بعنوان “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، انعقد اجتماع بغداد في 28 أغسطس في العراق بمشاركة جهات فاعلة مختلفة، وبغياب ملحوظ من سوريا، ودُعي إلى جانب دول المنطقة خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن للحضور، إيمانويل ماكرون هو رئيس الدولة الوحيد من خارج الشرق الأوسط الذي يحضر القمة، كما حضر الاجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، إضافة الى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ممثلا عن السعودية.
غياب سوريا
من أهم القضايا المتعلقة بترتيب الممثلين الحاضرين في مؤتمر بغداد هو عدم حضور الممثلين والوفد السوريين، جاء ذلك في وقت التقى فيه فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، ببشار الأسد خلال زيارته الأخيرة لدمشق ودعاه لحضور قمة بغداد، حقيقة الأمر أن غياب الوفد السياسي بدمشق يبدو أنه كان نتيجة ضغط خارجي وليس نتيجة إرادة الحكومة العراقية. في السنوات الأخيرة، اتخذت بغداد ودمشق خطوات لتطوير وتحسين التعاون الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي.
في مثل هذه الحالة، يمكن قراءة ضغوط فرنسا والغرب لغياب الوفد السياسي للحكومة الشرعية في سوريا على شكل محاولة فاشلة لمنع استعادة الموقف السياسي لحكومة بشار الأسد في المنطقة.
حضور ماكرون: الأهداف والأسباب
رئيس الجمهورية الفرنسية هو رئيس الدولة الوحيد أو المسؤول السياسي الرفيع المستوى من بين القوى فوق الإقليمية الحاضرة في مؤتمر بغداد، وفيما يتعلق بعمل فرنسا، يمكن القول إن باريس تسعى إلى إحياء دورها التقليدي ومكانتها في غرب آسيا وشمال إفريقيا. في الواقع، انخرطت فرنسا في السنوات الأخيرة بسرعة في حروب عسكرية في إفريقيا – مثل ليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى – لكنها أصبحت مؤخرًا قوة دبلوماسية في الشرق الأوسط. على الرغم من أن فرنسا نجحت في تأمين مصالحها الاقتصادية في غرب آسيا، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل كامل سياسيًا ببعض السياسات المتسرعة، على سبيل المثال ضد سوريا وإيران.
متابعة قضية اغتيال الشهيد سليماني وانتقاد عدم دعوة سوريا
نقطة أخرى يجب مراعاتها في مؤتمر بغداد هي حضور وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان. عند وصوله إلى بغداد، انتقد خليفة ظريف عدم دعوة سوريا لحضور المؤتمر، ووعد بأن تكون الملاحقة القانونية والدولية لاغتيال قاسم سليماني من أولويات وزارة الخارجية الإيرانية خلال فترة عمله.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن قضية وقف التصعيد في العلاقات بين إيران والسعودية قضية مهمة أخرى في قمة بغداد. في الأشهر الأخيرة، أفاد العراق بعقد اجتماع بين وفدي طهران والرياض السياسيين في بغداد، لذا فإن وجود وزارتي الخارجية الإيرانية والسعودية الآن قد يكون فرصة جديدة للمسؤولين من كلا البلدين.
أهداف ورؤية الكاظمي لـ مؤتمر بغداد
معظم الفاعلين الإقليميين كانوا هم أنفسهم أحد الأطراف الرئيسية في الأزمة في هذا البلد، وكانت النتيجة بلا شك انعدام الأمن وزيادة عدم استقرار العراق. لذلك، يمكن الآن تقييم جهود حكومة مصطفى الكاظمي لعقد اجتماع في بغداد على شكل إعادة بناء أمن هذا البلد من خلال إرساء الاستقرار على المستوى الإقليمي، وهذا يعني أنه كلما قل التوتر بين الأطراف المختلفة في المنطقة، كان الوضع الأمني في العراق أفضل.
كما يبدو أن مصطفى الكاظمي يحاول الحصول على مكانة خاصة من خلال عقد مثل هذه اللقاءات، داخليًا وخارجيًا، وبالتالي إقناع الفصائل السياسية العراقية بالموافقة على استمرار رئاسته في مجلس الوزراء، الإرهاب، القضايا البيئية التي تتمحور حول أزمة المياه، التوترات الحدودية، القضية الفلسطينية، العلاقات بين إيران والدول العربية، إعادة إعمار سوريا، الحرب في اليمن، الأزمة في أفغانستان، المحادثات الإقليمية، إلخ.
والسؤال الآن إلى أي مدى يمكن لقمة بغداد أن تمهد الطريق لحل هذه القضايا؟ لا شك في أن الإجابة على هذا السؤال لا بد من الالتفات إلى أن مؤتمر بغداد هو في بداية مسيرته وأنه يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على المعادلات الإقليمية لا يبدو معقولاً على الإطلاق، ولكن يمكن للاجتماع أن يلعب دورًا إيجابيًا في الحوار الإقليمي، ويمكن أن يكون الجمع بين ممثلي البلدان ذات الخلافات السياسية العميقة أمرًا مفيدًا للغاية.