بعد سيطرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الصندوق السيادي للملكة العربية السعودية السعودية وتفويضه لنفسه بإدارة الاستثمار داخل وخارج المملكة السعودية، من أجل القيام بمشروعات تعمل على تأسيس اقتصاد متنوع يقوم على المجالات المختلفة بدلا من الاعتماد على النفط فقط، كانت اليابان هي الوجهة الأولى للصندوق السيادي السعودي الأولى للاستثمار، حيث أعلن ولي العهد السعودي عن استثمار بقيمة مائة مليار دولار في محفظة سوفت بنك، والذي مقره في طوكيو، ويشتهر في مجالات التكنولوجيا الحديثة، بداية من الذكاء الاصطناعي إلى الاستثمار في مجال الروبوتات، حيث قالت هيئة الاستثمارات السعودية أنها سوف تساهم بثلثي الميزانية المطلوبة.
مختصون في مجال الاستثمار قالوا إن الاستثمار مع البنك يعد اتجاهاً صحيحاً للملكة لتنويع اقتصادها إذا ما كانت الحكومة تملك الخبرة الاقتصادية والاستثمارية المتنوعة بشكل كاف، كما أن الاستثمار في المجموعة اليابانية هو خيار جيد لإتمام رؤية 2030 شرط وجود الكفاءة الاستثمارية ذات الخبرة العالية التي تستطيع التعاون مع سوفت بنك.
دشن ولي العهد السعودي رؤيته الاقتصادية وأعلن عن تنويع اقتصاد المملكة من خلال مجالات التكنولوجيا بالاستثمار في مشروع مدينة نيوم بتكلفة 500 مليار دولار، حيث تعهد البنك حينها بالمساعدة في تنويع اقتصاد المملكة السعودية، لكن في العام 2018، بعدما بدا التدقيق في طبيعة العلاقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمجموعة اليابانية سوفت بنك، بعدما قامت مخابرات المملكة بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، بدأ الحديث الإعلامي السلبي عن سوفت بنك يظهر للرأي العام، حيث تبين وجود خلل في طبيعة العلاقة بين السعودية ومجموعة سوفت بنك.
في هذا الوقت بدأ الإعلام الغربي يبين عوار حكم ابن سلمان الديكتاتوري، وفي نفس الوقت يبين عوار سوفت بنك، وكيف يتصدر قائمة المؤسسات التي تحدث خللا في كافة الشركات الناشئة، فأعلنت السعودية تراجعها عن المشاركة في المحفظة المالية الثانية، بعدما ظهرت خسائرها الكبيرة في المحفظة المالية الأولى، كذلك ظهرت مشكلات في المحفظة المالية الأولى بحسب ما أعلن عنه المدير الإداري لـ “مينا أدفايزرز” وهي شركة بحث واستشارات استثمارية في لندن.
في أواخر العام 2019 بدأت مشكلات كبرى تظهر في الشركة الأمريكية (وي وورك) والتي كانت سوفت بنك قد أعلن عن استثماره فيها بمبلغ 18.5 مليار دولار، إضافة إلى شركات أخرى لم يعلن عنها حينها، فاختتم سوفت بنك عام 2019 بخسائر مالية قدرت بنحو 13 مليار دولار.
في عام 2020 تواصلت الخسائر وازدادت أزمة ابن سلمان الاقتصادية داخل السعودية، وتزايدت أزمات سوفت بنك المالية بسبب أزمات فيروس كوفيد 19، بسبب تراجع أسهم الشركات التي استثمر فيها سوفت بنك أموال السعودية، حيث فقدت المحفظة المالية خلال الأشهر الأولى من عام 2020 ما قيمته 18 مليار دولار. ولم يتوقف نزيف الخسائر بفشل تلك الصفقات في أواخر 2019، فقد توالت خسائر ابن سلمان وسوفت بنك على رغم تحقيق بعض المكاسب التي لم يتبين كيفية حصول المملكة عليها.
في وقت التعاقد على استثمار المملكة العربية السعودية بمبلغ 33 مليار دولار مع مجموعة رؤية التابعة لسوفت بنك، أعلن سوفت بنك أن مجموعة رؤية استثمرت في 88 شركة، وأن استثمارات ابن سلمان ستكون في 30 شركة، توقع أن تربح منها 15 شركة، وأن تفلس 15 شركة أخرى بسبب ما تعرضت له من هزات اقتصادية كبيرة، بعدما تم ضخ استثمار المملكة فيها، فكانت مراهنة المملكة على الرؤية الاقتصادية التي أعلن عنها سوفت بنك مراهنة كارثية، فقد كان الأمر أشبه بحادث تصادم مروع، على رغم ما كان يقوله بعض الخبراء المحسوبين على سوفت بنك، بأن الضرر الواقع على المملكة لن يكون خطيرا، كما يقول خبراء آخرون، وأن شركة واحدة من الشركات الرابحة سوف تعوض الخسائر المحتملة، وضربوا مثالا بشركة أوبر التي استثمر فيها سوفت بنك.
بالنظر إلى قيمة المبالغ التي ضخها ابن سلمان للاستثمار مع سوفت بنك، فإن ما قيمته 21 مليار دولار تم ضخها في الشركات الرابحة، وما قيمته 12 مليار دولار قد استثمرت في شركات تعرضت للإفلاس، بما يعني أن ثلث استثمارات المملكة مع سوفت بنك قد تم خسارتها.
قيمة الـ 21 مليار التي استثمرت في الشركات الرابحة حققت عائدا بنسبة 7% في العام، لكن على رغم ذلك لم تظهر مراحل صرف تلك الأرباح، ولا كيف حصلت خزانة المملكة السعودية على دفعات الأرباح تلك، وهو ما دفع مختصين في مجال التدقيق لاتهام حكومة المملكة بالتعامل الخفي مع البنك، أو بالأحرى اتهام ابن سلمان بالحصول على أرباح الأموال المستثمرة في شركات رابحة، دون ردها إلى خزائن الدولة، أو إعادتها إلى صندوق الاستثمار السيادي للمملكة، وهو الصندوق الذي اقتطع من موارده 33 مليار دولار.
مع تدهور الاستثمارات التي يقوم بها سوفت بنك، لأزمات عدة كان أهمها أزمة انتشار فيروس كوفيد 19، بدأت النظرة الوردية إلى الاستثمار مع سوفت بنك تتغير، فبادرت حكومة المملكة بإلغاء الاستثمار في المحفظة المالية الثانية، ولم تفصح عن أي معلومات بما يخص المبلغ الذي تم استثماره في المحفظة المالية الأولى، ولا العوائد التي حققتها من خلال الاستثمار فيها بمبلغ 33 مليار دولار.
خبراء مختصون في الاستثمار، رأوا أن سوفت بنك ذو خبرة واسعة في مجال الاستثمار، وأن هذه الأزمة التي مر بها، ليست هي الأصل في عمله، وإنما هي أزمة مؤقته، لكن من سوء حظ ابن سلمان أنه جاء في تلك المرحلة.
وانطلاقا من كلامهم، فمن الواضح أن ابن سلمان اكتسب صفة أخرى غير انعدام الخبرة، ومراهقة التفكير، وهي سوء الحظ، فما أقدم على شيء إلا جنى من ورائه الفشل، والأمثلة كثيرة، كحادثة خاشقجي التي فضحت إجرامه، ومشروع نيوم الذي فضح مراهقة تفكيره، وفشل رؤيته الاقتصادي للمملكة، ومؤخرا مشروع ذا لاين الذي داعب أحلام الناس به وهو أشبه بوهم.
من الواضح أن فشل أبن سلمان لم يعد يرتبط بشخصه، بل بات له أثر السحر في كل المشروعات والمؤسسات التي يتعامل معها، أو يستثمر فيها، ومجموعة رؤية وسوفت بنك خير دليل. بناء على معلومات عمليات الاستثمار خلال الفترة التي ضخ ابن سلمان أموال المملكة فيها.
كان من المفترض أن يطلق سوفت بنك محفظته الثانية باستثمار للمملكة السعودية، والإمارات، ومن الواضح بعد كل الخسائر التي منيت بها المملكة أن الدفع كان من حكومة الإمارات التي كانت توجه المملكة أول فترات ابن سلمان، لكن المملكة سارعت بإعلان عدم الاستثمار في المحفظة الثانية.
مؤسسة “غالف ستيتس أنالاتيكس” في واشنطن، علقت على خسائر المملكة وأزمات سوفت بنك قائلة: “كان سوفت بنك استثماراً سيئا للجميع ومن ناحية المفهوم والتنفيذ” و”كان استثماراً طويل الأمد (للهيئة السعودية) ولكنه ارتطم بالحائط، وامتزجت السياسة فيه كثيرا ولهذا فقد يترك مرارة في بعض الأفواه السعودية”.
من الجدير بالذكر أن الحكومة السعودية كانت تأمل الاستفادة من الشركات الناشئة والتكنولوجيا المتقدمة والاستفادة منها محليا وفي مشاريع التنويع وكذا في مدينة نيوم. وكما أخبر محمد بن سلمان موقع “بلومبيرج” في مقابلة عام 2017: “نريد أن يكون الروبوت الرئيسي وأن يكون نيوم، الروبوت الأول. وكل شيء سيرتبط بالذكاء الصناعي وبأمور الإنترنت، كل شيء”. ولكن مشروع “نيوم” في ظل الأزمة المالية الحالية أصبح محلا للنقاش وفيما إن تم تأجيله أو وضعه على الرف.
إن خصصة أرامكو على المدى البعيد قد تساعد في أن تكون مبيعات أسهمها طريقة لزيادة خزينة الهيئة إلى 3 تريليونات دولار، وهو أمر صعب وليس ظاهرا في ظل تشكك المستثمرين الدوليين في عملية الاكتتاب الأولى وعندما كانت أسعار النفط مرتفعة، لكن انخفاض أسعار النفط قد على خطط أرامكو لشراء 70% من أسهم شركة البتروكيماويات –سابك- من هيئة الاستثمارات العامة بمبلغ 69.1 مليار دولار. وبسبب الأزمة الحالية انخفضت قيمة سابك بمعدل 40% هذا العام وأصبحت قيمتها 45 مليار دولار مما يعني أن 25 مليار دولار يجب أن تدفعها أرامكو. ويرى فيف أن “تراجع أسعار النفط ترك أثره على صفقة سابك وكيفية استخدام موارد أرامكو”.
مختصون في الاستثمار قالوا إن سوفت بنك سيتعافى من أزمته مع الوقت، فلا أحد ينكر أن أرقام سوفت بنك كانت كارثية لو تم النظر إليها بسياقها، لكن استثمارات الهيئة أثناء كوفيد-19 في عدد من الصناعات ستثمر في المستقبل” وهناك قروض وأموال يمكن من خلالها الاستثمار حول العالم”. إلا أن الأثر الكبير على هيئة الاستثمارات هي أرامكو التي تراجعت أسهمها بسبب انهيار أسعار النفط مما سيؤجل أي خطط لخصخصة أجزاء منها، وهو ما دفع مغردون يسخرون من ولي العهد السعودي، معتبرين أنه كان نحسا على البنك وكافة الشركات المستثمرة فيه، حيث خسرت خسائر كبيرة، واهتزت سمعة البنك في مجال الاستثمار، لكنه ما إن أعلن ابن سلمان عن عدم استكمال الاستثمار في محفظته الثانية حتى أعلن عن تعافيه من آثار الأزمة.