من مقال للشاعر الكبير عبدالله البردوني –
الشعوب تحتاج إلى التاريخ الثوري في فترات التعطل لكي يتحقق الامتلاء وفي فترات الامتلاء لكي تمتد جذور الخصب التاريخي.
لا شك أن ثورة الحسين بن علي من أهم حركات ذلك الحين ومن أخصب الحركات فكرياً إلى اليوم، وربما تنتسب فكرية هذه الأحداث إلى فرادة بطلها في تلك الفترة الخاملة، فقد كاد الناس في ذلك الحين أن يرضوا بما يكرهون فلم يكن في ذلك الجيل أحد يجهل فضل الحسين على يزيد ويعرف أن يزيداً امتداد وراثي لأبيه لم يرشحه الواقع ولم تؤازره الكفاءة وكان الناس مجمعين على عدم شرعية الحكم بالإرث لأن الخلافة بيعة وشورى، ومع هذا ران السكون على بقية الصحابة والتابعين فتوقف البعض عن عمل أي شيء وانتظر البعض الفرج ومال البعض إلى الزهد يأساً من الدنيا وأملاً في الله.
وفي إبان هذا التخاذل نهض الحسين مستجيباً لدعوة الشعب بعد أن تلقى بيعة أهل العراق وتحريض أهل مكة فخرج بصحبه وأهله من مكة إلى كربلاء واثقاً بنصر الله وبإرادة أصحاب المصلحة من حكمه لأن الحكم الوراثي الذي تلقفه يزيد عن أبيه لا يرى في الحكم مصلحة الناس ولا تحقيق غاياتهم لأن الحكم أطلق أهم أسباب الفساد المطلق.
يبدو أن الحسين كان عارفاً أنه ليس هناك مفر من النصر أو الشهادة وليس هناك خيار ثالث، وبهذا الموقف الحسيني أصبحت ثورة كربلاء فكرية الثورات الشعبية أجيالاً تلو أجيال، فمن أرومة الثورة الحسينية نشأت العقلية الجدلية بين الإمام القائم والإمام القاعد وبين الاختياريين والقدريين وبين الاثني عشرية وبين ديمومة العترة، فباستشهاد الحسين تعددت جوانب التفلسف في شروط الحاكم ومؤهلات الحكم وزعامة الأفضل وصلاحية المفضول مع الإجماع.
لهذا أصبح دم الحسين واستشهاد زيد تأججاً ثورياً فانهار العهد الأموي في مدة 92 سنة، هذه النهاية الأموية كانت نهاية فترة سياسية وبداية عمر طويل من الجدل العقلي والاقتتال الفكري والصراع المسلح، لأن الشيعة الذين أسقطوا العرش الأموي كانوا يعبرون عن حقد ضد المروانيين أكثر مما يعبرون عن أيديولوجية تشيعية، إذ لم يفطنوا إلى الفرق بين الفاطميين أحفاد بطل كربلاء وبين الهاشميين أحفاد العباس بن عبدالمطلب، فلاقت ذرية كربلاء على أيدي خلفاء بني العباس كالذي لاقوا على أيدي المروانيين واشتهرت فكرة تقديم العم في الإرث على أبناء البنات.