عاد الأمنُ والاستقرارُ إلى مديرية رحبة وماهلية بمحافظة مأرب، بعد سنوات من سيطرة قوى العدوان والمرتزِقة، وتحويل الحياة في المديرية هناك إلى جحيم، في حين يستمر أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في معركتهم المقدسة لتحرير كُـلّ شبر على أرض من دنس الغزاة والمرتزِقة والمحتلّين.
ويصف المحللون العسكريون والاستراتيجيون انتصار أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في مديرية “رحبة” بمأرب “بالاستراتيجي”، وأنه فاتحة لتحرير مديريات أُخرى لا تزال ترزح تحت وطأة الغزاة والمحتلّين، مؤكّـدين أن هذه الانتصارات سيدوّنها التاريخ في أنصع صفحاته، وأنها ستكون شاهداً على عظمة ما يتم تحقيقه في الميدان، وستضاف إلى سجل الإنجازات العسكرية لقواتنا المسلحة في معركتهم العظيمة مع قوى العدوان والمرتزِقة.
وتمكّنت قوات الجيش واللجان الشعبيّة من تطهير أكثر من 69 كم2 خلال ساعات معينة، وسط تقهقر كبير لقوات تحالف العدوان وأدواته في مديرية رحبة في محافظة مأرب.
ويؤكّـد المحلل السياسي الدكتور أنيس هزاع الأصبحي أن لمحافظة مأرب أهميّة استراتيجية واقتصادية وتاريخية، وقد خاضت قوات الجيش واللجان الشعبيّة معارك شرسة ضد قوات دول تحالف الحرب العدوانية الأمريكية السعودية على بلادنا، وتمكّنت خلالها من تطهير مديرية “رحبة” بعد طرد قوات التحالف من مركَز المديرية، موضحًا أن من أهم المناطق التي تم تحريرها منطقة “الكولة” ومنطقة “الصدارة” مركز مديرية رحبة التي تُعدّ أكبر المديريات التي تتركّز فيها قبيلة مراد جنوب مأرب».
كما تم تحريرُ مبنى إدارة الأمن والمستشفى والمؤسّسات الحكومية كافة في رحبة، لتنتقلَ المعارك، إلى مناطقَ متاخمة لمديرية الجوبة، جنوب شرقي المحافظة، وهو ما يجعلُ قواتِ تحالف العدوان وميليشياتِ «الإصلاح» تتراجعُ باتّجاه مناطق “قيفة” الواقعة في نطاق محافظة البيضاء، لتترك أسلحتها الثقيلة بعد مواجهات عنيفة استمرّت لأكثر من 12 ساعة، وتتمكّن قوات الجيش واللجان من التقدّم في جبهات وادي وجبال “بقثة”، وحيد آل أحمد، وحيد آل حارز، وتتوغل في مناطق واسعة في مديرية جبل مراد المتاخمة للمدينة من الاتّجاه الجنوبي.
ويؤكّـد الأصبحي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن هذا التطوّر العسكري الجديد يمنح قوات صنعاء القدرة على التحكّم، بما تبقّى من الجبهة الجنوبية، كما أن استعادةَ الجيش واللجان جميع المواقع القريبة من منطقة الصدارة الاستراتيجية في أطراف مديرية رحبة، سيمكّنهما من التقدّم فيما تبقّى من حريب والجوبة بأقلّ الخسائر، مُشيراً إلى أن الغاراتِ المكثّـفةَ التي شنّها طيران العدوان الأمريكي السعودي على مركز مديرية رحبة بعد السيطرة الكاملة عليها، قد ألحقت دماراً واسعاً بالممتلكات، وأجبرت العشرات من الأُسر على الفرار من منازلها، وهو ما يدل على الحقد الدفين لقوى العدوان، ومدى الوجع الذي تجرعوه أثناء هذه المعركة.
حسمُ معركة مأرب مسألةُ وقت
إن هذه الجولة من المواجهات التي تصاعدت تدريجيًّا خلال الأيّام الفائتة، لتشمل مختلف جبهات مأرب، لم تغلق باب المبادرة المقدَّمة من قِبَل السيد عبدالملك الحوثي وقيادة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني لتجنيب المدينة ويلات الحرب.
وهو ما أكّـده عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، في تغريدة له على «توتير»، قائلاً: إن «المسألة في مأرب هي مسألة وقت ومصيرها إلى الحسم، والمبادرةُ ما زالت معروضةً متى ما أرادوا السلام وحقن الدماء»، فيما دعا نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني، حسين العزي، قبائلَ مراد إلى عدم الزجّ بأبنائها في «معارك خاسرة»، داعياً «القبائل التي لا تزال تقف في صفّ العدوان الأمريكي السعودي – الإماراتي للعودة إلى الصواب والانضمام إلى صف الوطن».
ولعل ما يميز هذه الدعوات أنها تأتي في ظل وضعية مريحة لقوات صنعاء، وهي في موقعِ المنتصر، والمتقدم، وهي نابعة عن مشاعر صادقة وحقيقية لو أراد المرتزِقة والعدوان أن يتلقفوها لجنبت المدينة ويلات الدمار.
ويؤكّـد الدكتور أنيس الأصبحي أن أية محاولاتٍ من قبل العدوان وأمريكا والمبعوث الأممي الجديد لإخضاع الشعب اليمني، ستفشل، وأن قواعدَ الاشتباك وتحرير جغرافية اليمن ستكونُ من مهمة كُـلّ الشعب اليمني بمعركة تحرير الوطن والاستقلال من كُـلّ أشكال الهيمنة وعلى دول تحالف العدوان إيقاف عدوانها وحصارها وانسحابها من كُـلّ جغرافية اليمن، فالشعب اليمني سيواجه الاحتلال المتواجد بالمناطق المحتلّة وستتوحد اللحمة الوطنية، كلما تم استهداف دول تحالف العدوان وكل أشكال الاحتلال.
ويؤكّـد الأصبحي أن تحريرَ مأرب يعني إسقاطَ مشروع أقلمة اليمن الذي يخدم المشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة، وفي اليمن خَاصَّة، وتحرير للجغرافية والثروات الغازية والنفطية التي يتم نهبها لصالح مرتزِقة ودول تحالف العدوان، فمواجهة مشروع التقسيم في اليمن مسؤولية دينية ووطنية وإنسانية ومسؤولية قانونية في إطار الدفاع المصيري لشعب وقع عليه اعتداء وعدوان واحتلال، واستغلالاً؛ بهَدفِ إضعاف إرادته وقوته لأهداف استعمارية صهيونية قديمة جديدة تجاوزات القانون الدولي الإنساني.
قرارٌ وطني باستعادة مأرب كلها
من جانبه، يرى الخبير والمحلل العسكرِي العميد أحمد الزبيدي أن السيطرة على مديرية “رحبة” يأتي استكمالاً لتحرير واستعادة محافظة مأرب وتأمينها الآن.
ويؤكّـد الزبيدي أن أبطالَ الجيش واللجان الشعبيّة ينفذون قراراً وطنياً وسياسيًّا، باستعادة مأرب كلها، بما فيها مركز المحافظة المنشآت النفطية.
ويشير الزبيدي في تصريح لصحيفة “المسيرة” إلى أن هذا القرارَ لا يتأثرُ بأية تهديدات أمريكية دولية أممية، فقد رأينا التصريحاتِ طوال هذه الفترة، وانشغال الأمريكيين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي مشغولين بمأرب والحدث كله حول مأرب، ولكن بعد اتِّخاذ القرار ستعود مأرب إلى حضن الوطن وحضرموت وشبوة والمهرة وكل شبر من الأرض اليمنية، كما قال السيد القائد في خطابه بمناسبة استشهاد الإمام زيد –عليه السلام-، وبالتالي تأمين مديرية الرحبة يأتي في هذا الاتّجاه.
ويواصل الزبيدي حديثه قائلاً: اليوم نرى أن المحافظات الشرقية والجنوبية تغلي؛ بسَببِ ممارسات الاحتلال والمرتزِقة وصراعاتهم التي دمّـرت الناس؛ بسَببِ الحالة الأمنية المنهارة يوميًّا، اغتيالات وقتل واختطافات، وبالتالي هذا هو الخوف، فبعد تحرير مأرب ستسقط تلقائياً هذه المحافظات؛ لأَنَّ أبناء هذه المحافظات أدركوا المخطّط والمشاريع الاستعمارية التي تستهدف اليمن.
بدوره، يؤكّـد الكاتب والباحث وجدي الصراري أن من أهم خطوات إنهاء العدوان على اليمن، الانتصار في معركة مأرب والتقدم في أيٍّ من جبهات مأرب هو تقصيرٌ لمسافة النصر واختصار لزمن الحرب.
ويشير الصراري في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى أن مديرية “رحبة” مهمة جغرافياً، فهي منطقة مرتفعة نسبياً عن بقية المناطق في مأرب، وباستعادتها يمكن توفير الغطاء المدفعي لعمليات التقدم نحو تحرير مأرب بشكل كامل، مؤكّـداً أن من المهم أَيْـضاً الاستمرار في الضغط العسكري على جبهة مأرب التي تمثل المركز المالي والعسكري لكافة تحَرّكات العدوّ، واستمرار هذا الضغط حتى وإن لم ينتهِ بالتحرير الكامل،
فهو يدفع نحو فتح المفاوضات مع العدوّ، ويدفعه لتقديم الكثير من التنازلات المهمة التي وبالتراكم قد تفضي لتحرير كامل أَو على الأقل لحلول تساعد في انفراج الأزمة الاقتصادية والتوصل لاتّفاق لإنهاء العدوان.
وينوّه الصراري إلى أن محافظة مأرب تمثل أهم معاقل العدو؛ لأَنَّها أكثر المناطق تنظيماً وفعاليةً بالنسبة إليه، وتحريرها يعني ببساطة دخولَ قوات العدوّ في حالةٍ من الشتات تشبه تلك التي تعاني منها قواتُ العدوّ في تعز مثلاً، متبعاً حديثه بالقول: كما أن مأرب هي آخرُ معاقل العدوّ السعودي، لافتاً إلى أن العدوّ كُـلّ ما شعر بالخطر في مأرب سيسعى لفتح جبهات مختلفة لمحاولة تشتيت قوات الجيش واللجان الشعبيّة، كفتح جبهة الساحل، أَو جبهات مختلفة مثل البيضاء وغيرها، منوِّهًا أن من أهم القواعد العسكرية هي أن تهاجمَ خصمَك في الأماكن التي تؤلمه، وهذا ما تمثله مأرب بالضبط، فهي مركز الألم والباب الأخير للخَلاص من قوات المرتزِقة المدعومة سعودياً.