مع تعثر المفاوضات الغير مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية لوقف العدوان على اليمن ورفع الحصار نتيجة محاولة الاخيرة فرض شروط مذلة على اليمن وابقاءه رهن التهديد باندلاع الحرب مجددا وبقاء عناصر الفوضى والاقتتال قائمة، واستغلال ازمته الانسانية المتفاقمة ومقايضتها مقابل وقف اطلاق النار .
وفي الضفة الاخرى لم يعد الوقت متاحا للاستمرار بالحرب الى ما لانهاية بالنسبة الى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ، مؤشرات فشل الحرب العسكرية باتت واضحة وحلفاء واشنطن يخسرون يوميا مزيدا من الاراضي في اليمن ، كما ان تطور قدرات صنعاء العسكرية تنامت بشكل شكل خطر فعليا على اهم حليف لواشنطن وهي اسرائيل التي باتت مؤخرا تحت مرمى النيران اليمنية.
حاول المبعوث الامريكي تعديل خطته اكثر من مرة لكن التعديلات الامريكية على مبادرتها لم ترقى الى الاستجابة لمتطلبات صنعاء الاساسية وفي مقدمها فصل الملفين الانساني عن السياسي والعسكري ، باعتبار فتح الموانىء ومطار صنعاء وتدفق السلع الاساسية والوقود والادوية دون عوائق حق مكفول قانونا وانسانيا للشعب اليمني ، بينما تبقي واشنطن على ربط الملفين معا وتبقي الحصار سيفا مصلتا على رقاب اليمنيين .
بحسب مسؤولين في صنعاء فإن الميدان العسكري تجاوز الخطة الأمريكية ، وطرحها من قبل واشنطن باستمرار يشير الى انها تنوي تدشين حرب جديدة على الشعب اليمني ليس باضرورة عسكرية وانما اقتصادية الورقة الابرز التي لاتزال في يد امريكا وحلفائها .
منذ فبراير 2020م تحول تحالف السعودية بريطانيا امريكا اسرائيل الامارات الى وضع الدفاع بعد هجوم خاطف اسفر عن تامين العاصمة صنعاء وانتهى عقب شهر واحد الى تهديد معقل التحالف الاساسي في شمال شرق اليمن ، ومنذ ذلك الحين اتخذ التحالف موضع الدفاع عن معقله واسفرت كل محاولاته العسكرية اخرها في مديرية الزاهر بالبيضاء عن خسارة مزيد من الاراضي وخسارة العشرات من عملائه قتلى وجرحى واسرى ضاقت بهم سجون صنعاء وفق مسؤول في لجنة الاسرى اليمنية يقول إن التحالف لم يعد يأبه لكثرة عدد اسراه بملف الاسرى ولوكونهم يمنيين ثانيا .
وحدها الورقة الاقتصادية التي لاتزال تبقي صنعاء في موقع الدفاع نتيجة هيمنة الولايات المتحدة دوليا وتحكمها بالاقتصاد العالمي وفرض الحصار البحري على اليمن بالتعارض مع كل المواثيق اليمنية .
الحرب اقتصادية على اليمن بدأت بعد عام ونصف من العدوان على اليمن ، ويورد عضو في فريق صنعاء التفاوضي في مفاوضات الكويت 2016م بان السفير الامريكي آنذاك هدد وفد صنعاء بنقل البنك المركزي الى عدن وهو ما تم لاحقا في العام سبتمبر من العام 2016م وطباعة الريال اليمني بحيث تصبح قيمته لا تساوي الورق الذي يطبع عليه ، وهو ما دأبت عليه حكومة المرتزقة حيث جرى طباعة تريليونات الريالات دون غطاء او حاجة سوقية ما جعل التضخم يبلغ مستوى قياسي لن تعرفه اليمن في تاريخها ، وانهار الريال اليمني مقابل الدولار الى اكثر من الف ريال للدولار الواحد في المناطق المحتلة و600 ريال في المناطق الحرة المسيطر عليها من قبل المجلس السياسي الاعلى.
عملت الولايات المتحدة الامريكية ضمن حربها الاقتصادية على تجفيف نحو 97 % من موارد الدولة اليمنية اما بالسيطرة عليها عسكريا كمنابع النفط والغاز ، او تجميد الارصدة اليمنية الخارجية وتحويلها لصالح المرتزقة وتمويل عمليات التحالف ، او بالحصار على ميناء الحديدة الحيوي واهم ميناء بعد عدن لايزال بقبضة صنعاء وخارجا عن سيطرة التحالف .
هذه الاجراءات بالإضافة الى قطع رواتب موظفي الدولة منذ ما يزيد عن 5 سنوات اسفرت جميعها عن تعميق الازمة الانسانية في المناطق الحرة ، وجعل الحكومة في صنعاء تواجه صعوبات جمة في توفير حتى نصف راتب كل شهرين كما كانت وعدت في وقت سابق .
منذ العام 2020م منعت الولايات المتحدة دخول سفن الوقود كعقاب لصنعاء على قيامها بصرف نصف راتب لموظفي الدولة ، ومع ان الصرف كان متطابقا مع اتفاق السويد الذي ابرم نهاية العام 2018م إلا ان الويات المتحدة كانت تريد ايرادات ميناء الحديدة ان تبقى مجمدة ولاتستفيد منها صنعاء في تخفيف الازمة الانسانية في مناطق سيطرتها .
مثل قطع الرواتب ونقل عمليات البنك المركزي الى عدن احد اهم اركان الحرب الاقتصادية على صنعاء ، واهم الصعوبات التي وضعت في طريق الحكومة في صنعاء ، ومع انها نجحت في الحد من اثار نقل عمليات البنك المركزي الى عدن ونظام التحويلات سويفت وطباعة العملة المتكرر ، الا ان الرواتب ظلت العقبة الابرز في ظل شحة الموارد .
قبل ايام رمت واشنطن بورقة ضغط اقتصادية جيدة في وجه صنعاء وقررت عبر حكومة العملاء رفع سعر الدولار الجمركي عبر ميناء عدن ، ما يعني حكما ارتفاع في اسعار المواد المستوردة ، وبالتالي تضاعف الاعباء الاقتصادية على الشعب اليمني وفي ضل استمرار انقطاع الرواتب وشحة موارد الدولة والحصار على الموانئ وسفن الوقود .
وبعد اقل من اسبوع على اقرار هذا القرار الكارثي من قبل حكومة العملاء ، ضغطت واشنطن لمنح فرع عدن قرضا بقيمة 664 مليون دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي بالمخالفة حتى لمعايير الاقراض من قبل الصندوق والذي يقضي بعدم منح قروض لدول في ظل وضع الحرب والصراع .
وفي ذلك دلالتان الاولى ان أن الحرب الاقتصادية اضحت سلاح واشنطن الوحيد للضغط على حكومة صنعاء واجبارها على الرضوخ لاشتراطاتها لوقف اطلاق النار الذي تسعى واشنطن لتحقيقه اليوم قبل الغد نتيجة المتغيرات العسكرية في اليمن والمنطقة والتي باتت في غير صالح شراع الولايات المتحدة بل وتنذر بانحسار نفوذها من المنطقة سريعا ، وفقدان حلفائها الاستقرار .
والدلالة الثانية يقين واشنطن ان إبقاء مأرب خارج سيطرة حكومة صنعاء مسألة وقت قبل ان تنهار امام زخم هجوم جديد .
المعركة الان هي عض للأصابع بين صنعاء وواشنطن ، وتدرك الاخيرة ان صنعاء بقيادتها الوطنية تعاني من اجل شعبها ، وهي تحاول استغلال ذلك استغلال اللئيم ،بينما تطال المعاناة كل قطاعات الشعب اليمني حتى في المناطق المحتلة والذي اضحوا تحت المقصلة مرتين بفقدان الأمن وفقدان القدرة على العيش ناهيك عن الكرامة المهدورة في ظل المحتل ووكلائه .
يرى كثير من المحللين ان صنعاء لن تبقى مكتوفة الايدي امام تجويع شعبها ، صنعاء المقتفية خطى الامام علي تدرك جيدا حكمته المشهورة حين منع معاوية جيش العراق من الماء فقال لهم ارووا سيوفكم من الدماء ترووا من الماء .
وفي هذا السياق كان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله واضحا في خطابات تطرقت الى المبادرة الامريكية وكواليس التفاوض غير المباشر في عمان ، بان الشعب اليمني لن يجوع او يستكين للموت جوعا وقد اضحى في يده سيف وترس يصل به الى عمق دول العدوان ، ما يعني حكما بأن نار الحرب الاقتصادية التي ساهمت في اشعالها السعودية ستطالها وقد تطال حلفاء اخرين لواشنطن ، فالاجراءات الحربية الاقتصادية الاخيرة التي يقدم عليها التحالف بمثابة شحذ لسيف التجويع ولن تقبل به صنعاء التي تمضي نحو التعافي وغن بوتيرة أقل من الجانب العسكري نتيجة معطيات عدة ليست السطور هنا محلا لتناولها ..
لدى صنعاء اسلحة نوعية لم تكشف عنها ، والمحسوم فقط انها تطال ” اسرائيل ” والثابت الاخر ان معركة مارب محسومة سلفا ولن تثني أي من اوراق الضغط السياسية والاقتصادية عن تحرير ، فالتراجع عن تطهيرها بنظر صنعاء يظل الاخطر والمهدد لمستقبل الاجيال اليمنية .
المسيرة نت | ابراهيم الوادعي