أثار الهجوم المميت الذي طال قوات سلفية متمرّدة على قيادتها ذات الهوى الإماراتي، قبل يومين، في قاعدة العند الجوية تساؤلات كثيرة حول الجهة الواقفة خلفه، خصوصاً أنه جاء في أعقاب تمكّن «الانتقالي الجنوبي» و«أنصار الله» من نسج تفاهمات موضعية في غير جبهة، أدّت إلى تجنيب مناطق كثيرة القتال.
ومن هذا المنطلق، لا تستبعد مصادر جنوبية أن تكون لـ«الإصلاح» يدٌ في ما جرى في قاعدة العند، على اعتبار أنه المستفيد من إشعال «الفتنة» بين الطرفين.
قُتل أكثر من 50 عنصراً من جنود «اللواء الثالث – عمالقة»، المحسوب على حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي وأصيب ما يزيد عن 70 آخرين، في عملية استهداف غامضة تعرّضوا لها أثناء تلقّيهم تدريبات عسكرية في قاعدة «العند» العسكرية الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي – الإماراتي، صباح الأحد الماضي.
ونُفّذ الهجوم الذي استهدف، خصوصاً، منتسبي اللواء المتمرّد منذ أشهر على قيادة قوات «العمالقة» التابعة للإمارات، وفق أكثر من مصدر، بواسطة ثلاثة صواريخ، يقول خبراء عسكريون إنها أُطلقت من مكان قريب من القاعدة، نظراً لما أحدثته من أثر تدميري في معسكر التدريب، لتُثار بهذا عدّة تساؤلات حول الجهة التي تقف خلفها، والهدف منها.
والجدير ذكره، هنا، أن القاعدة المستهدَفة تحتضن الآلاف من عناصر القوات غير النظامية التي تتلقّى التدريبات منذ أسابيع على يد قوات سودانية لصالح الإمارات، وذلك في ضوء الاستعدادات التي يجريها «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي، لمواجهة حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) في أبين.
لكن العملية لم تصب أحداً بأذى، باستثناء منتسبي «اللواء الثالث»، الذين رفضوا قبل أشهر قرار قائد «العمالقة»، أبو زرعة المحرمي، الموالي للإمارات، إقالة قائدهم المكنّى «أبو عيشة»، وتعيين آخر ذي هوى إماراتي يُدعى أبو حرب الردفاني، وهو ما تسبّب بانقسام اللواء بين تيار أبو ظبي وتيار «أبو عيشة»، الذي يُعدّ من القيادات السلفية التكفيرية، والتي خاضت معه معركة مديرية الزاهر في محافظة البيضاء الشهر الفائت، من دون تنسيق مع قيادة «العمالقة» المتمركزة في الساحل الغربي.
وبعدما تمكّن الجيش واللجان الشعبية» من استعادة المديرية بعملية معاكسة، انسحب اللواء إلى ردفان، لتَظهر عناصره من جديد في قاعدة العند التي اتّجهت إليها «كتيبتان من جنود اللواء الثالث عمالقة للخضوع للتدريب بأوامر من وزارة دفاع هادي، من دون الرجوع إلى قيادة العمالقة والقوات المشتركة في الساحل الغربي»، وفق ما تفيد به مصادر مطّلعة «الأخبار».
وكان «الانتقالي» «حشد، بتمويل من أبو ظبي، الآلاف من العناصر الجنوبية السلفية بقيادة أبو زيد السعيدي للتدريب في قاعدة العند، كما دفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى معسكر بدر في مدينة عدن»، وذلك «بغرض تمكين الانتقالي من السيطرة على أبين، ودحر ميليشيات حزب الإصلاح في شقرة ولودر وعدد من مديريات المحافظة» بحسب مصادر مقرّبة من المجلس.
دفع «الانتقالي» بالمزيد من التعزيزات إلى معسكر بدر في عدن في إطار استعداداته لمعركة أبين
وفيما لم تُعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن هجوم الأحد، خرجت اتهامات متسرّعة من بعض المكوّنات الجنوبية إلى حكومة صنعاء بالمسؤولية عمّا جرى. لكن مصادر سياسية جنوبية تَحتمل أن «تكون لحزب الإصلاح يد في الهجوم بهدف إشعال المعارك بين القوات الجنوبية التي تقف حجرة عثرة أمام مخطّط الإخوان لاستكمال السيطرة على المحافظات الجنوبية، وبين أنصار الله، بعدما فشل الحزب في دفع الطرفين إلى التصادم على الأرض في البيضاء ويافع الشهر الفائت، ليتسنّى له تنفيذ مخطّط الانقضاض على عدن».
وتُعدّ هذه المرّة الثانية خلال عام التي تتعرّض فيها ميليشيات سلفية موالية لـ«التحالف» لقصف مميت؛ إذ سبق واستُدرج منتسبو «اللواء الرابع – حماية رئاسية»، بقيادة العميد مهران القباطي، تحت ذريعة التدريب، من أبين وشبوة إلى مأرب، خلال النصف الثاني من العام الفائت، حيث تعرّضوا لهجوم صاروخي مباغت أدّى في حينه إلى مقتل أكثر من 110 عناصر وإصابة العشرات بجروح.
عودة التوتر غرب تعز
وتزامن الهجوم الأخير في «العند» مع عودة التوتر العسكري بين «الانتقالي» و«الإصلاح» في مديريات غرب تعز والمناطق المطلّة على مضيق باب المندب.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر محلية في مديرية طور الباحة في محافظة لحج، «الأخبار»، بأن «ميليشيات موالية للإمارات نشرت آلياتها العسكرية في اللسان البحري الواقع في منطقة خور عميرة في مديرية المضاربة المطلّة على مضيق باب المندب أواخر الأسبوع الماضي»،
وذلك «ردّاً على تعزيزات كبيرة وصلت إلى طور الباحة تابعة لحزب الإصلاح، وقيام محور تعز العسكري التابع للإخوان بتسليم القيادي السلفي الذي ينحدر من محافظة شبوة، عدنان زريق القميشي، ملفّ المديريات الغربية لمحافظة لحج، وتسليمه قيادة الفصائل المنتشرة على طول الساحل الجنوبي الممتدّ من منطقة رأس عمران في لحج، وحتى المديريات الساحلية لمحافظة تعز والقريبة من مضيق باب المندب».
ولفتت المصادر إلى أن «الميليشيات الموالية للإمارات عزّزت وجودها العسكري في الصبيحة، ونشرت عدداً من النقاط العسكرية في الطريق الساحلي الرابط بين مدينتَي عدن والمخا، للحدّ من تمدّد ميليشيات اللواء الرابع التابع لحزب الإصلاح في مديريات طور الباحة والمضاربة ورأس العارة، وتحرّكات الإصلاح الأخيرة بقيادة زريق».
وأدّى صراع النفوذ هذا، والذي عاد إلى الواجهة الأسبوع الماضي، إلى الإطاحة بأكبر القيادات العسكرية السلفية الموالية لهادي، والمقرّبة من «الإصلاح»، من قيادة القوات المشتركة في ساحل محافظة لحج.
إذ أكدت مصادر قبلية في الصبيحة، لـ«الأخبار»، قيام محافظ لحج المحسوب على هادي «تحت ضغط الانتقالي، بإقالة العميد حمدي شكري، المحسوب على التيار السلفي، من قيادة القوات المكلّفة بحماية مديريات ساحل لحج، وتعيين القيادي في المجلس الانتقالي الموالي للإمارات عمر الصبيحي مكانه، وهو الذي عيّنه الانتقالي أخيراً قائداً لميليشيات الحزام الأمني في لحج، خلَفاً لشكري».
ويخطّط «الإصلاح» لتمديد نفوذه العسكري في منطقة الصبيحة التي تمتدّ على ستّ مديريات استراتيجية كرأس العارة والمضاربة وطور الباحة وصولاً إلى الشريجة وكرش، في إطار مسعاه للسيطرة على كامل مناطق الساحل الغربي، بما يمكّنه من تطويق باب المندب، والاقتراب من مدينة عدن لتطويقها، بالتوازي مع تحرّكاته في أبين، والتي تستهدف، هي الأخرى، الانقضاض على عدن، واستكمال السيطرة على المحافظات الجنوبية.
_______
الاخبار اللبنانية