حضرَ وفدٌ من صحفيين وإعلاميين يمثلون مختلف الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية لقاءً نظّمته اليوم لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، بحضور عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة الوزير د. أحمد مجدلاني، وعددٍ من الشخصيات القيادية.
وتناول اللقاء عددًا من القضايا والتساؤلات التي طرحها الإعلاميون الإسرائيليون على الوزير مجدلاني، فيما يتعلق بموقف منظمة التحرير الفلسطينية، والظروف المرتبطة بالصراع الراهن حول إنهاء الاحتلال ومسائل تتعلّق بقضايا الوضع النّهائي، بالإضافة إلى ما يتعلق بالشأن الفلسطيني الداخلي في مسائل الانقسام، وسُمعة السلطة الوطنيّة الفلسطينية.
متغيرات دولية
استعرضَ د. مجدلاني في كلمته الترحيبية القراءة الفلسطينية الرسمية للوضع الراهن، في ظلّ المتغيرات التي استجدّت بانتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن وتوجهاته الداعمة لتطبيق حلّ الدولتين، بما يُنهي توجهات إدارة ترمب وصفقة القرن.
واعتبرَ مجدلاني أنّ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة، بشكلها الائتلافيّ بين قوىً يمينية ويسارية وعربية فلسطينية، بدايةُ تغيير في المجتمع الإسرائيلي، وإن كانت هذه الحكومة في المنظور الفلسطيني “غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة في مسائل حساسة باتجاه إنهاء الصراع، إلا أنّها قادرة على تثبت نفسها باتخاذ خطوات تفتح أفقًا سياسيًّا في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية”.
وأشار إلى أنّ القيادة الفلسطينية تستجيب لفكرة إجراءات بناء الثقة “فالثقة بين القيادة والجانب الرسمي الإسرائيلي مفقودة، منذ وصول عملية السلام إلى طريق مسدودة” ولكن القيادة تعتبر أنّ المناخ الدولي الراهن “عاملٌ مساعدٌ على فتح آفاق سياسية، مع التأكيد على أنّ السلام بين إسرائيل والعرب ليس بديلا حقيقيًّا عن السلام مع الشعب الفلسطينيّ”.
وأضاف: القيادة الفلسطينية جاهزة لفتح آفاق السلام بالاعتماد على قرارات الشرعية الدولية، وتبحثُ عن شريك حقيقيّ داخل إسرائيل لاتخاذ خطوة باتجاه السلام وتنفيذ حلّ الدولتين.
العلاقة مع حكومة بينيت ومنصور عباس
نفى مجدلاني أن تكون الاتصالات بين الحكومة الفلسطينية والائتلاف الحكوميّ الإسرائيلي بقيادة بينيت ذات طابع سياسيّ، وأكّد أنّها على مقتصرة على مستوى متطلبات الحياة اليومية للشعب الفلسطيني فيما يتعلق بالعلاقة بين وزارتي الماليّة، وترتيبات مكافحة وباء كورونا بين وزارتي الصحة، ولا ترتقي تلك الاتصالات لما هو أكثر من ذلك.
وفي سياق متصل نفى أن تكون للقيادة الفلسطينية أية اتصالات أو مشاورات أو محاولات للتأثير على الحكومة الإسرائيلية عبر النائب في الكنيست عن القائمة الموحدة منصور عباس، وأكّد أنّ “انخراطه في الحكومة الإسرائيلية هو شأنه الخاصّ”.
تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية
وفيما يتعلّق بتساؤلٍ طرحه الحضور عن حجم الجمهور المؤيد لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية في ظل موقف حركة حماس تجاه حلّ الدولتين، أوضح مجدلاني أنّ “النظام السياسي الفلسطيني قويّ ومستقرّ”، ولا يمكن الاستناد إلى استطلاعات مرحلية أو لحظية متغيرة تشير إلى أحداث محدّدة في قراءة موقف الشعب الفلسطيني من المشروع الوطنيّ، وأشار إلى أنّ “حماس لا ترفض حلّ الدولتين، وتقبله وبحلّ تفاوضيّ، وهو ما أعلنته منذ عام 2016.
الحياة الديمقراطية وسمعة السلطة
وردًّا على التساؤل حول مسألة الديمقراطية حسب تعبير أحد الصحفيين، بما يعيق إمكانية صنع السلام معها، قال مجدلاني: النظام السياسي الفلسطيني لا يعني السلطة الفلسطينية بل منظمة التحرير الفلسطينية، التي تفاوض إسرائيل وباسمها نتحدث إلى العالم، والمنظمة جدّدت شرعياتها بمجلسها الوطنيّ ولجنتها التنفيذية عام 2018، أمّا السلطة الفلسطينية فهي إطار انتقالي مؤقت بموجب اتفاقية أوسلو لإدارة الشؤون الحياتية واليومية في فلسطين، ومن يعيق استكمال الحياة الديمقراطية بعقد الانتخابات هي الحكومة الإسرائيلية”.
أمّا عن سمعة السلطة الفلسطينية، فأكّد مجدلاني على أنّ النهج الحكوميّ والفلسطيني عمومًا يؤكد على صيانة الحريّات وحريّة التعبير، فمنذ البداية نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية بتعددية فكرية وسياسية وحزبيّة صانها الفلسطينيون منذ العام 1964، وبالإشارة إلى حادثة وفاة الناشط نزار بنات خلال اعتقاله، قال إنّ كلّ من كانوا طرفًا في الحادثة أحيلوا إلى القضاء الفلسطينيّ، وما جرى حادثة ليست مقصودة أو مُدبّرة، ولا تدلّ على نهج مُخالف للإيمان بالديمقراطية التي لا تُعتبر إسرائيل نموذجًا أمثل عليها.
الانتخابات في القدس
ولم يتغيّر موقف منظمة التحرير من مسألة إجراء الانتخابات الفلسطينية، فالقدس شرطٌ أساسيّ للانتخابات، وتنفيذها دون القدس يعني “اعترافًا بضمّها لإسرائيل” حسب توضيحات مجدلاني، وفي هذا السياق قال إنّ “بين إسرائيل ومنظمة التحرير بروتوكولا متفقًا عليه منذ العام 1994 بموجبه أُجريت الانتخابات الفلسطينية في القدس، لكنّ حكومة نتنياهو أنكرته كما أنكرت الاتفاقات السابقة”.
الانقسام الفلسطيني
حول هذا الجانب من التساؤلات، وتحديدًا إن كان توحيدُ شطري الوطن مسألة مرتبطة بالاتفاق أو الحرب الأهلية، كما تساءل أحد المراسلين الإسرائيليين، أوضحَ مجدلاني أنّ الوحدة الفلسطينية إمكانيّاتها قائمة وتوحيد الضفة الغربية بقطاع غزة سياسيًّا بإنهاء الانقسام لن يكون بحرب أهلية، ومن يريدُ الحرب الأهلية هو من يحرّض على تطوير “الانقسام إلى انفصال نهائي” وهو ما كانت تعمل عليه حكومة نتنياهو خلال الفترة الماضية عبر ما وصفه مجدلاني “سياسة التهدئة مقابل المال”… فالانقسام “كان وسيلة لنتنياهو من أجل الهروب من استحقاقات حلّ الدولتين”.
وأضاف: “منذ آذار الماضي نجحنا في الاتفاق مع حركة حماس، وحوارات القاهرة ستكون أساسًا لاستكمال الحوار الفلسطيني، وهذا سيكون قريبًا في ظل المتغيرات الدولية، وسترونه قريبًا”.
الاستيطان والسلاح الفلسطيني
حول هذه النقطة التي أثارها أحد الصحفيين بعبارة: من يريد السلام لماذا لا يضع سلاحه جانبًا؟ قال مجدلاني: هذه دعوة للاستسلام، والسلاح لسنا من يمتلكه بل جيشٌ من المستوطنين تعداده 200 ألف مستوطن يتواجدون في أرض الدولة الفلسطينية كميليشيا مدعومة من جيش الاحتلال، ولا يمكن الحديث عن السلام مع هذه الميليشيات التي تعتدي يوميًّا على الفلسطينيين، وتتصاعد تلك الاعتداءات بشهادات جنود إسرائيليين كسروا الصمت، وتحدثوا مؤخرًا لصحيفة هآرتس عن أعمال الاعتداء والعنف الممارس من المستوطنين تجاه المواطنين الفلسطينيين.
إعلان الدولة الفلسطينية والحدود
فيما يتعلّقُ بقدرة منظمة التحرير ووضع مؤسسات الدولة التي أنشأتها المنظمة منذ اتفاقية أوسلو التي تؤهّلُ لإعلان دولة فلسطينية مستقلة من طرف واحد، أجابَ المجدلاني: الدولة الفلسطينية أعلنت منذ العام 1988 وتم الاعتراف بها في الأمم المتحدة في العام 2012، وليست الإشكاليّة في أن “نُعلن الدولة التي بالمناسبة تعترف بها 140 دولة بأكثر مما هو مُعترف بإسرائيل، بل الإشكالية في استمرار احتلال إسرائيل لدولة فلسطين، وإصرارها على إنكار كلّ ذلك”.
وفي هذا السياق طالبَ المجدلاني بأن تُقدّم إسرائيل حدودها الرسمية، التي لا يعرفها أحدٌ منذ تأسيسها، وأوضح أنّ مسألة الحدود تتبع قضايا الحلّ النهائيّ، ولم يُتّفق عليها حتّى الآن بترسيم نهائيّ يستند إلى خطوط حزيران 67، بعد تساؤل يهدف إلى التشكيك في التزام منظمة التحرير الفلسطينية بحل الدولتين، نظرًا إلى أنّ شعار المنظمة يحملُ خارطة فلسطين التاريخية في حقبة الانتداب.
الشباب الفلسطيني ومستقبل الصراع
حول هذا الجانب الذي طُرح في ختام اللقاء، قال المجدلاني إنّ المجتمع الفلسطيني في غالبيته من فئة الشباب، الفئة التي تحتكّ بالعالم ومواقع التواصل الاجتماعي بما يجعلها “لا تقبل الثقافة الجاهزة على طريقة الأطعمة السريعة” في إشارة منه إلى قدرة الشباب الفلسطيني على تحديد مواقفهم وخياراتهم. وبهذه الصيغة طرق مجدلاني جدار التحذير من مستقبل سيأتي إن بقي الشباب الفلسطيني لا يرى في إسرائيل إلا المستوطنين والاحتلال بممارساته على الحواجز العسكرية، والتنكيل الذي يُمارس بحقه بشكل يوميّ، وهو ما يجعله متشكّكًا لا يثقُ بإمكانيات صناعة السلام مع الشعب الإسرائيلي، ويتعرّض إلى انعدام الأمان والأمل، ومزيد من التشدّد.
وفي السياق ذاته اختتم مجدلاني بقوله: إن كانت القيادة الفلسطينية قادرة اليوم على صناعة السلام، إلا أنّ استمرار الأوضاع الراهنة لن يشكّل ضمانة للمستقبل الذي يمكن ألا يحملَ قيادة فلسطينية قادرة على صناعة السلام كالقيادة الحاليّة.