لا يزال إغلاق مطار صنعاء، بعد خمس سنوات، يفاقم معاناة اليمنيين، في ظلّ الحصار المُطبق، والمترافق مع غياب حلول من شأنها معالجة هذا الملف، أو السماح على الأقلّ بإجلاء المرضى لتلقّي العلاج في الخارج، على رغم التنازلات التي قدَّمتها حركة «أنصار الله» في هذا الإطار.
ووسط هذه المعضلة، تنشط على طرق السفر «غير الآمنة» ميليشيات تُدين بالولاء للتحالف السعودي – الإماراتي، جعلت من الخطف وطلب الفدية وظيفةً للتكسُّب المادي
فاقم استمرار إغلاق مطار صنعاء من معاناة اليمنيين، كونه قيّد حركتهم وأبقى على الآلاف منهم عالقين في دول الاغتراب منذ خمس سنوات، بسبب خشية هؤلاء من العودة والتعرّض للانتقام من جانب الميليشيات المتحكّمة بالمطارات المتاحة، والطرق الرابطة خصوصاً بين محافظتَي عدن وحضرموت.
وفي ظلّ انقسام سياسي وأمني وعسكري بين شمال اليمن وجنوبه نتيجة العدوان والحصار، يُعدّ الوصول إلى مطارَي عدن وسيئون غير الآمنَيْن مجازفةً كبيرة قد يدفع المسافر حياته ثمناً لها. فأواخر الأسبوع الماضي، تعرّض المغترب اليمني، عبد الملك السنباني (24 عاماً)، للتعذيب والقتل على أيدي عناصر تابعة لميليشيات موالية للإمارات في منطقة طور الباحة في محافظة لحج، بتهمة الانتماء لأنصار الله».
ومع أن الشاب حاول إقناع الميليشيات التي أوقفت السيارة التي كان يستقلها من مطار عدن، بأنه مغترب منذ ثماني سنوات ولا ينتمي إلى أيّ طرف من أطراف الصراع، إلّا أنهم طالبوه بدفع كل ما في حوزته من مال، ولمّا رفض، انهالوا عليه بالضرب واقتادوه إلى ثكنة عسكرية قبل أن يعدموه رمياً بالرصاص، ويسربّوا خبر «إلقاء القبض على قيادي حوثي كبير». هذه الجريمة ليست الوحيدة، إذ يتعرّض عشرات العائدين يومياً للنهب والاعتقال القسري.
انتهاكات مناطقية
الانتهاكات التي تمارسها ميليشيات تابعة للإمارات ضدّ المسافرين من أبناء الشمال على الطرق العامة في محافظة لحج وفي نقطة العلم شرق مدينة عدن، تمارسها أيضاً ميليشيات تابعة لحزب «الإصلاح» في نقطة باب الفلج الواقعة جنوب غرب مدينة مأرب، حيث يتعرّض مئات المدنيين المسافرين أو العائدين عبر مطار سيئون الواقع في وادي حضرموت شرق البلاد، إلى الاعتقال والتغييب بتهمة الانتماء إلى حركة «أنصار الله» أو التعاون معها.
وعلى طريقة التنظيمات المتطرّفة الموجودة في صفوف قوات هادي، تطالب مليشيا العدوان في مأرب وعدن ولحج، أُسَر المختطفين بدفع فدية مالية تصل أحياناً إلى ملايين الريالات لقاء الإفراج عن أبنائهم.
دفعت الوساطات الدولية والوعود بفتح مطار صنعاء «أنصار الله» إلى تعليق معادلة «المطار بالمطار»
مفاوضات وشروط تعجيزية
حاول «أنصار الله» إنهاء معاناة أربعة ملايين مغترب يمني، ومليون مريض بحاجة إلى السفر، نتيجة إغلاق مطار صنعاء، عبر تقديم التنازلات مقابل فتح المطار.
وقال مصدر مطّلع في صنعاء، لـ«الأخبار»، إن «الوساطات الدولية والوعود بفتح المطار دفعت أنصار الله إلى تعليق معادلة المطار بالمطار التي أعلنتها قبل ثلاث سنوات»، مشيراً إلى أن «السعودية تصرّ على الاستمرار في حرمان اليمنيين من السفر بأمان، فتُقدِّم شروطاً تعجيزية تتسبّب بفشل المفاوضات حول مطار صنعاء».
وكانت الأمم المتحدة تبنّت، أواخر عام 2018، مشروع الجسر الإنساني لنقل آلاف المرضى اليمنيين الذين تعثّر سفرهم بسبب الحصار، مدشّنةً في الثالث من شباط 2020 أولى رحلات الجسر الجوي الإنساني الذي قالت إنه جزء من مشروع المساعدات الإنسانية المخصصة لليمن، غير أن المنظمة الدولية أعلنت في 31 آب الماضي إلغاء الجسر الجوي.
وقال رئيس اللجنة الطبية العليا، مسؤول الجسر الطبي في صنعاء مطهر الدرويش، إن «منظمة الصحة العالمية أبلغتنا بإلغاء الجسر الجوي في مطار صنعاء الدولي نتيجة لظروف مادية تمرّ بها المنظمة الأممية، وذلك بعد عام من إعلان تعليقه وتسجيل آلاف الحالات المرضية المستعصية».
وأشار الدرويش إلى أن «هناك تقريباً 10 آلاف حالة مرضية تعرّضت للوفاة من ضمن 35 ألف حالة تم تسجيلها ضمن الجسر الطبي المتوقّف».
ووفق مصادر في مطار صنعاء، استقبل المطار أكثر من 5000 رحلة أممية منذ إغلاقه قبل خمس سنوات، إلّا أن أيّ مريض لم يُنقل في هذه الرحلات. من جهتها، أفادت وزارة الصحة في صنعاء، في آخر إحصاءات رسمية، بأن أكثر من 480 ألف مريض بحاجة طارئة للسفر إلى الخارج لتلقّي العلاج (يموت من هؤلاء ما يزيد على 30 حالة مرضيّة يومياً).
وتوقّعت الوزارة ارتفاع الفاتورة الإنسانية نتيجة إغلاق المطار إلى مستوى الكارثة، إذ إن هناك 71 ألف مريض بالأورام السرطانية مهددون بالموت في المحافظات المحاصَرة، وأكثر من ثمانية آلاف مريض بالفشل الكلوي بحاجة إلى عمليات زراعة الكلى لإنقاذ حياتهم من موت محقّق، في حال عدم فتح مطار صنعاء أمام المرضى للسفر إلى الخارج.
الاخبار اللبنانية