أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء يوم الأحد، قرارات بإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما ورفع الحصانة عن النواب، وتولى السلطة التنفيذية حتى تشكيل حكومة جديدة.
وتأتي اثر ذلك قرارات جديدة، في إطار سلسلة من القرارات للرئيس قيس سعيد، أبرزها تجميد البرلمان وإعفاء هشام المشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، وإعفاء إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني، وإعفاء حسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.
وكان أعلن الرئيس التونسي، أنه قرر تجميد عمل البرلمان وتعليق حصانة كل النواب وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، بذريعة الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مدن، متحدثا عن إجراءات أخرى سيتم “اتخاذها لاحقا حسب تطور الأوضاع”.
وحصل وأن اشتبكت يوم الأحد الشرطة في العاصمة تونس وعدة مدن أخرى مع محتجين طالبوا الحكومة بالتنحي وبحل البرلمان. واستهدف محتجون مقرات حزب النهضة الإسلامي في عدة مدن، في تصعيد للغضب ضد المنظومة الحاكمة، وسط تفشي وباء كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.
قرارات صارمة
تعطيل العمل بالإدارات المركزية
وأمر الرئيس التونسي، قيس سعيد، يوم أمس الاثنين، بتعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية في تونس لمدة يومين.
وذكرت الرئاسة التونسي، في بيان، أن سعيد أصدر “أمرا رئاسيا يقضي بتعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية لمدة يومين بداية من يوم الثلاثاء (27 يوليو).. مع إمكانية التمديد في مدة تعطيل العمل ببلاغ يصدر عن رئاسة الجمهورية”.
وقال البيان: “يتيح هذا الأمر الرئاسي لكل وزير معني أو رئيس جماعة محلية اتخاذ قرار في تكليف عدد من الأعوان بحصص حضورية أو عن بعد. كما يلزم الهياكل الإدارية التي تسدي خدمات إدارية على الخط بتأمين استمرارية تلك الخدمات مع تمكين الرئيس المباشر بكل هيكل إداري أن يرخص في بعض الخدمات الإدارية الأخرى أو القيام ببعض إجراءاتها عن بعد ولا سيما عبر التراسل الإلكتروني”.
وأوضحت الرئاسة التونسية أن هذا القرار يستثنى منه “أعوان قوات الأمن الداخلي والعسكريين وأعوان الديوانة والأعوان العاملين بالهياكل والمؤسسات الصحية العمومية والأعوان العاملين بمؤسسات التربية والطفولة والتكوين والتعليم العالي الذين يخضعون لتراتيب خاصة”.
قرار منع السفر خارج البلاد
وكان أصدرت الرئاسة التونسية، يوم أمس الاثنين، قراراً بمنع مسؤولين من السفر خارج البلاد، شمل وزراء ونواباً ورجال أعمال، في إطار تواصل سلسلة القرارات الانقلابية.
وأكدت إذاعة “ديوان”، التي تبث من مدينة صفاقس، جنوب تونس، أنه “تم منع رجل الأعمال ورئيس النادي الرياضي الصفاقسي المنصف خماخم من السفر اليوم إلى فرنسا لمتابعة حالته الصحية”، وفق ما أفاد به في تصريح للإذاعة.
وأوضحت الإذاعة أن خماخم “أكد أن قرار منعه من السفر لا يشمله وحده، بل يضم كذلك كل رؤساء الأندية الرياضية ورجال الأعمال والمسؤولين والوزراء والنواب ورؤساء البلديات ونوابهم في هذه الفترة، بأوامر من رئاسة الجمهورية”.
المشيشي: سأواصل خدمة الوطن “من أي موقع كان
قال رئيس الحكومة التونسي المعفى من منصبه، هشام المشيشي، إنه لا يمكن أن يكون عنصرا معطلا وإنه سيسلم السلطة لمن يختاره الرئيس التونسي قيس سعيد.
وأوضح المشيشي في بيان أنه ”ومن منطلق الحرص على تجنيب البلاد مزيدا من الاحتقان في وقت هي فيه في أشد الحاجة إلى تكاتف كل القوى للخروج من الوضعية المتأزمة التي تعيشها على كافة المستويات، فإني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصرا معطّلا أو جزءا من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدا”.
وأضاف المشيشي أنه ”محافظة على سلامة كل التونسيين، أعلن أنني أصطف كما كنت دائما إلى جانب شعبنا واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة”. وأشار إلى أنه سيتولى ”تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلفها رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنة التداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة، وفي احترام للنواميس التي تليق بالدولة، متمنيا كل التوفيق للفريق الحكومي الجديد”.
ولفت المشيشي إلى أن “الفترة الماضية اتسمت بتصاعد التشنج السياسي وفشل المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2019 في تكوين حكومة، نظرا للتباين الكبير بين متطلبات الشارع وأولويات الأحزاب السياسية والتي واصلت في ترذيل المشهد البرلماني إلى حد القطيعة بين المواطن والسياسيين”.
وفي ختام البيان، أكد المشيشي أنه سيواصل خدمة وطنه “من أي موقع كان”.
ردود أفعال دولية
قرارات الرئيس تقسم الشارع التونـسي بين مؤيد ومعارض؛ في بلد يتأرجح على محك نهاية الديمقراطية.
ردود الفعل حول اختبار الديمقراطية هذا؛ أجمعت على ضرورة ان تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة. وأبدت أطراف عدة في العالم قلقها من تبعات الاجراءات الرئاسية المفاجئة.
وحث الاتحاد الأوروبي الأطراف السياسية الفاعلة على احترام الدستور، ودعا كافة الأطراف في تونـس إلى احترام الدستور ومؤسساته وسيادة القانون، والتزام الهدوء وتجنب اللجوء إلى العنف حفاظا على استقرار البلاد.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في تصريح مقتضب إن بلاده تراقب التطورات في تونس. وأعرب عن أمله ألا يهدد شئ استقرار وأمن الشعب التـونسي.
بدورها أعربت وزارة الخارجية الألمانية عن قلقها مما يجري وأملها في عودة تونس إلى النظام الدستوري في أقرب وقت ممكن. وأشارت إلى انها لا ترغب بالحديث عن انقلاب؛ وانها ستبحث الوضع مع السفير التونسي وأبدت جاهزيتها للانخراط في مباحثات.
ودعت الخارجية التركية إلى إعادة إرساء الشرعية الديموقراطية؛ وقالت إن الحفاظ على إنجازات تونس الديموقراطية، له أهمية كبيرة للمنطقة وكذلك لتـونس.
فيما دعت وزارة الخارجية القطرية أطراف الأزمة التونسية إلى “تغليب صوت الحكمة وتجنب التصعيد”؛ وأعربت عن أمل الدوحة في أن تنتهج الأطراف التونـسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة.
وفي اليمن، قال عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي في رسالة موجهة الى سعيد؛ إن “العمل على اللحمة الداخلية والحفاظ على الوطن هو المعيار الحقيقي لأي معالجات.
وقال الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر؛ إن تونس تخلصت من أكبر عثرة في طريق تطورها بعد الانتفاضة ضد الإخوان.
هذه الأزمة قد تسلك منحينات مختلفة.. وفي قراءة السناريوهات المحتملة؛ يرى متابعون للشأن التونسي أن أحدها قد يكون العنف في الشارع. فيما يرى آخرون سيناريو مختلف يتمثل في تعيين الرئيس لرئيس وزراء جديد أو عكس ذلك باحكام قبضته على مفاصل البلاد.
وربما باستغلال الازمة لتحويل النظام في البلاد إلى نظام رئاسي؛ أو ربما تفضي التغيرات إلى حوار واتفاق سياسي جديد.
كشف جهات الإنقلاب الخارجية
نقل المغرد الشهير بموقع توتير “مجتهد“، عن مصادر مقربة من وليي عهد أبوظبي والرياض أن الرئيس التـونسي قيس سعيد موعود منهما بـ 5 مليار دولار وديعة في تـونس إذا نجح الانقلاب في تونـس.
وأضاف مجتهد أن قيس سعيد حصل على وعد قطعي أن لا تدخل تونـس في ركود بعد نجاح الانقلاب، مشيراً إلى أنّه وعبر اللجان الالكترونية (السعودية والإمارات) شغّلوا ٧٠٠ ألف حساب الكتروني في الفيسبوك معظمها حسابات روبوتية للتهيئة للانقلاب ثم تأييده.
وقال “مجتهد” إنّ ما يجري في تونس هو انقلاب يقوده الرئيس قيس سعيد لإزاحة النهضة بالكامل على طريقة انقلاب السيسي لإبعاد الإخوان. وأضاف أنّ: الانقلاب تم بالتعاون مع (السيسي وابن زايد وابن سلمان وفرنسا).
وأكد مجتهد إنّ المظاهرات التي خرجت في تونس تحت مسمى (٢٥ أكتوبر) كانت تمثيلية تشبه مظاهرات ٣٠ يونيو في مصر. وتابع المغرد الشهير: “قرار حل البرلمان والحكومة لم يلتزم فيه الرئيس بشرط التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان وبذا فهو غير دستوري”.
وأضاف مجتهد إنّ “خطة الرئيس هي التفرد بالسلطة وشن حملة على النهضة تشبه حملة السيسي على الإخوان ويتحدث الرئيس عن نظام حكم يشبه نظام القذافي في المجالس الشعبية كبديل عن البرلمان والانتخابات”.
وشارك في التهيئة للانقلاب -بحسب مجتهد- شبكة إعلامية تونسية وعربية تديرها الإمارات والسعودية ومصر من خلف الكواليس وتصريحات من جهات مختلفة معادية للنهضة آخرها من الأميرال المتقاعد كمال العكروت المصنف عميلا إماراتيا والذي تبرأت منه معظم الجهات التونسية.
وأكد: دفع الانقلابيون بأكبر عدد من مرتزقة الأحزاب اليسارية للخروج للشارع والتظاهر بالاحتفال بقرار الرئيس، ولأن الأعداد لم تكن كافية لإثبات الابتهاج الشعبي فقد اضطرت العربية ووسائل إعلام أخرى للتزوير واستخدام صور مظاهرات قديمة ودبلجتها كدليل على الفرح الشعبي العارم بالقرار”.
وختم مجتهد قائلا: السعودية والإمارات رغم خلافهما الحالي فهما متفاهمان على دعم هذا الانقلاب وسوف ترون ذلك في تعليقات أجهزة إعلام الدولتين و ذبابهما الالكتروني.
الأمم المتحدة
دعت الأمم المتحدة، في أول تعليق منها على الأحداث الأخيرة في تونس، كل الأطراف المعنية إلى ضبط النفس والامتناع عن العنف.
وقال فرحان حق، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اليوم الاثنين، إن المنظمة الدولية تحث جميع الأطراف في تونس “على ضبط النفس والامتناع عن العنف وضمان بقاء الوضع هادئا”.
وأضاف حق، تعليقا على إطاحة الرئيس التونسي، قيس سعيد، بالحكومة وتجميده عمل البرلمان بمساعدة الجيش: “يتعين حل جميع النزاعات والخلافات عن طريق الحوار”. وامتنع المتحدث الأممي عن توضيح ما إذا كانت المنظمة تنظر إلى ما حدث في تونس على أنه انقلاب أم لا.
رئيس البرلمان الأوروبي
علق رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، اليوم الاثنين، على التطورات الأخيرة في تونس، داعيا جميع الأطراف في البلاد إلى حل خلافاتها بالحوار.
وكتب رئيس البرلمان على صفحته في “تويتر”: “ندعو جميع الأطراف في تونس لاستعادة النظام والعودة إلى الحوار”. وأضاف: “يجب أن يكون الكفاح ضد الوباء ومن أجل مصلحة الشعب محور كل العمل السياسي”.
ولازالت الأجواء متوترة في تونس، بين مؤيد ومعارض لقرارات الرئيس التونسي سعيد، ويبدوا أنه اذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل، ممكن أن تنفجر عسكريا بين الرئيس ومعارضية.