إن إحياءنا لهذه الذكرى هو واحدٌ من تعابير حبنا وولائنا وارتباطنا بسيد الشهداء الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) (حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط) .
تعبير عن ارتباطنا بالمنهج والرؤية والموقف الذي تَحرَّك على أساسه ومن خلاله وبه الإمام الحسين عليه السلام، وهي رؤية القرآن الكريم، وهي منهجية الإسلام العظيم، وهي مسلك رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله.
إحياؤنا لهذه الذكرى هو تخليد لنداءات ومواقف «الحسين» (عليه السلام) بكل عطاءاتها وآثارها الإيجابية العظيمة في أنفسنا وواقعنا وبكل ما تُزودنا به في عزمنا، واندفاعنا، وتفاعلنا في مواجهة الطغيان اليزيدي المعاصر المتمثل بأمريكا وأدواتها الإجرامية في المنطقة.
إحياؤنا لهذه الذكرى تعبيرٌ أيضاً عن موقفنا المبدئي الإيماني الديني ضد الظلم والظالمين في كل زمان ومكان، وتجاه أفظع جريمة في تاريخ الأمة، وداخل الأمة على أيدي محسوبين عليها، من يستسيغها يمكن أن يستسيغ ويتقبَّل ويشرعن أي ظلمٍ، وأي فسادٍ، وأي إجرامٍ، وأن يقدِّسه، فالذين يقدسون من مضى من الظالمين هم اليوم أنصار الظلم وحملة رايته في حاضر الأمة.
منطلقات الثورة الحسينية
الدافع الإيماني:
الإمام الحسين (عليه السلام) فرض عليه واقعه الإيماني أن يتحرك لتغيير الواقع المظلم الذي وصلت إليه الأمة ولذلك قال (رضوان الله عليه):((أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله أن يدخله مُدْخَله)).
من واقع الشعور بالمسؤولية:
الإمام الحسين تحرك مستشعراً مسؤوليته الكبيرة تجاه أمة جده يقول (عليه السلام): ((ما خرجت أشِراً ولا بطِراً ولا متكبراً ولا ظالماً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)).
مواجهة الطغيان ورفض خيارات الاستسلام
الإمام الحسين (عليه السلام) خرج لمواجهة الطغيان اليزيدي الذي يريد أن يفرض على الإمام الحسين (عليه السلام) أن يقبل بالذلة ويبايع أبناء الطلقاء فهو تحرك بروحية عالية إباء وعزة ونفس أبية وأنف حمية لا تقبل بالظلم ولا تستسيغ الباطل، ولا ترضخ لأكابر المجرمين وطغاة الأرض المفسدين، كما كانت ثورته ضرورة ليس لوقتها فقط بل ليبقى لها امتدادها عبر الأجيال حتى تتحضر الأمة للتغيير الكامل ولو أن الإمام الحسين (عليه السلام) صمت لأسس للصمت ولحاول الطغاة أن يقدموا صمته على أنه دليل على شرعيتهم أو على الأقل شرعيةٌ للصمت والاستكانة والاستسلام والعجز والخنوع والقبول بالإذلال.
الحسين رمزاً وقائداً ومعلما
نستذكر الحسين الرمز والقائد والمعلم لنتحرك من مدرسته القرآنية المحمدية في مواجهة كل التحديات، ولنتحمل مسؤوليتنا في مواجهة الظلم والعمل على إصلاح الواقع، ونحن ننطلق من نفس الرؤية التي انطلق من خلاها الإمام الحسين (عليه السلام) والتي منبعها القرآن الكريم ونهج النبي الأعظم، هذه الرؤية تعلمنا أن أكبر خطرٍ على الأمة أن يحكمها ويسيطر على أمرها ظالمون مجرمون فاسدون مفسدون طغاة متكبرون وأن تتحكم بها حكومات جائرة، هذا هو الخطر الأكبر على الأمة.
أهمية العودة إلى التاريخ والاستفادة من أحداثه
نحن في هذا العصر أمامنا رصيد هائل من الأحداث، أمامك كربلاء، وأمامك يوم الحرة، وأمامك ضرب الكعبة، وأمامك استشهاد زيد، واستشهاد أصحاب [فَخْ]، وأمامك الأحداث تلو الأحداث الرهيبة التي تكشف لك عواقب التفريط والضلال والتقصير والجهل.
إذا كنت لا تريد أن تكتفي بهذه الشواهد – التي هي شواهد حية، أحداث تجسدت في التاريخ بل تريد [موديلاً] جديداً من الأحداث – فأنت أيضاً أسوأ ممن قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أولئك الذين خرجوا ليشهروا سيوفهم في وجه الحسين هم ملعونون، ألسنا نلعنهم.
لا يجوز بحال أن نظل قاصرين في وعينا إلى هذه الدرجة وأمامنا هذا الرصيد المهم من الأحداث طوال التاريخ.
أكرر هذا؛ لأنها حالة نلمسها عند الجميع، ولأنها حالة قائمة لاحظ كيف أننا نقتنع بالمبررات الواهية المكذوبة التي ليست منطقية ولا معقولة ولا واقعية، يُصدِّرها الأمريكيون، يُصَدِّرها اليهود وعملاؤهم فيتحدثون بها فنقتنع، ونسكت ونجلس، بل نحن من وصلنا إلى أن نجعل تلك الحالة هي الحكمة، أصبحنا نعتبر قصور وعينا وجهلنا هو الحكمة.
إن الحكمة أن تعود إلى التاريخ، وتعود إلى القرآن، وتأخذ العبر والدروس من خلال تلك الأحداث، وتأخذ المقاييس الثابتة والوعي والبصيرة من خلال القرآن الكريم هنا الحكمة
الأحداث التاريخية نفسها هي كافية أن تعطي العبرة ناهيك عن الأحداث التي نحن نعاصرها، تلك الأحداث، والقرآن الكريم هي من يجعلنا نفهم مصالحنا ونفهم أمننا، ونفهم أين هي [العصا الغليظة] عصا جهنم وعصا الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.
التفريط وراءه الكثير من النكبات
عندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور، أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل، ومن يحاول أن يضع لكل قضية حداً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه. ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة.. يمكن أن يُصفى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية!.
بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات، والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.
ما أسوأ الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوأ من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول.(دروس من وحي عاشوراء)
كيف نستفيد من الثورة الحسينية في مواجهة العدوان الإجرامي؟
أولاً: التحرك الإيماني في سبيل الله ومن أجل الله والتوكل على الله مهما كانت الظروف والتحديات
ثانياً: إدراك جدوى التحرك الجهادي في حماية الأمة وصون الكرامة واليقين بأن لا خيار لنا سوى المواجهة لأن البديل هو الذلة والخنوع لأولياء الشيطان وأدواتهم ونتيجته الخزي في الحياة الدنيا والآخرة.
ثالثا: اليقين بأهمية الصمود والاستبسال وأن التضحية في سبيل الله ليست خسارة وأن الشهادة في ميادين العزة والكرامة أفضل بكثير من حياة الذلة والاستلام لقوى الطاغوت.
رابعاً: أن نفهم عدونا وغاياته وأهدافه الإجرامية وأن لاشرعية دينية للقتلة والمجرمين مهما تلبسوا بأقنعة الزيف والتضليل.
خامساً: التنبه إلى خطورة التخاذل والتفريط الذي يعتبر جناية كبيرة وذنب عظيم وتلحق آثاره السيئة أجيالاً قادمة سيكون المفرطون من يتحملون أوزارهم.
سادساً: نحن في مرحلة إما أن يجند الإنسان نفسه في سبيل الحق أو يساق رغما عنه إلى ميادين الباطل.
سابعاً: لندرك قيمة العظماء وأن خسارتهم تعتبر خسارة عظيمة، كما أن في تاريخ أهل البيت الكثير من العظماء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل وفي المقدمة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي يجب أن نتأسى بهم ونقتدي بهم ونتعلم منهم.