في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت محكمة الإرهاب السعودية حكماً بسجن ممثل حماس في المملكة، الدكتور -البالغ من العمر 82 عاماً- محمد الخضري، لمدة 15 عاماً، في محاكمة ضمت 69 فلسطينياً وأردنياً حُكم عليهم بالسجن لمدد وصلت إلى 22 عاماً بتهمة صلات مزعومة بجماعة “إرهابية” لم يتم تسميتها.
جاء هذا الخبر بمثابة صدمة كبيرة لحركة حماس، التي كان قادتها متفائلين مؤخراً بأن علاقة الحركة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد تفتح صفحة جديدة، لدرجة أنه قبل أيام قليلة من صدور الحكم، رحب زعيم حماس إسماعيل هنية بحرارة بالإعلان عن تحديد موعد لإصدار الحكم، واثقًا من أن مرسومًا ملكيًا سيغلق القضية.
ما عزز هذا الأمل قيام قناة العربية السعودية بتوجيه دعوة نادرة في يوليو/تموز إلى زعيم حماس في الشتات خالد مشعل لإجراء مقابلة، بعد أن قطعت المملكة العلاقات مع الحركة بالكامل لسنوات، وفي المقابلة، وجه مشعل نداء لإصلاح العلاقات الثنائية، بل وأدان الهجمات الإيرانية على السعودية.
أدى الحكم القاسي والدوافع السياسية خلفه إلى تكهنات بأنه إما انتقاماً من حضور إسماعيل هنية حفل تنصيب الرئيس الإيراني في وقت سابق من هذا الشهر، أو إشارة واضحة على حسن النية تجاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
يميل قادة حماس بشكل متزايد إلى التفسير الأخير بعد أن قال وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيساوي فريج، في مقابلة على قناة الحرة التلفزيونية إن إسرائيل على اتصال مباشر الآن مع المملكة العربية السعودية، علاوة على ذلك، في الألعاب الأولمبية الشهر الماضي، كانت لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني هي اللاعبة العربية الوحيدة التي وافقت على مواجهة لاعبة إسرائيلية في وقت انسحب فيه اللاعبون العرب الآخرين من المواجهات أمام إسرائيليين.
تعرضت القحطاني لهزيمة ساحقة في غضون ثوانٍ، لكنها حققت للمملكة أهداف الغسيل الرياضي التي كان حكامها يتوقون إليها.
بعد أن استولى محمد بن سلمان على العرش من ولي العهد الأمير محمد بن نايف – بمساعدة غاريد كوشنر، وبعد أن تورط محمد بن سلمان في القتل الوحشي لجمال خاشقجي، أصبح ولي العهد الشاب يائساً من تعزيز العلاقات مع إسرائيل كوسيلة للحفاظ على مكانة جيدة في المجتمع الدولي وخاصة لدى واشنطن.
وفي سبيل تحسين العلاقات، نأى بن سلمان بنفسه عن القضية الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص، وأطلق العنان لجيوشها الإليكترونية -الذباب الإليكتروني- للتملق لإسرائيل ومهاجمة معارضيها، وبحسب ما ورد طلب محمد بن سلمان من نتنياهو في عام 2018 قصف حماس وغزة لتشتيت الانتباه الدولي عن مقتل خاشقجي.
في أبريل/نيسان 2019، أرسل محمد بن سلمان قوات حكومية لاعتقال جميع ممثلي حماس والمتعاطفين معها ووضعهم في السجن، بعد قطع جميع الاتصالات مع الحركة، في المقابل، التزمت الحركة الصمت في البداية بشأن هذه المسألة، على أمل حل الموقف عبر دبلوماسية سرية، لكن بعد ستة أشهر قررت التحدث وطلبت من جماعة حقوق الإنسان التدخل، مما يشير إلى انهيار كامل في العلاقة مع السعوديين.
قبل استيلاء بن سلمان على السلطة، كانت حماس تتمتع بعلاقة قوية نسبياً مع حكام المملكة العربية السعودية، بل في عام 1988، بعد عام من تأسيس الحركة، وجه رئيس المخابرات السعودية دعوة للزعيم السياسي لحركة حماس آنذاك موسى أبو مرزوق للاجتماع في جدة، وعرض مساعدة مالية للحركة.
ومع غزو صدام حسين للكويت عام 1990، أعرب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت، ياسر عرفات، عن دعمه للغزو، لكن حماس قامت بإدانته مما أكسبها دعماً سعودياً أكبر.
وخلال حرب الخليج عام 1991، تمت دعوة أبو مرزوق مرة أخرى إلى المملكة، حيث ناقش السعوديون فتح مكتب اتصال لحركة حماس وتعهدوا بتقديم الدعم المالي والسياسي، وهو ما فسرته حماس على أنه محاولة لتمكينها من استبدال منظمة التحرير الفلسطينية كممثل عن الشعب الفلسطيني.
بالرغم من ذلك، في اجتماع عام 1992 مع حماس، أوضح السعوديون أنهم يعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للفلسطينيين، ويدعمون سلامًا عادلًا مع إسرائيل، لكنهم لن يقوموا بتطبيع العلاقات حتى يتم حل النزاع.
في غضون ذلك، حصلت حماس على مبلغ من الدعم المالي، وافتتح السعوديون مكتباً سريًا لحماس في المملكة برئاسة الدكتور محمد الخضري، الذي أشرف على الاتصالات المباشرة مع الرياض ورتب لقاءات منتظمة مع المسؤولين السعوديين منذ ذلك الحين وحتى اعتقاله عام 2019.
يُذكر أنه في نفس العام، أي في 1992، تمكن قادة حماس، الذين قام رابين بنفيهم إلى مرج الزهور في لبنان، من تحسين علاقاتهم بشكل كبير مع سوريا وإيران، وافتتح مكتب لحماس في طهران، واستطاعت حماس الحفاظ على علاقات إيجابية مع معسكرين متعارضين.
سعى الحكام السعوديون إلى زيادة شعبيتهم المحلية لعقود من خلال دعمهم للفلسطينيين، بشتى الصور، كما أن دعمهم البراغماتي لحركة حماس ناشد بعض الأوساط الدينية باعتباره احتضانًا للمقاومة والجهاد.
على الرغم من التقلبات والنكسات، فإن العلاقة بين السعودية وحماس تضمنت لعقود اتصالات مباشرة مميزة مع رؤساء المخابرات السعودية، بمن فيهم تركي الفيصل وشاغل المنصب الحالي الفريق خالد بن علي بن عبد الله الحميدان.
كما شهدت العلاقة اجتماعات عرضية مع الملوك ودعم مالي حكومي متقطع (على سبيل المثال، منح الملك فهد ذات مرة حماس 5 ملايين ريال [1.35 مليون دولار] سلمها نجله عبد العزيز، بينما أهدى الملك عبد الله الحركة 10 ملايين ريال [2.7 مليون دولار] سلمها ابنه مطيب).
كما سُمح للخضري وأعضاء آخرين في حماس بجمع الأموال للحركة -بصورة رسمية- على الأراضي السعودية، والتي تحولت بعد ذلك إلى التهمة الرئيسية الموجهة ضدهم في المحاكمة الأخيرة: تمويل الجماعات الإرهابية.
عندما فازت حماس في الانتخابات البرلمانية لعام 2006 وتم مقاطعة حكومتها دولياً، تعهدت المملكة العربية السعودية بأن تظل واحدة من أكبر الداعمين الماليين للفلسطينيين ودعت وزير خارجية حماس محمود الزهار لزيارة المملكة، كما عمل الملك عبد الله لاحقاً بلا كلل من أجل إنهاء الانقسام بين فتح وحماس في اتفاق المصالحة في مكة.
لكن بعد خمسة أشهر من الاتفاق، سيطرت حماس على غزة، مما أدى إلى توتر كبير في علاقاتها مع السعوديين، الذين انحازوا إلى جانب السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم من تعهد الملك عبد الله بتقديم مليار دولار لإعادة إعمار غزة في عام 2009، إلا أنه رفض عدة طلبات من حماس لمقابلته.
أظهرت رسالة مسربة عام 2010 من زعيم حماس إلى الملك عبد الله مدى صعوبة محاولة الحركة الوصول إلى الملك، وانخفض مستوى الاتصال إلى اجتماعات مع المخابرات السعودية أو وزير الخارجية.
وضع الربيع العربي العلاقات بين السعودية وحماس عند مفترق طرق حاسم، حيث أصبحت المنطقة مستقطبة بين الإخوان المسلمين الذين يحاولون الوصول إلى السلطة ديمقراطياً وبين الحرس القديم الذي يحاول تأمين أو استعادة عروشهم.
بعد أن أطاح الفريق عبد الفتاح السيسي – بدعم كامل من السعودية والإمارات – برئيس الإخوان المسلمين المنتخب في مصر محمد مرسي، بدأت أنظمة الخليج في قمع أفرع الإخوان في بلادهم بلا رحمة، لذلك أدى الانتماء الأيديولوجي لحركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين إلى تعقيد علاقاتها مع السعوديين، الذين أعلنوا الحركة منظمة إرهابية في عام 2014.
منعت الجمعيات الخيرية السعودية بشكل متزايد من مساعدة حماس وكان المدير المالي للمنظمة ماهر صلاح من بين أولئك الذين اعتقلهم السعوديون في اتهامات بغسل الأموال وتقديم المساعدة المالية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
عندما صعد الملك سلمان إلى العرش، أمّن كبار قادة حماس لقاء معه ومع ابنه صاحب الطموح المفرط في عام 2015، وسار الاجتماع بشكل جيد حتى أطلق سراح ماهر صلاح، ومع ذلك، سرعان ما تبدد تفاؤل الحركة عندما اتخذ محمد بن سلمان إجراءات صارمة ضد وجودهم في المملكة في رحلته إلى السلطة المطلقة.
كانت إسرائيل هي العامل الحاسم في تغيير مسار العلاقات السعودية- حماس، حيث نجحت في إحداث انفصال كامل بينهما، لقد تجنبت حماس بشكل معقول التصعيد بعد الأحكام القاسية على أعضائها، وكان بيانها حول هذه القضية معتدلاً بشكل ملحوظ، من أجل إبلاغ محمد بن سلمان بأنهم ما زالوا يأملون في أن يتمكنوا من تجاوز خلافاتهم.
ومع ذلك، يبدو أن الابتعاد عن حماس بشكل لا رجعة فيه هو جزء من مهر محمد بن سلمان يعرضه على حكومة إسرائيل لأجل علاقات أوثق غير سرية في محاولة لحماية عرشه وتعزيز قوته الإقليمية.
يبدو أن إسرائيل مسرورة لرؤية الخلاف في العلاقات السعودية مع حماس والعلاقات السعودية الفلسطينية بشكل عام، وهي الخلافات التي ساعدت الحكومة الإسرائيلية وفريق ترامب على توسيعها.
محمد بن سلمان، الذي يعتقد بشدة أن الطريق إلى واشنطن العاصمة يبدأ في القدس وتل أبيب، حريص على الحصول على حصانة من شأنها أن تحميه من عواقب أخطائه، مثل اغتيال خاشقجي.
يعتقد بن سلمان كذلك أن تقديم نفسه على أنه أقرب حليف لإسرائيل في الشرق الأوسط من شأنه أن يكسبه تعاطف القادة الجمهوريين والديمقراطيين الموالين لإسرائيل بشكل ضروري لجعل حكمه لا غنى عنه في إسرائيل.
الجدير بالذكر أن محمد بن سلمان وإسرائيل فيما يبدو يتجاهلان أن التحالف القائم على إلقاء الفلسطينيين تحت الحافلة سيُنظر إليه في الشارع العربي على أنه تحالف بين ملك استبدادي ونظام فصل عنصري، وأن هذا سيؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية لإسرائيل والغضب ضد الحكام العرب القمعيين الذي قد ينفجر في النهاية.
المصدر:هاآرتس