رفعت الولايات المتحدة الأمريكية وتيرة “الابتزاز” بالملف الإنساني والاحتياجات المشروعة للشعب اليمني، بعد تفاقم خسائر أدواتها من المرتزِقة والتكفيريين، الأمر الذي يجدد التأكيد على صحة قراءة صنعاء للسياسة التي تعتمدها إدارة بايدن في التعامل مع مِلف اليمن، وصوابية الموقف الثابت من هذه السياسة العدوانية.
في هذا السياق، نفّذ المبعوثُ الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، زيارةً سريعةً للسعوديّة قبل أَيَّـام، وقد تمحورت هذه الزيارة بشكل رئيسي -بحسب تصريحات وبيانات الخارجية الأمريكية– حول مناقشة “واردات الوقود، والاقتصاد، والأسعار”، وقد توازى ذلك مع تجديد الاتّهام لصنعاء بـ”رفض الحل السياسي”، وهو أَيْـضاً ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي جدّد التأكيدَ على أن بلاده تدعم ما أسماه “الخطة السعوديّة لإنهاء الحرب” وَ”تؤيد بقوة حق المملكة في الدفاع عن نفسها”، رابطاً بين “الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم” وضرورة توقف صنعاء عن “التهام المزيد من الأراضي”، حسب تعبيره.
هذه التصريحاتُ والتحَرّكات جاءت عقيب فشل التصعيد الذي تبنته السعوديّة والولايات المتحدة بشكل معلَنٍ في البيضاء، والذي تمكّنت صنعاء من تحويله إلى فرصة لتحقيق مكاسب استراتيجية مهمة على الأرض.
ويُفهَمُ من تلك التصريحات، أن الولايات المتحدة تنوي تصعيد “الضغوط” التي تحاول ممارستها على صنعاء فيما يتعلق بالملف الإنساني والوضع الاقتصادي؛ مِن أجلِ الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية أبرزها وقف تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه المؤشراتُ التي رافقت التصريحات والتحَرّكات الأمريكية، ومنها قرارات مضاعفة الأزمة الاقتصادية والمعيشية والتي تضمنت ضخَّ دفعة جديدة من الأوراق النقدية المزورة (فئة ألف ريال) إلى السوق، ورفع تعرفة الجمارك إلى الضعف، وهي قراراتٌ لم تكلف حكومة المرتزِقة نفسها عناء المباعدة بينها زمنيا للتمويه، بل اتخذتها في وقت واحد، متجاهلة الوضع الكارثي الحاصل أصلا وبالذات في المحافظات المحتلّة، والانتقادات الكثيفة التي تتلقاها نتيجة ذلك، ما يؤكّـد على أن هناك إرادَة سعوديّة أمريكية واضحة لرفع مستوى الأزمة الإنسانية في هذا التوقيت، مهما كانت الظروف.
تصعيدَ الحرب الاقتصادية بهذا الشكل الانتقامي، لا يبدو مفاجئاً لصنعاء، التي تؤكّـد كُـلّ المعطيات اليوم على صحة قراءتها لطبيعة الموقف الأمريكي من اليمن، حَيثُ كان رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، قد أشار سابقًا، إلى أن الإدارة الأمريكية لجأت منذ بداية العام للحديث عن “السلام” كخدعة؛ مِن أجلِ كسب الوقت وترتيب الصفوف في الميدان، وأنها ستعود بعد فشل محاولة التصعيد في الميدان إلى البحث عن أوراق وخطط أُخرى للتصعيد.
ومن واقع التصريحات والتحَرّكات الأمريكية الأخيرة وما صاحبها من تصعيد للحرب الاقتصادية، يبدو أن الولاياتِ المتحدة لا تحاول حتى أن تثبت خطأ قراءة صنعاء لموقفها، بل إنها تصر على إظهار تمسكها العلني بخيار “الابتزاز”، وتضاعف محاولاتها لفرض مقايضة “لقمة عيش” المواطنين بمكاسب عسكرية وسياسية، كخيار وحيد على الطاولة.
على الواقع، تبدو الأرضيةُ التي تقفُ عليها الولايات المتحدة غير مستقرة، فصنعاء استطاعت بالفعل إثبات عدم جدوى “الابتزاز”، وعدم جدوى محاولات كسب الوقت لترتيب الصفوف، بل استطاعت أَيْـضاً أن تجعل دعاية “السلام” الأمريكية منعدمة التأثير، فزيارات ليندركينغ وتصريحات المسؤولين الأمريكيين أصبحت اليوم مكشوفة بالكامل، ومع مرور الوقت يزداد اتضاح حقيقة أنه لا يوجد شيءٌ اسمه “وساطة” أمريكية ولا سعوديّة، وأن الرياض وواشنطن طرفان يقاتلان معاً في معسكر واحد وكل الاتصالات واللقاءات بينهما هي لأجل تحسين موقفهما في المواجهة لا أكثر.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ تعويلَ الولايات المتحدة على منع استكمال تحرير مأرب أَو وقف الهجمات الصاروخية والجوية على المملكة، من خلال المناورة والابتزاز، يبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، بلا جدوى، ولعل تصعيد الحرب الاقتصادية يعبر في جزء منه عن أن الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة، وأنها ربما تسعى من الآن لتشكيل مشهد ما بعد مأرب، حَيثُ يتوقع أن تكثّـف واشنطن الاستهداف الاقتصادي للبلد؛ بهَدفِ إثارةِ مشاكلَ داخلية كبيرة.
المسيرة