منذُ قدومِ قوات تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ إلى مدينة الغيضة -مركَز محافظة المهرة- في نوفمبر 2017م والمحافظة تشهد حراكاً شعبياً واسعاً رافضاً لتواجد أية قوات أجنبية فوق أراضيها، بالتزامن مع الانتشار العسكري الكبير لقوات الاحتلال الأمريكي السعوديّ في كُـلّ مديريات الساحل المهري، من خلال بناء قرابة 10 معسكرات في تلك المديريات، إضافة إلى القاعدة العسكرية داخل مطار الغيضة والتي تضم خبراء وعسكريين وآليات عسكرية بريطانية وأمريكية.
وتأزمت الأوضاع أكثر بالمهرة مع وصول قوات بريطانية (40) جندياً من القوات المسلحة البريطانية مؤخّراً إلى مطار الغيضة -حسب تقارير إعلامية- مع وحدة حرب إلكترونية متخصصة لمتابعة الاتصالات وإدارتها، وعمليات دعم من وزارة الخارجية البريطانية،
كما سيعمل الفريق مع قوة العمليات الخَاصَّة الأمريكية التي كانت موجودة بالفعل في المنطقة، وتساعد في تدريب نخبة من وحدات الكوماندوس السعوديّة محولة مطار الغيضة -أكبر مطار محلي في اليمن من حَيثُ المساحة، إذ تبلغ مساحته وفق تقديرات رسمية 26 كيلومتراً- إلى قاعدة عسكرية مغلقة لصالح تلك القوات التي تشرف على إدارته بكافة مرافقه، ومقرٍّ عامٍّ لها تدير منه مختلف أنشطتها وأجندتها في المحافظة.
موقعٌ استراتيجي
وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لمحافظة المهرة، يتضح لنا جليًّا الأسبابُ التي تدفعُ الأمريكيين والبريطانيين للتواجد فيها، فكما أكّـد قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابات سابقة فَـإنَّ أمريكا قد وضعت اليمن على لائحة الاستهداف؛ بسَببِ موقعه الاستراتيجي وثرواته.
وتطل محافظة المهرة أَو ما يطلق عليها البوابة الشرقية لليمن على بحر العرب بشريط ساحلي هو الأطول في البلاد (560 كم)، وهي محافظة محاذية لسلطنة عمان من جهة الشرق وللسعوديّة من جهة الشمال، كما أن المحافظة تحتضن في باطنها ثروات نفطية وغازية ومعدنية هائلة، ولهذا فقد كانت في مرمى أطماع الدول العظمى عبر التاريخ، نتيجة لموقعها الاستراتيجية وثرواتها الضخمة.
ويفضح الوجود البريطاني في المهرة، الادِّعاءات الكاذبة التي ساقها تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن منذ سنة 2015، بأنه جاء لإعادة ما يسمى “الشرعية”، والقضاء على النفوذ الإيراني في اليمن، إذ إن الحقائق تكشف أن الدخول في هذا العدوان كان بهَدفِ السيطرة على المواقع الاستراتيجية في اليمن، وثرواته الهائلة، والدليل على ذلك هو وجود المحتلّين في المهرة التي هي في الأَسَاس بعيدة عن مسرح المواجهات وليس لأنصار الله أي نفوذ فيها حتى الآن.
ويفضح عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، جانباً من الأطماع والمخطّطات البريطانية التي تتواجد في المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية، ومنها أنها تمارس أعمالاً تجسُّسية على بعض شبكات الاتصالات اليمنية وبعض الكابلات البحرية، انطلاقاً من محافظات جنوبية اتخذوا منها قواعد لخدمة أهدافهم الاستعمارية، معتبرًا التجسس البريطاني “انتهاكاً سافراً للسيادة اليمنية وخصوصيات المواطنين اليمنيين، وبتواطؤ مخزٍ من شرعية الفنادق”.
وثائقُ سرية
ويؤكّـد الخبيرُ والمحلل العسكري العقيد مجيب شمسان أن الأطماع البريطانية عادت إلى المناطق الشرقية “المهرة وحضرموت”؛ باعتبَار محافظة المهرة وَجزيرة سقطرى من المناطق الجيوسياسية الهامة على مستوى اليمن والمنطقة والعالم؛ نظراً لموقعها الجغرافي الهام، حَيثُ تعد نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب، وهو ما يمكنها من السيطرة على الملاحة البحرية، ومراقبتها للدول المطلة على بحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي.
ويشير شمسان في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن الوثائق البريطانية التي رُفعت عنها السرية مؤخّراً كشفت عن مخطّط بريطاني قديم يتم تنفيذه الآن لفصل حضرموت والمهرة عن الجغرافيا اليمنية وضمهما إلى السعوديّة ضمن اتّحاد فيدرالي، حَيثُ عملت بريطانيا عندما شعرت بأنها ستفقد مستعمرتها الرئيسية عدن نتيجة لاشتعال ثورة الجبهة القومية على وضع مخطّط جديد يضمن لها الاحتفاظ بأطماعها لتكون المناطق الشرقية اليمنية، وتحديداً محافظتي حضرموت والمهرة، هي البديل،
وتابع حديثه بالقول: واليوم تعود هذه المخطّطات البريطانية إلى الواجهة من جديد، ومن هنا يمكن القول إن الموقع الاستراتيجي الذي تحتله محافظة المهرة يشكل العامل الأبرز وراء المخطّطات الأمريكية والبريطانية في السيطرة عليها، لا سِـيَّـما في ظل صعود الصين كقوة اقتصادية عملاقة.
ويضيف شمسان قائلاً: ولعل ما ورد في مذكرة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والتي حملت عنوان بريطانيا العالمية، وتأكيده المتكرّر على أهميّة التواجد في المحيط الهندي والمحيط الهادئ يفسر الادِّعاءات البريطانية المتكرّرة من تعرض سفنها للهجوم قبالة السواحل اليمنية لا سِـيَّـما السواحل الشرقية، حَيثُ ادَّعت بريطانيا تعرض السفينة “ميرسر ستريت” الصهيونية في ٣٠ يوليو الماضي لهجوم بطائرة مسيَّرة من داخل اليمن، وقبل فترة وصل جنود بريطانيون إلى محافظة المهرة لملاحقة مَن قالت إنهم «عناصر إيرانيون» هاجموا سفينة «ميرسر ستريت»، حسب قول شمسان.
مبرّراتٌ وادِّعاءاتٌ متكرّرة
إن هذه ليست الحادثة الأولى التي تدَّعي فيها بريطانيا تعرُّضَ سفنها قبالة السواحل الشرقية اليمنية للهجوم، فخلال العامين الماضيين روّجت لندن، بشكل مكثّـف، لحوادثَ تعرّضت لها سفنٌ في سواحل اليمن الشرقية، حَيثُ أعلنت «هيئة عمليّات التجارة البحرية البريطانية» في 17 مايو الفائت، عن تعرُّض سفينة شحن تجارية لهجوم بالقرب من ميناء المكلا، من دون أن تُقدّم دليلاً على ذلك.
وفي الخامس من كانون الأول 2020، قالت شركة «أمبري إنتيلجانس» الاستخباراتية البريطانية البحرية: إن سفينة شحنٍ تحمل اسم «حسن»، تعرّضت لهجوم إرهابي في سواحل “قشن” في محافظة المهرة، عندما كانت في طريقها إلى ميناء صلالة في سلطنة عمان.
ويشير الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد مجيب شمسان إلى أن الادِّعاء البريطاني بتعرض سفينتها للاستهداف قبالة سواحل “قشن” في محافظة المهرة في الخامس من شهر ديسمبر تزامن مع أحداث تدل على تنسيق مشترك بين الأمريكي والبريطاني،
وأوضح أن وزارة الدفاع البريطانية أعلنت قبل أَيَّـام من تعرض تلك السفينة للاستهداف عن تزويد السعوديّة المسيطرة على محافظة المهرة بمنظومة “الزرافة” الرادارية المتطورة، وأن هذا التصريح جاء عقب تصريحات أمريكية تتحدث عن سحب عدد من بطاريات الباتريوت من السعوديّة، وتزامنه مع زيارة السفير الأمريكي لمحافظتي حضرموت والمهرة، ليتم بعدها الإعلان عن استهداف السفينة عقب مغادرة السفير الأمريكي.
ويضيف شمسان: “كما أن الإعلان الأخير عن استهداف سفينة “ميرسر ستريت” في نهاية شهر يوليو الفائت جاء بعد لقاء رؤساء أركان الجيوش في مجموعة “دراغون” الدفاعية “دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن وبريطانيا” في لندن من جهة، وبعد انعقاد أولى اللقاءات للجنة العسكرية السعوديّة البريطانية المشتركة من جهة أُخرى، والتي يبدو أنه تمخض عنها ترتيب بريطاني سعوديّ للوضع في محافظة المهرة.
ويؤكّـد شمسان أن أمريكا وبريطانيا تسعى للسيطرة على هذه محافظة المهرة؛ لما يمثله موقع هذه المحافظة وطول سواحلها، كأبرز الأهداف للسيطرة عليها، حَيثُ البحر العربي والمحيط الهندي، وهو ما تحدث عنه رئيس الوزراء البريطاني من أهميّة الوجود البريطاني في منطقة المحيط الهندي، كما أن هناك هدفاً آخر يتمثل في تجاوز مضيق هرمز من خلال مد الأنبوب الذي كانت تسعى السعوديّة إلى تنفيذه لربط حقول النفط السعوديّة بالبحر العربي مباشرة.
هيمنةٌ كاملة
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي صقر أبو حسن: إن محافظة المهرة من الناحية الجغرافية “حيوية” ولها ارتباطات واسعة، وقربها مع الحدود العمانية يجعلها محل أطماع القوى الغربية، لافتاً إلى أن وجود قوات أجنبية “بريطانية، وأمريكية” هو بؤرة لاحتلال كبير للمنطقة، فالمبرّرات تبدأ بحراسة المصالح البريطانية والأمريكية وينتهي باحتلال كامل الأركان وهيمنة كاملة على هذه الجغرافيا.
ويؤكّـد أبو حسن في تصريح خاص لصحفية “المسيرة” أن السعوديّة تسعى إلى خلق تواجد في المهرة، وكذلك الإمارات، وَأَيْـضاً بريطانيا وأمريكا، وكُلٌّ يرى في هذه المحافظة من زاوية مصالحة وأطماعه.
ويشير أبو حسن إلى أن الكثير من الدراسات والمسوح الجغرافية تؤكّـد وجود كميات هائلة من النفط والغاز تحت تربة هذه المحافظة، إلى جانب وجود النفط في البحر المحاذي للمحافظة والواقع تحت السيادة اليمنية، مُضيفاً أن محافظة المهرة تعد بوابة اليمن الشرقية، ما يجعل أعين الطامعين تنظر إليها بطمع، وتسعى لالتهامها والسيطرة عليها، مستدركاً بقوله: لكن أبناء المهرية الأحرار حتماً كان ولا يزال لهم موقفٌ غاضبٌ ورافضٌ لأي تواجد أجنبي على أرض المهرة، وحتماً سينتهي أيُّ احتلال لكل أرض اليمن، كما رحل الغزة السابقون، غيرَ مأسوف عليهم.
صراعٌ دولي
من جهته، يؤكّـد الكاتب والمحلل السياسي زيد الغرسي أن الوجود الأمريكي البريطاني في محافظة المهرة هو جزء من المشروع الاستراتيجي للأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين والمتمثل باحتلال الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن.
ويشير الغرسي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن البريطانيين والأمريكيين وقبل العدوان الغاشم على بلادنا سنة 2015، كان لهم وجود وقواعد عسكرية في محافظة المهرة وَفي محافظات حضرموت وَعدن ولحج، وتحديداً في قاعدة العند الجوية، إضافة إلى تواجدهم في العاصمة صنعاء وفي كُـلّ المناطق الاستراتيجية اليمنية قبل ثورة ٢١ سبتمبر.
ويوضح الغرسي أنه وَبعد الثورة تم طرد أُولئك الغزاة والمحتلّين، لكنهم عادوا على دبابات قوى العدوان ومع مرور الأيّام والأشهر والسنوات، اتضحت حقيقة هذه الأطماع، منوِّهًا إلى أن تواجدهم اليوم في هذه المناطق المحتلّة يركز على المناطق الاستراتيجية سواءٌ أكانت موانئ أَو مطارات أَو جُزُراً؛ بهَدفِ السيطرة عليها والتحكم بالممرات الدولية المائية التي تشرفُ عليها اليمن مثل باب المندب والبحر العربي والبحر الأحمر وخليج عدن.
ويبين الغرسي أن تواجُدَ هؤلاء في هذه الممرات بالتحديد في هذه المرحلة يأتي استكمالاً لهذه الاستراتيجية، وأطماع السيطرة على البحر العربي، وكما هو معروفٌ أن محافظةَ المهرة مطلة على البحر العربي، حَيثُ تقعُ في منطقة استراتيجية مثلُها مثلُ محافظتَي حضرموت وسقطرى اليمنيتين، وبالتالي فَـإنَّ الأعداءَ يسعَون للإضرار بمحافظة المهرة، من خلال استيراد القاعدة وداعش، الذين هم في الأَسَاس أدواتُهم لاحتلال المهرة، إلى جانب الإضرار بدولة سلطنة عُمان.
ويواصل الغرسي حديثه: أطماعُ الأعداء تمتدُّ على مستوى المنطقة، وتثبت تواجدهم فيها وتواجدهم في محافظة المهرة بإنشاء قواعدَ عسكرية أَو استراتيجية في تلك المنطقة سواء في حضرموت أَو سقطرى أَو في المهرة والذي يأتي في سياق الصراع الدولي على مضيق هرمز ومحاولة إيجاد بدائل لتمرير النفط الخليجي التي تأخذه أمريكا وبريطانيا وغيرهما من مضيق هرمز الذي تشرف عليه إيران إلى مناطقَ بديلة، والمهرة هي إحدى تلك المناطق.
ويؤكّـد الغرسي: “إذاً لهم أطماعٌ استراتيجية، وأطماع عسكرية، وأطماع اقتصادية في السيطرة، وفي التواجد في تلك المحافظة”.
ويتفق الغرسي مع أبو حسن بأن الشعبَ اليمني لن يسمحَ بتكرار تجربة الاحتلال مرة أُخرى، ولا سيما الاحتلال البريطاني الذي له تجربة في اليمن، وقد طُرد منها عندما كان في عز قوته وكان يطلق عليها حينها “المملكة التي لا تغيب عنها الشمس” لكثرة احتلالها لبلدان العالم، لكنها في الأخير طُردت.
ويشير الغرسي إلى أن التاريخَ يعيد نفسه، فاليوم نلاحظ هناك مقاومة شريفة من أبناء القبائل الأحرار من محافظة المهرة، ترفض هذا التواجد؛ ولهذا فَـإنَّ مشروع الغزاة والمحتلّين سيفشل، ومن وعي أبناء تلك المناطق سواء في محافظة المهرة أَو في بقية أبناء المحافظات الجنوبية أَو الشعب اليمني بشكل عام بعد أن انكشفت كُـلُّ هذه التضحيات، مؤكّـداً أن هناك مقاومةً شعبيّةً سيثبت أبطال المحافظات الجنوبية خلالها مجدّدًا -كما فعل أجدادُهم في ثورة ١٤ أُكتوبر- أنهم يرفضون الاحتلالَ ويرفضون الغزوَ، سواء في المهرة أَو عدن أَو لحج أَو ابين أَو غيرها من المناطق اليمنية بإذن الله تعالى.