تواصل الإدارة الامريكية مباحثاتها مع حكومتي قطر والكويت لإقناعهما بـ”إيواء” آلاف “المترجمين” واسرهم في قواعدهما العسكرية في البلدين بصورة “مؤقتة” ريثما تصدر الموافقة على منحهم تأشيرات الدخول الى الأراضي الامريكية.
المفاوضات تتم بطريقة “سرية” ولولا تناول وسائل اعلام أمريكية لها ربما ظلت، وتفاصيلها، طي الكتمان، لان الحكومات العربية، او معظمها، لا تملك الشفافية الكاملة التي تمكنها من اطلاع صحفها ومواطنيها على مثل هذه المسائل.
التسريبات الصحافية الامريكية تقول ان هناك اكثر من 20 الف طلب مقدم من مواطنين أفغان كانوا يتعاونون مع احتلال أمريكا وحلف “الناتو” طوال العشرين عاما الماضية، نسبة محدودة منهم من المترجمين، اما الآخرون فربما كانوا يعملون كمتعاونين او عملاء الأجهزة الأمنية الامريكية ضد المقاومة الأفغانية، ودول الجوار.
تعداد الجيش الافغاني الذي انشأته ودربته وسلحته الولايات المتحدة بعد غزوها واحتلالها لأفغانستان لكي يكون الحامي للدولة “الديمقراطية” و”العصرية” الأفغانية يزيد عن 300 الف جندي، وهؤلاء تخلى عنهم “كفلاؤهم” الامريكان، وتركوهم يواجهون مصيرهم باعتبارهم “خونة” في نظر حركة “طالبان” التي باتت تسيطر على 90 بالمئة من الأراضي الأفغانية، ومعظم معابرها الحدودية، وتطرق قواتها أبواب كابول حاليا.
لا نعرف اين وصلت المباحثات بين الحكومة الامريكية ونظيرتيها الكويتية والقطرية حول هذه المسألة، أي “إيواء” هؤلاء “المترجمين”، والمدة التي ستستغرقها اقامتهم في القواعد الامريكية في البلدين، او في “مدن” مصغرة محاذية خارجها، وما اذا كانت مفاوضات موازية تجري في دول أخرى مثل البحرين والأردن والسعودية والامارات في الاطار نفسه، فالتكتم على التفاصيل هو سيد الموقف في جميع هذه الدول، وتعتبر هذه المسألة من الاسرار العسكرية العليا شديدة الحساسية، التي لا يجب على الشعوب الاطلاع عليها.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول النوايا الامريكية الحقيقية من ايواء هؤلاء في قواعدها في منطقة الخليج، فاذا كان الهدف هو انتظار ترتيبات السفر وتأشيرات الدخول الى أمريكا فلماذا تتأخر هذه الترتيبات والتأشيرات أولا، ولماذا لا ينتظر هؤلاء في أفغانستان نفسها حيث من المقرر ان تغادرها جميع القوات الامريكية قبل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) المقبل؟
ثم هناك سؤال آخر: لماذا يتم نقل هؤلاء الى الكويت وقطر مباشرة الى الولايات المتحدة؟ او الى عواصم دول حلف “الناتو” الأوروبية التي شاركت في حرب “تحرير” أفغانستان بأكثر من 160 الف جندي؟
فطالما ان هؤلاء سيتم نقلهم واسرهم على ظهر الطائرات الامريكية من أفغانستان، فلماذا لا تواصل هذه الطائرات رحلتها الى القواعد العسكرية في اليابسة الامريكية، وما اكثر هذه القواعد واضخمها، وأكثرها تجهيزا وراحة لاستقبال هؤلاء “الابطال” الذين خدموا الاحتلال الأمريكي لبلادهم وربما قاتلوا أبناء جلدتهم بصورة مباشرة او غير مباشرة وقتلوا المئات وربما الآلاف منهم؟
عناصر “الخوذ البيضاء” الذين كانوا وما زالوا يخدمون تحت راية قوات الاحتلال الامريكي والاوروبي والتركي في سورية جرى نقلهم من حلب وحماة والغوطة الى الأردن، وعبر الأراضي الفلسطينية المحتلة تمهيدا لترتيب نقلهم الى أمريكا وعواصم أوروبية بعد استعادة الجيش العربي السوري لهذه المناطق، ولم يقيموا ليلة واحدة في المدن “الإسرائيلية” المحتلة، ولا نعرف حتى كتابة هذه السطور ما اذا طانوا قد غادروا الأردن ام ما زالوا على أرضية.
نتمنى ان تتحلى الحكومات العربية والخليجية التي تتفاوض مع أمريكا لجلب “جواسيسها” الى أراضيها، سواء للإقامة داخل القواعد العسكرية، او خارجها، بكل الوعي والتبصر بمخاطر هذه الخطوة قبل اصدار قرار الموافقة، خاصة ان الحفاظ على التركيبة السكانية يتربع على قمة أولويات هذه الدول حسب ادبياتها المتداولة. أمريكا تلقت هزيمة قوية ومذلة بعد عشرين عاما من احتلالها لأفغانستان، وخسرت 3500 جندي من جنودها، علاوة على ترليوني دولار، وربما تضغط على حلفائها العرب حاليا لتحمل جزء من هذه الخسائر، والانخراط في عمليات ثأرية ضد المقاومة الأفغانية، ربما يكون بعض هؤلاء “المترجمين” رأس حربة فيها.. والله اعلم.
رأي اليوم