعظم حصة اليمن من الغاز تم بيعُها لكوريا الجنوبية لعشرات السنين، ولم يتبقًّ للشعب اليمني إلَّا الفتات، ومن أجل المحافظة على مصالحها الحيوية الاستراتيجية، في منشأة بلحاف التي استثمرت فيها شركة توتال الفرنسية مبلغاً يفوق الـ5 مليارات دولار، ومن باب الخوف على مصالحها، من تأثيرات أي انفجار للوضع العسكري على المشروع الاستثماري لها في بلحاف، ومقر شركة توتال التي تدير المشروع.
يوضح وكيل وزارة المالية السقاف، أن فرنسا تواصلت مع النظام السعوديّ، ومع حكومة الفنادق، ومع دولة الاحتلال الإماراتي لمنع الانفجار العسكري، وتخفيف التوتر عقب حشد قوة عسكرية إلى محيط منشأة بلحاف الغازية، لاقتحامها، وسارعت للضغط على جميع الأطراف لوقف اقتحام بلحاف.
وتعود التوترات في المنطقة بين تحالف دول الـعـدوان على الاستحواذ على الثروات اليمنية إلى سنوات عدة، حَيثُ كُـلّ دولة من تحالف الـعـدوان كانت وما تزال تسعى إلى نهب أكبر قدر ممكن من ثروات اليمن من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال وتوريد عائداتها المالية إلى حساباتها في البنوك الخارجية، إلا أن الاحتلال الإماراتي بالرغم من إعلانه الكاذب سحبَ قواته من اليمن إلا أنه لا يزال محتفظاً بتواجده العسكري في مناطقَ كثيرةٍ، وعلى رأسها ميناء بلحاف.
وإزاء ذلك، أصبحت العلاقةُ أشدَّ توتراً بين قوات الاحتلال الإماراتي وحكومة المرتزِقة من جهة وبينه ودولة الاحتلال السعوديّ من جهة أُخرى، وهو ما يفرضُ على أبناء الشعب اليمني مقاومةَ هذا الاحتلال الغاشم والذي يسعى إلى استغلال ثروات اليمن الطبيعية واستخدام كُـلّ الوسائل الدفاعية المتاحة التي تضمَنُ طردَ المستعمر السعوديّ الإماراتي من كُـلّ شبر في أرض اليمن.. والكلام للدكتور السقاف.
صراعُ مصالح
ومن خلال احتلال الإمارات للميناء النفطي والغازي الذي يحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط، كميناء خاص بتصدير الغاز المسال بعد دولة قطر، يقول الخبير والمحلل الاقتصادي رشيد الحداد: إن للاحتلال الإماراتي أجنداتٍ وأطماعاً استعمارية كبيرة في الممرات والموانئ اليمنية من باب المندب وحتى ميناء بلحاف وموانئ عدن والشحر، منوِّهًا إلى أن ميناء بلحاف واحدٌ من الموانئ الذي أُلحِقَ تبعيتُه لموانئ عدن، رغم أنه الأقربُ لمؤسّسة موانئ البحر العربي في المكلا.
ويؤكّـد الحداد لـ “المسيرة” أن الإماراتِ التي تستورد ٢٥ % من احتياجاتها من الغاز المسال من دولة قطر لديها أطماعٌ في نهب الغاز المسال اليمني في ظل صراعها مع الدوحة، لكنها اصطدمت بوجودِ منابع الغاز تحت سيطرة مليشيات الإصلاح في القطاع ١٨ النفطي قطاع جنّة الواقع في إطار نطاق منطقة صافر، فحوّلت الميناءَ إلى قاعدة عسكرية، ومركز تدريب، وسجن سري وأنشأت غرفةَ عمليات مشتركة مع الجانب الأمريكي في الميناء.
وحول خسائر الدولة نتيجةَ توقف ميناء ومنشأة بلحاف، يؤكّـد الحداد أن تعطيلَ الميناء يكبد الدولة اليمنية ٣ مليارات دولار سنوياً، خُصُوصاً وأن البريد اليمني والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسّسة أَيْـضاً وجهات حكومية وبنوكاً مستثمرة في الشركة اليمنية للغاز المسال، ضمن الجهات المساهمة في المشروع، وفي حال تم تشغيل الميناء، وإعادة تصدير الغاز المسال فسوف تستعيد تلك المؤسّسات أرباحها السنوية المتوقفة منذ الأشهر الأولى للعدوان،
ومع أن الشركة اليمنية للغاز المسال على أتم الاستعداد منذ ٢٠١٧ وحتى اليوم لتشغيل بلحاف وإعادة تصدير الغاز المسال للأسواق الدولية، فَـإنَّ الجانب الإماراتي المحتلّ وكذلك احتلال مليشيات الإصلاح يحول دون إعادة التصدير، وهناك إمْكَانية لإعادة التصدير وفي حال تصدير الغاز المسال حَـاليًّا ستلحق عائداته بعائدات النفط المنهوب.
ويواصل الحداد قائلاً: لذلك فَـإنَّ صراع الإمارات والإصلاح على ميناء بلحاف يعد صراع مصالح، وتصادم أجندات وأطماع، ولا علاقة لمطالب تحرير الميناء من قبل الإصلاح بأية أعمال وطنية، وإنما يرتبط بمصالح الإصلاح الخَاصَّة.
ويتفق الناطق الرسمي لشركة الغاز اليمنية، علي معصار، مع ما يطرحه الخبير الاقتصادي رشيد الحداد.
ويقول معصار في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن الصراع القائم بين قوى وأدوات الـعـدوان هو مِن أجلِ السيطرة على المواقع الاستراتيجية اليمنية من موانئ نفطية وغازية لخدمة مصالحها الشخصية، مؤكّـداً أن الـعـدوان وأدواته مُستمرّون في نهب الثروات النفطية والغازية في المحافظات المحتلّة، وأن ما يحدث في ميناء “بلحاف” لتسييل وتصدير الغاز أكبر مثال على ذلك.
فقد أوقف الـعـدوان وأدواته هذا المشروع العملاق، والذي كان أحد روافد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة، وحولته دولة الاحتلال الإماراتي إلى ثكنات عسكريه لمرتزقة الـعـدوان ؛ بهَدفِ إيقاف هذا المشروع العملاق، لافتاً إلى أن تقارير الخبراء الدوليين، أثبتت وجود سجون اعتقال داخل هذه المنشأة تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان، بما فيها التعذيب.
بريطانيا وإسرائيلُ من وراء الستار
ويذهب الخبير والمحلل العسكري اللواء عبد الله الجفري إلى ما هو أبعد من ذلك، حَيثُ ينظر من زاوية عسكرية لما يحدث من احتلال لمنشأة؛ باعتبَار أن لبريطانيا اليدَ الطولى في ذلك.
ويقول اللواء الجفري في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “عندما نتحدث عن دولة الاحتلال الإماراتي نتحدث عن الدور الأمريكي البريطاني والمصالح الاقتصادية البريطانية، ولهذا فالإمارات مُجَـرّد أدَاة من أدوات وأجندة أمريكا وبريطانيا، حَيثُ تلعب دوراً رئيسياً وهاماً مع مليشيات الـعـدوان التابعة لها في الجنوب واحتلال الموانئ النفطية والغازية لخدمة المشروع الصهيوني”.
ويوضح الجفري أنه وَبعد تحرّر جنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967م من الاستعمار البريطاني، الذي استمر حوالي 129 سنة، لن تترك بريطانيا جنوب اليمن ولن تترك مصالحَها الاقتصادية، فظلت خلال الفترة الماضية تعملُ عبر أجندتها ومن خلال الخلايا النائمة لخلخلة وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي جنوب الوطن، وهذا ما حصل في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد في ظل الحرب الباردة بين القُطبَين الدوليين الاتّحاد السوفيتي وَالولايات المتحدة الأمريكية.
ويواصل اللواء الجفري بالقول: “وَمن أجل عودة المصالح الاقتصادية الدولية في جنوب اليمن، كانت بريطانيا تراهنُ من خلال الـعـدوان على اليمن، وَعبر أدواتها، منها دولة الاحتلال الإماراتي، للسيطرة على الممرات المائية والملاحية والمنافذ البحرية، وكذلك المطارات والموانئ والجزر في المحافظات الجنوبية المحتلّة، وأصبحت اليوم مسيطرةً، خُصُوصاً بعد الوَحدة اليمنية وانهيار الاتّحاد السوفيتي الذي انهارت معه الاشتراكية والدول النامية بما فيها جنوب الوطن في اليمن، الذي كان النظام فيه رجعياً امبريالياً يخدم المصالح الاستراتيجية الاقتصادية لدول الـعـدوان وللدول الكبرى بما فيها بريطانيا وأمريكا وفرنسا والكيان الصهيوني”.
وبخصوص الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية من احتلال الإمارات لميناء بلحاف النفطي والغازي، والسيطرة على منشأة بلحاف الغازية، يؤكّـد اللواء الجفري أن احتلالَ ميناء “بلحاف” مكملٌ لميناء عدن المحتلّ الذي تم بيعُه من قبل النظام السابق؛ لأَنَّ الإمارات لديها مشروعٌ اقتصادي كبير من خلال ميناء جبل علي الذي تصل إيراداته لأكثر من ثلاثمِئة مليار دولار سنوياً بعد إيقاف ميناء عدن.
ومن أجل أن يظل ميناء “جبل علي” رافداً اقتصاديًّا على مر التاريخ، إلى جانب الثروة النفطية الاقتصادية فَـإنَّ دولة الاحتلال الإماراتي –كما يقول اللواء الجفري- تسيطر على المصالح والموارد الاقتصادية لليمن، ومنها الممرات المائية، والموانئ والمنافذ البحرية والمطارات، مبينًا أن دولة الاحتلال الإماراتي سيطرت على ميناء بلحاف النفطي والغازي؛ بسَببِ أهميته الاستراتيجية، وحتى يظل ميناء جبل علي هو الميناء الرئيس الذي من خلاله يتم تصديرُ كُـلّ الناقلات النفطية والتجارية التي تفرغ حمولتَها في هذا الميناء ويدر أموالاً طائلة؛ ولهذا أصبحت الموانئ والمطارات معطَّلةً وموقِّفةً تماماً.
وبحسب الأبحاث الاقتصادية، فَـإنَّ وجود دولة الاحتلال الإماراتي في منشأة “بلحاف” يعد مكملاً لسيطرتها الاقتصادية على ميناء عدن الحيوي ومصافي تكرير النفط هناك، بالإضافة إلى موانئ أُخرى، وهيمنتها أَيْـضاً على موارد اقتصادية أُخرى، ما يؤدي إلى إضعاف الدولة اليمنية مستقبلاً.
وعن تنفيذ المشروع الإماراتي الصهيوني، يقول اللواء الجفري: إن دولة الاحتلال الإماراتي سيطرت من خلال اتّفاقيات وصفقات اقتصادية مع جميع الحكومات والأنظمة السابقة الخائنة، حَيثُ عقدت اتّفاقيات وصفقات مع حكومة الصومال، وسارعت إلى السيطرة على ميناء “بربرة” الميناء الذي يطل على الشريط الساحلي لمضيق باب المندب، وكذلك قدمت الدعمَ لدولة إثيوبيا التي كانت تعاني بعد انهيار النظام السابق في ظل الحكم الاشتراكي، كما سيطرت على تلك الدول التي انهارت أنظمتُها السياسية في ظل الصراع الدولي بين القُطبين الدوليين.
وأوجدت قواعدَ عسكرية في إثيوبيا وإريتريا مطار وميناء عصب، كما أن لديها في جيبوتي عقد صفقة بينها وبين ميناء دور ليه في جيبوتي، وكذلك ما حصل في اليمن خلال شركة موانئ دبي العالمية مع نظام الخائن عفَّاش، الذي قدم تنازلاتٍ كبيرةً جِـدًّا وباع ميناء عدن لهذه الشركة بأبخس الأثمان، ومن المعروف أن ميناء عدن استراتيجي هام، حَيثُ كان في خمسينيات القرن الماضي الميناءَ الثاني في العالم.
وينوّه اللواء الجفري إلى أن ميناء عدن بما يمتلكه من أهميّة استراتيجية واقتصادية، إذ يطل على البحر العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يسمى “بسنتر” أَو “الوسط”، وهو يربط بين الشرق والغرب القرن الأفريقي، تدرك الإمارات أهميته، وَأنه إذَا اشتغل بشكل صحيح وبإدارة وطنية حقيقة، سيكون رافدُه الاقتصادي كبيراً جِـدًّا ويؤثر بشكل عام على ميناء جبل علي، بل ويوقفه تماماً.
وحتى تكتملَ السيطرة من حَيثُ الأهميّة الاستراتيجية للمشروع الصهيوني، وبحسب الجفري، تركز دولة الاحتلال الإماراتي على ميناء “بلحاف” والمنشأة الغازية؛ لأَنَّه في المنطقة الوسطى، بالإضافة إلى السيطرة على الموانئ والجزر؛ مِن أجلِ السيطرة على المضايق، بما فيها مضيق باب المندب وهرمز، بالإضافة إلى أنها تسيطرُ على قناة السويس بعد أن ظهر الرئيسُ السيسي بدعم من الإمارات التي دعمته بأكثر من 10 مليارات دولار لتوسع قناة السويس، وأصبحت القناة تحت سيطرتها، من خلال النظام السياسي المصري، وكذلك أصبح مضيق باب المندب تحت سيطرتها من خلال حكومة المرتزِقة ودول الـعـدوان .
ومن خلال تلك القواعد العسكرية التي أوجدت فيه وسيطرت بقوات بريطانية، وعبر أدواتها من الداخل بما يسمى المجلس الانتقالي سيطرت على سقطرى، ولديها قوات عسكرية فيها، وأصبحت جزيرة سقطرى مفصولةً عن اليمن بشكل كامل، حَيثُ لا توجد اتصالات، أَو تواصل عبر السلطة المركزية في صنعاء.
وفي ظل الصراع الدولي والإقليمي نشاهدُ هذه الأيّام صراعاً بين وكلاء الـعـدوان (مليشيا الانتقالي التابعة للإمارات، ومليشيا الإصلاح الموالية للسعوديّة)، وأصبحت اليوم الإمارات هي من تسيطر حتى يظل ميناء علي، زاخراً في الاقتصاد، وتظل هي المسيطرة على المنطقة الملاحية والدولية والموانئ والجزر والمنافذ البحرية والمطارات من مضيق هرمز حتى قناة السويس مُرورًا بمضيق باب المندب.
أبعادٌ اقتصادية وعسكرية
وفي ظل الصراع المتواصل بين دول الـعـدوان الأمريكي ومرتزِقتها، على منشأة بحاف، ووفقاً للأبحاث السياسية والعسكرية فَـإنَّ لدول الـعـدوان أهدافاً عسكرية تسعى إلى تحقيقها عبر استمرار سيطرتها على منشأة بلحاف، التي توفر مورداً هاماً للشعب اليمني؛ ولذلك تسعى الإمارات المحتلّة إلى عدم استفادة اليمنيين من هذا القطاع الحيوي، من خلال سيطرتها على المنشأة الغازية عن طريق الخونة والمرتزِقة.
وبحسب الدراسات، فَـإنَّ ميناء ومنشأة بلحاف يمكن أن تفيد الإمارات في مجال النفط والغاز وما شابه، إضافة إلى توظيف وجودها في المنشأة للتأثير على الأطراف الدولية المشاركة في المشروع اليمني الغازي في بلحاف، وكذلك للتأثير على دول الـعـدوان السعوديّ ومرتزِقتها، عسكريًّا واقتصاديًّا.
وحول الأهداف العسكرية، يؤكّـد الخبير العسكري اللواء الجفري، أن الأهداف العسكرية لدول الـعـدوان من السيطرة على ميناء ومنشأة بلحاف، معروفة من خلال الاحتلال والتدخل في الشؤون اليمنية لتمرير مشاريعها الاقتصادية والصهيونية؛ ومن أجل دعم مرتزِقتها وأدواتها “الانتقالي” بأسلحة وعتاد ودعم لوجستي التي تشكل قوة أمنية لحماية وتنفيذ المشروع الأمريكي الإسرائيلي، وكذلك حتى يكون لها نفوذ والسيطرة على القرار السياسي.
بالإضافة إلى هدف آخر، وهو في حال التسوية السياسية يكون المجلس الانتقالي واحداً منها، وبهذا تظلُّ تسيطرُ كما عملت في النظام السابق نظام الخائن عفاش على الموانئ والجزر والمنافذ البحرية، وبهذا يبقى ميناءُ “جبل علي” محميًّا اقتصاديًّا وعسكريًّا، كما يبقى المشروع الصهيوني مكتملاً، وبالتالي هي من تدعمُ مليشيا الانتقالي الموالية لدول الـعـدوان في عدن وبقية المحافظات الجنوبية والشرقية حتى محافظة المهرة؛ لأَنَّ مشروعَ الإمارات مشروع كبير، ويعتبر صورةً مصغَّرةً للمشروع الصهيوني، بدعم دولي من بريطانيا وأمريكا وإسرائيل.
ويوضح الجفري أن المشروع الصهيوني لا يكتمل، إلا بالسيطرة على كُـلّ المقدرات الاقتصادية اليمنية موانئ وجزر ومضايق، وكل ذلك توجيهات بريطانية أمريكية تربطها المصالح الاقتصادية المشتركة، التي تندرج تحت تمرير مشروع ما يسمى صفقة القرن للشرق الأوسط الكبير الدولية، أَو مشروع احتلال الشرق الأوسط.
والتي تبدأ بتنفيذ المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاستراتيجية للكيان الصهيوني في الساحل الغربي، في إطار المشروع الدولي الصهيوني العالمي؛ ولذا فَـإنَّ هدفَ دولة الاحتلال الإماراتي الأَسَاسي في مشاركتها ضمن دول الـعـدوان على الشعب اليمني، كان الانقضاضَ على موانئ اليمن وتعطيلها، وبسط نفوذها على المواقع الاستراتيجية والاقتصادية الهامة اليمنية، ليسهل لها تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأمريكية، بناءً على الخارطة العسكرية للمشروع الصهيوني.
ميناءُ بلحاف أهميّةٌ استراتيجيةٌ
يُعد ميناءُ بلحاف تاريخيًّا من أهم الموانئ على الإطلاق في شبه الجزيرة العربية، حَيثُ كان البوابة الأولى لطريق الحرير الرابط بين أجزاء حواضر ومدن الجزيرة العربية وُصُـولاً إلى موانئ غزة بفلسطين وانطلاقا إلى شواطئ أُورُوبا، حَيثُ تتميّزُ محافظةُ شبوة بموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير الرابط بين الدول العربية والأُورُوبية التي تزعم الصين على إحيائه من جديد.
وتعتبر محافظة شبوة من أهم المحافظات النفطية في اليمن، وَتكتسبُ أهميّة استراتيجية، حَيثُ تمتاز بشريط ساحلي فيه أفضلُ الأماكن لصيد الأسماك، ومواقع تصلح لإنشاء ميناء بمواصفات عالمية، وكذلك موقع هام لاستقبال اللاجئين من القرن الأفريقي، ولهذا فتح الـعـدوان الأمريكي صفحة جديدة لصراع بين أدواته على أكبر منشاة اقتصادية تتمثل بمشروع الغاز وميناء بلحاف النفطي، الذي يطل على بحر العرب، ويوجد في منطقة “العقلة”، ويقع بين مدينتَي عدن والمكلا.
وبدأ مشروعُ الغاز الطبيعي المسال في اليمن، كدراسات أولية ثم عمليات مسح لمواقع محتملة للإنشاء عام 1995 م كانت نتيجتها وقوع الاختيار على موقع بلحاف الواقع على بُعد 150 كم من مدينة عتق عاصمة شبوة وعلى بُعد 200 كم من المكلا عاصمة حضرموت.
وذلك لتميزها بساحل هادئ الأمواج نسبيًّا وتتمتع بمعدل منخفض من المخاطر الطبيعية والجغرافية وبحماية طبيعية من الرياح الموسمية، الأمر الذي يغني عن الحاجة لإنشاء كاسر للأمواج والى توقف اعمال المحطة لأسباب طبيعية، إضافة إلى أن ميناء بلحاف يتميز بالعمق الطبيعي الذي يسمح باستقبال الناقلات العملاقة الخَاصَّة بنقل الغاز الطبيعي المسال بطاقة استيعابية تتراوح بين 70.000 متر مكعب و205.000 متر مكعب.
ومع العام 2004، بدأت الخطوات العملية في المشروع الغازي بحفر ومد خط أنابيب رئيسي من القطاع 18 بمأرب، إلى منطقة بلحاف لمسافة طولها حوالي 320 كم وبقطر حوالي 1 متر (38 إنش)، وبهذا وتقدر الطاقة الإنتاجية للمشروع 6.7 مليون طن، وبإيرادات تقارب أربعة مليارات دولار سنوياً.
وفي أغسطُس من العام 2005م، وقَّعت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال على عقود بيع طويلة الأجل (تمتد لعشرين سنة) مع ثلاثٍ من أكبر الشركات العالمية وهي شركة سويس للغاز الطبيعي المسال والشركة الكورية للغاز (كوغاز)، لشراء كمية ٢ مليون طن سنويًّا، وشركة توتال للغاز والطاقة المحدودة، لشراء كمية ٢ مليون طن سنويًّا، كما قامت باستئجار أربع ناقلات عملاقة لمدة عشرين عاماً لنقل الغاز الطبيعي المسال إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وفقاً لعقود البيع الموقّعة مع شركة توتال الفرنسية.
كانت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال ترتكز صادراتها على عدٍد من عقود البيع والشراء طويلة الأجل، فهي تخضع لاتّفاقية تطوير الغاز الُمصادق عليها من قبل البرلمان اليمني في مارس ١٩٩٧.
وبدخول مشروع الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال حيِّزَ الوجود بالطاقة إنتاجية للمشروع 6.7 مليون طن، وبإيرادات 4 مليارات دولار سنوياً، تصبح الشركة بذلك المشروع الاستثماري الصناعي الأكبر على الإطلاق في الجمهورية اليمنية.
حيث تتمتع اليمن بموقعٍ جغرافيٍّ مميز يتيح المجال للوصول بسهولة وبيسر إلى كافة الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسال في حوض المحيط الهادئ في آسيا وكذا الأسواق الممتدة على طرفي المحيط الأطلنطي في كُـلّ من أُورُوبا وأمريكا.
كما أن كميةَ احتياطي الغاز الطبيعي المؤكّـدة كافية لإنتاج وتصدير 6.7 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً ولمدة عشرين سنة على الأقل لعملاء الشركة المشترين للغاز على المدى البعيد في كُـلٍّ من الأسواق الرئيسية في أمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية وأسواق مستقبلية أُخرى، وبدأ إنتاج الغاز الطبيعي المسال في أُكتوبر 2009.
منحت الحكومة السابقة الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال حقوقَ الامتيَاز الاستثمارية المطلقة لاحتياطي الغاز الطبيعي المتواجد في حقول القطاع 18 بمأرب. وفقاً للدراسات العلمية المؤكّـدة، فَـإنَّ كمية احتياطي الغاز الطبيعي في مأرب المخصص للمشروع 9.15 تريليون قدم مكعب من الكميات المؤكّـدة، خصص منها تريليون قدم مكعب للسوق المحلية لإنتاج الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى 0.7 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال كميات إضافية محتملة.
وكذلك تم تخصيص حوالي واحد تريليون قدم مكعب من ذلك الغاز الطبيعي المكتشف لتلبية احتياجات السوق المحلية. ووفق تقديرات سابقة، يبلغ حجم احتياط الغاز في اليمن، 17.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي سبتمبر 1995، وقّعت الحكومةُ اليمنية اتّفاقاً مع توتال الفرنسية لتكون الشركة الرائدة في مشروع لتصدير الغاز الطبيعي المسال بنسبة نحو 40 % من المشروع، وفي عام 1997 انضمت شركةُ الغاز اليمنية إلى العديد من الشركات الخَاصَّة لإنشاء الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال (يمن غاز) تتوقع الحكومة السابقة من مشروع الغاز الطبيعي المسال، إضافة 350 مليون دولار إلى ميزانيتها وتمكينها من تطوير صناعة البتروكيماويات.
ونظراً للإنتاج المتواصل وغير المتقطع من حقول القطاع 18 لسنوات طويلة منذ عام 1986م، فَـإنَّ تلك الحقول توفّر مصدراً حيوياً لاحتياطيٍ معتمد يؤمّن إنتاج وتصدير ما مقدراه 6.7 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً ولمدة تزيد عن (20) عاماً.
صحيفة المسيرة