إرسال سفينة إيرانية محملة بالوقود إلى لبنان حدث يتجاوز التبادل التجاري ويؤثر على مشهد المعادلات الإقليمية في أبعاد مختلفة.
حيث كان صُنّاع القرار الأمريكيون – الصهاينة، رغم أنهم كانوا يأخذون على محمل الجد تحذيرات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاباته السابقة حول طلب الوقود من إيران، يعتقدون أن معادلات القوة الداخلية في لبنان لن تسمح بحدوث ذلك في أي وقت قريب.
كما يعتقد المنظرون السياسيون الأمريكيون أن الإدارة الأمريكية ستقود بأخطائها وفرضها للعقوبات والحصار الاقتصادي والنقدي الخانق على لبنان، اوضاع هذا البلد نحو الارتماء في أحضان إيران.
الخطأ الاستراتيجي الآخر للأمريكيين كان في توقع السيناريوهات المرتقبة جراء توجه سفينة الوقود الإيرانية إلى لبنان، والذي تجلى في الإعلان عن المواقف المتسرعة لبعض الدبلوماسيين الأمريكيين، بما في ذلك سفيرة واشنطن في لبنان، وإثبات أن البيت الأبيض فوجىء ولم يكن لديه تنبؤ دقيق بذلك.
لقد كان ذلك متسرعاً لدرجة أنها هددت اللبنانيين حكومةً وشعباً بضرورة أن يحصلوا على الوقود والغذاء من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مصر والأردن، وباقي الأطراف الإقليمية الأخرى. بينما لم تبد تلك الدول سابقا أي رغبة ببيع المحروقات أو الكهرباء للبنان.
وكشفت السفير الأمريكية عن استعداد بلادها لتسهيل استجرار الكهرباء والوقود الى لبنان من الأردن ومصر عبر سوريا حيث يعتبر ذلك اجراء متأثراً بإرسال السفينة الايرانية الى بيروت نظرا الى صرامة أمريكا في تشديد حصار لبنان. كما يظهر هذا الموقف فشل السياسات الأمريكية في لبنان القائمة على محاصرة وتجويع اللبنانيين.
إرسال السفينة الإيرانية
تم الإعلان عن قرار حزب الله باستيراد الوقود من إيران في وقت كانت أزمة الوقود في لبنان في أوجها بعد قرار رياض سلامة حاكم البنك المركزي اللبناني، الذي شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر في تمديد ولايته، وبات الرأي العام اللبناني واثقا، أن أمريكا والأنظمة العربية لا تملك الإرادة للتدخل لحل المشاكل المعيشية للشعب اللبناني.
وبالطبع يعتقد المحللون أن إرسال المساعدات الإيرانية، على الرغم من أنه يمكن أن يخفف من حدة الأزمة بشكل مرحلي، ولن ينهيها تماما. إلا أنه يمكن لهذه الخطوة أن تكسر هيمنة الكارتلات ورجال الأعمال الأمريكيين على السوق اللبنانية ، مما يجبرهم على الاهتمام بأولويات السوق المحلية اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، لن تكون هذه السفينة الوحيدة المرسلة من إيران إلى لبنان. لأن طهران ترحب أيضا بوتيرة فشل العقوبات عبر إرسال هذه السفن.
تحميل ثالث سفينة إيرانية للتوجه نحو لبنان
أعلن السيد حسن نصر الله، في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة لتحرير الأراضي اللبنانية من رجس الجماعات الإرهابية التكفيرية، عن الاتفاق مع إيران لتحميل وتجهيز سفينة ثالثة من المشتقات النفطية.
وتم تحميل الشحنة ونقلها من موانئ إيران الجنوبية إلى الساحل اللبناني، ومنذ بداية موضوع استيراد الوقود اللبناني من إيران، بدأ بعض مسؤولي الكيان الصهيوني، علنًا أو بالنقل عنهم، بالتهديد باستهداف هذه السفن.
لم تكن قضية التخريب والتهديدات الإسرائيلية للأسطول التجاري النفطي للجمهورية الإسلامية الإيرانية جديدة في السنوات الأخيرة، فقد حاول الكيان مرارا عرقلة ارسال شحنات الوقود الإيرانية إلى سوريا، ولكن تلك الاجراءات باءت بالفشل ولم تمنع إيران من تقديم المساعدة للحلفاء الإقليميين.
لكن الوضع هذه المرة مختلف مع التهديدات المباشرة والخطيرة للأمين العام لحزب الله بالرد بشكل مباشر على أي هجوم على السفن الإيرانية التي تحمل الوقود للشعب اللبناني. ففي الأسبوعين الماضيين ألقى السيد حسن نصرالله ثلاث خطابات في مناسبات مختلفة وشدد في الخطاب الأول على موضوع إرسال الوقود من إيران إلى لبنان،
وتحدث في خطابه الثاني عن ارسال ناقلة وقود ثانية وفي خطابه الثالث تحدث عن تحميل وبدء تحرك السفينة الثالثة نحو لبنان. يبدو أن الإعلان الرسمي عن موعد التحرك والموقع الحالي لأسطول الوقود المتجه إلى لبنان يشير إلى ثقة المقاومة اللبنانية في توفير أمن السفن الإيرانية.
كما أكد حزب الله مراراً في السنوات الأخيرة أنه سيرد على جميع هجمات العدو بشكل متناسب ومماثل. أي إذا قتل العدو الصهيوني جندياً من حزب الله فإنه سينتقم بقتل جندي إسرائيلي، وإذا أطلق العدو صاروخاً على قاعدة عسكرية في لبنان فإنه سيتلقى الرد من المقاومة بإطلاق عشرات الصواريخ.
وفيما يتعلق باحتمال قيام الكيان الصهيوني بهجوم أو تخريب ضد السفن الإيرانية المتجهة إلى بيروت لا يخفى على أحد مستوى رد حزب الله ففي حال التعرض لأمن محروقات الشعب اللبناني، فإن أمن وقود وموارد العدو الصهيوني الاحفورية سيهدد أيضا، والتي تقع في البحر المتوسط وعلى مسافة قصيرة جدا من المياه اللبنانية.
استثمرت إسرائيل في السنوات الأخيرة مليارات الدولارات في استخراج الغاز من منصات وحقول بحرية مثل تمر ولوياتان. منصات تبعد 35 كم فقط عن أراضي جنوب لبنان في أبعد مسافة ممكنة.
حيث جربت إسرائيل طعم مرارة الاقتراب من الساحل اللبناني مرة واحدة في عام 2006 وأثناء حرب تموز من خلال استهداف البارجة INS Hanit بصاروخ وتعرضها لأضرار جسيمة، وهي تدرك جيدا ان قدرة المقاومة اللبنانية في الحرب البحرية والتهديدات ضد منصات الغاز التابعة للكيان أكبر بعدة مرات مما كانت عليه في عام 2006 ، كما ان مصادر استخباراتهم تدرك جيدا ما هي الأسلحة الفتاكة في مجال الحرب البحرية التي حصل عليها حزب الله في السنوات الأخيرة.