يلجأُ العدوان الأمريكي السعوديّ إلى الكثير من الأساليب القذرة في حربه على اليمن؛ بهَدفِ تركيعه وهزيمته، لا سِـيَّـما في ظل الإخفاق العسكري المتواصل في جميع جبهات القتال.
في الجانب الأمني، تخوض الأجهزة الأمنية معركة “غامضة” أَو “خفية” لا يعرف أحد بنتائجها وصعوبتها سوى القائمين عليها، إذ تعمل قوى العدوان والمرتزِقة في أكثر من مسار واتّجاه، في محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، من بينها العمل عن كثب على نشر “المخدرات” لتحويل الشباب اليمني إلى “مدمنين”؛ كي يسهل إخضاعهم وابتزازهم.
المسألة هنا ليست اعتباطية، فأمراء السعوديّة أنفسهم هم من يقودون هذه المعركة، وهم الذين يُطلَقُ عليهم مصطلح أمراء “الكبتاغون” كصفةٍ باتت ملازمةً لهم ومعروفة في كثير من أنحاء العالم، ويساندهم في ذلك مرتزِقة العدوان من مختلف تشكيلاتهم وانتماءاتهم السياسية، بما فيهم أصحاب “الحدائق الخلفية”.
قوانينُ وَتشريعاتٌ
وتحتفي دول العالم في الـ 26 من شهر يونيو بـ “اليوم العالمي لمكافحة المخدرات”، ويهدف هذا الاحتفال إلى زيادة الوعي بخطورة المخدرات على الفرد والمجتمع.
وتصل عقوبة التعامل مع المخدرات في غالبية التشريعات العربية والعالمية إلى “الإعدام”، لكنها غالبًا ما تعفي المدمن من العقوبة إذَا اعترف بالإدمان وطلب العلاج.
وينص قانون مكافحة الاتجار بالمخدرات اليمني على الإعدام على كُـلّ من صدر أَو جلب مواد مخدرة؛ بقصد الاتجار أَو الترويج، وكل من أنتج أَو استخرج أَو فصل أَو صنع مواداً مخدرة وكان ذلك بقصد الاتجار، كما يعاقب بالإعدام أَو بالسجن لمدة 25 سنة، كُـلّ من تملك أَو حاز أَو أحرز أَو اشترى أَو باع أَو سلّم أَو نقل أَو قدم للتعاطي مادة مخدرة وكان ذلك بقصد الاتجار فيها بأية صورة، وكذا يعاقب بذات العقوبة كُـلّ من زرع نباتاً من النباتات المخدرة أَو صدّر أَو جلب أَو حاز أَو أحرز أَو اشترى أَو باع أَو سلّم أَو نقل نباتاً من هذه النباتات في أي طور من أطوار نموها هي أَو بذورها وكان ذلك بقصد الاتجار أَو اتجر فيها بأية صورة.
ويُعاقَبُ بالإعدام أَو بالسجن لمدة 25 سنة، كُـلُّ من أدار أَو أعد أَو هيّأ مكاناً لتعاطي المخدرات، وكذا يعاقب بذات العقوبة كُـلّ من قدم للتعاطي بغير مقابل مواداً مخدرة أَو سهل تعاطيها في غير الأحوال المصرح بها.
وَيُحكم في كُـلّ الأحوال بمصادرة الأموال المتحصلة من هذه الجرائم أياً كان نوعها، كما يحكم بمصادرة وسائل النقل التي تكون قد استخدمت في الجريمة وكذا بإتلاف المواد المخدرة المضبوطة.
أضرار المخدرات
وتمتد آثار تعاطي المخدرات لتشمل جميع أجهزة الجسم، ومن أهم وأسرع الأعضاء التي تتأثر بإدمان أَو تعاطى المواد المخدرة هو الدماغ؛ لأَنَّ المواد الكيميائية التي يحتوي عليها المخدر تستهدف زيادة كمية (الدوبامين) الذي يتحكم في مراكز الشعور بالجسم، مما يغير من كيفية عمل خلايا المخ، ويؤثر على قدرة الشخص على اتِّخاذ القرارات المختلفة، ويدفعه بمرور الوقت إلى تجربة أنواع جديدة من المخدرات، أَو زيادة جرعة التعاطي.
وأضرار إدمان المخدرات لا تقتصر على الفرد فقط، بل تمتد لتشمل العائلة والأصدقاء والمجتمع ككل، وتتنوع ما بين أضرار صحية واقتصادية وأمنية، فعلى المستوى الصحي، تتلخص الكارثة في أن مشاركة أكثر من شخص في تعاطي المخدر عن طريق الحقن يسبب انتشار الأمراض الخطيرة مثل الإيدز، والتهاب الكبد الفيروسي، وغيرها من الأمراض الأُخرى المعدية.
أما على المستوى الاقتصادي للمجتمع، فكلما ارتفع عدد المدمنين كلما تدهور الاقتصاد؛ لأَنَّ الشخص المدمن لا يستطيع العمل بدوام كامل، خَاصَّة إن كانت مهنته تعتمد على القوة والتركيز؛ لأَنَّ ارتكاب أي خطأ ولو كان بسيطًا قد يسبب كوارث كبيرة، وهو ما يقلل من الإنتاجية والكفاءة.
وبالانتقال إلى أمن وسلامة الآخرين، فمن أسوأِ الجرائم التي قد يرتكبها الشخصُ المدمنُ هو التعامُلُ بعنف شديد مع الأهل، بالإضافة إلى الاعتداء الجسدي على الآخرين في أي وقت، وكذلك سرقة الأموال والممتلكات، وهو ما يفاقم من أضرار المخدرات وأثرها على المجتمع.
مخطّطٌ قذرٌ للعدوان
واللافتُ أنه وبالتوازي مع الحملة العسكرية الشرسة للعدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، لجأت السعوديّة وحلفاؤها إلى محاولة إغراق اليمن بالمخدرات، في مخطّط ممنهج وقذر لإدمان الشعب اليمني على المخدرات.
هذا المخطّط كشفت عنه وزارة الداخلية خلال ورشة عُقدت في صنعاء، قبل أَيَّـام، مشيرةً إلى أن مدى اعتماد أمراء آل سعود وضباطهم على المخدرات كسلاحٍ أُريد توظيفُه للفتك باليمنيين ومدى ارتباط الرياض وأبو ظبي، وبصورة علنية، بتجار المخدرات والعصابات.
وكانت وزارة الداخلية بصنعاء قد أعلنت في تقرير لها في مارس 2021 عن ضبط ما يقارب من 7 آلاف جريمة تهريب وترويج للمخدرات خلال الفترة من عام 2015 إلى 2021.
وفي حوار له مع صحيفة الثورة في يونيو 2021 قال مدير عام مكافحة إدارة المخدرات، العميد ماجد القايفي: إن اعترافاتِ المتهمين تكشفُ علاقةَ أمراء وضباط سعوديّين بتجار المخدرات، الذين سلّموهم كميات كبيرة من المخدرات، موضحًا أن المتهمين كشفوا أن نقل المخدرات يتم على متن الأطقم العسكرية في المناطق التي يسيطر عليها مرتزِقة العدوان.
وأشَارَ القايفي إلى أن مشكلة المخدرات في بلادنا في تزايد مُستمرٍّ، سواءٌ أكان ذلك على مستوى الجلب أَو النقل أَو الترويج أَو التعاطي، مستدلاً عن ذلك بكميات المخدرات المضبوطة خلال السنوات الماضية.
وأوضح القايفي أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات حقّقت نجاحات متميزة، حَيثُ بلغت الكميات المضبوطة منذ بدء العدوان على بلادنا في مارس 2015 وحتى بداية مايو 2021م 123 طناً و730 كيلو جراماً من مادة الحشيش المخدر، لافتاً إلى أن العدوان يستخدم المخدرات كنوعٍ من أنواع الحرب الناعمة على اليمن، في حين أن الجهات المعنية والمختصين في الجمهورية اليمنية يكافحون المخدرات بدافع ديني ووطني إنساني ويمنعون وصول المخدرات هذه إلى دول الجوار و”نمنع وصولها إلى أيدي شباب الدول التي تقوم بإدخَالها إلى اليمن”.
وتقول وزارة الداخلية بأن تحقيقاتها كشفت نشاطَ هذه التجارة المحرَّمة دوليًّا على نحو ملفت خلال العدوان وبشكل غير مسبوق، رافعة النقاب عن العلاقة الوطيدة بين تجار المخدرات وقوى العدوان.
ويؤكّـد مديرُ مكتب الإعلام الأمني بالداخلية، العقيد نجيب العنسي، أن العلاقة بين العدوان وتجارة المخدرات وثيقة وتسعى لاستهداف تماسك الداخل، مؤكّـداً أن من تم ضبطُهم في عمليات ترويج وتهريب المخدرات من قبل التجار والعصابات على علاقة مباشرة بالعدوان.
ويشير العنسي إلى أن بعضَ عناصر التهريب المسجونين في السعوديّة، أطلق سراحُهم؛ بهَدفِ توظيفِهم في تهريب المخدرات إلى اليمن والعمل على تمويل بعض معسكرات المرتزِقة، منوِّهًا إلى أن أكثر من 3 آلاف مهرّب ومروّج من جنسيات يمنية وغير يمنية، كانوا في السجون السعوديّة وأُطلق سراحهم لهذه الغاية.
ويطرح حديثُ مدير الإعلام الأمني علاماتِ استفهام وتساؤلاتٍ حيال الضبط الأمني للحدود من قبل الرياض على وجه الخصوص وَالتي تدّعي حماية حدودها وتزعُمُ مكافحة ترويج المواد المخدرة، لكنها تسمح للتجار والمهربين بالعبور والتسلل كيفما شاءُوا، وهذا دليلٌ على دورها الأَسَاسِ في إدخَال الممنوعات والمخدرات لليمن، في محاولة لاستهداف الشباب اليمني؛ كون هذا الأمر أصبح اليوم جزءاً من مساعيها للنيل من عزيمة اليمنيين بعد أن أخفقت في معركتها العسكرية.
ويمارس العدوان الأمريكي السعوديّ الازدواجيةَ في الحرب على اليمن، حَيثُ يفرض حصاراً مطبقاً على اليمنيين ويمنع دخول الغذاء والدواء، بينما يسمح لتجار المخدرات بأن يمروا دون أية عراقيلَ، بحسب ما يقوله مدير الإعلام المرئي بوزارة الداخلية نشوان الجعفري.
ويضيف “وهذا ما أكّـدته أدلة وزارة الداخلية، إذ إنَّ تجاراً من الذين كانوا يزودون الداخلَ بهذه المواد الممنوعة كانوا يحملون “رتباً عسكرية” عالية من معسكرات العدوان؛ مِن أجلِ تسهيل مرورهم إلى النقاط العسكرية التابعة للمرتزِقة”.
المحافظات المحتلّة.. بيئة مناسبة
وتشير وسائل إعلامية إلى أن نشر “الحشيش” والمخدرات في أوساط المجتمعات باتت الوسيلة المثلى والأقل كلفة لإخماد أية تحَرّكات شعبيّة واحتجاجات غاضبة، جراء تدهور الأوضاع وغياب الخدمات الأَسَاسية.
وبحسب تلك الوسائل فَـإنَّ مدينة عدن المحتلّة التي تعاني من تدهور حاد في الخدمات الأَسَاسية، المتمثلة بغياب الكهرباء وانقطاع المياه وانقطاع الرواتب، مع تزايد نسبة الجريمة واتساع رقعة الانفلات الأمني تتزايد فيها ظاهرة انتشار المخدرات، حَيثُ تقف خلفه جهات نافذة في السلطة وخارجها، مؤكّـدة.
ويبيّن تقرّر نشرته صحيفة “الأيّام” المستقلة تورط قيادات جنوبية بتعاطي المخدرات، موضحًا أن القيادي العسكري في ما يسمى بالمجلس الانتقالي ومسؤول مكافحة الإرهاب وأحد أبرز العاملين لصالح قوات الاحتلال الإماراتي المرتزِق يسران المقطري، تم إلقاء القبض عليه في القاهرة وبحوزته كمية من الحشيش والمخدرات في ديسمبر/كانون الأول 2018، قبل أن تقوم السلطات الإماراتية بالتوسط والإفراج عنه لاحقا.
واعتبر التقرير ما يسمى بالمجلس الانتقالي بصفته السلطةَ المسيطرةَ على عدن، المسؤولَ الأولَ عن انتشار تلك الأصناف من الحشيش والمخدرات وبكميات كبيرة.
وتسيطر قوات الاحتلال الإماراتي على السواحل والموانئ اليمنية الجنوبية، وعن طريقها يتم إغراق عدن وبقية المحافظات الجنوبية بالمخدرات، كما تستحوذ الإمارات كليًّا على عملية الاصطياد في البحار اليمنية، عبر أربع شركات اصطياد عملاقة تعمل لمصلحة أبو ظبي.
ويؤكّـد الناشط السياسي الجنوبي علي حسين البجيري أن الإمارات أغرقت المناطق التي تحت سيطرتها بالمخدرات، وأسست مليشيات عنصرية تسرق وتنهب وتغتصب وتبسط على أراضي الناس، حَــدّ تعبيره، كما أنها تدعم ترويج وبيع المخدرات ويقف ضباطها وضباط من الحزام الأمني الموالي لها خلف تجار ومروجي المخدرات.
وبمقارنة الوضع الأمني في صنعاء مع ما يحدث في المحافظات الجنوبية المحتلّة، يجد المتابع “بوناً شاسعاً”، إذ تتميز الأجهزة الأمنية بصنعاء باليقظة والحذر، وإلقاء القبض على المجرمين قبل ارتكاب الجريمة، بالإضافة إلى إحباط كُـلّ المخطّطات التي تستهدف الوطن والمواطنين في بلادنا.
ويشير تقرير للمركز الإعلامي التابعة للمحافظات الجنوبية إلى أن معدل الجريمة المنظمة في مدينة عدن ارتفع مؤخّراً إلى أعلى مستوياته، بعد أن وصلت نسبتها 300 % مقابل نسبة هامشية لا تذكر من ضبط الجناة، بينما لم يتجاوز معدل الجريمة في صنعاء 20 % في حين بلغ معدل الضبط قرابة 100 %.
ويشير التقرير إلى تنامي حالة السخط العام في عدن جراء تدهور الخدمات رغم توفر الإمْكَانيات الضخمة التي لو سخرت من إيرادات عدن ومينائها 20 % لتم رفع مستوى الخدمات بنسبة 200 %.
وَيلفت التقرير إلى أن تصاعد ظاهرة انتشار المخدرات والحشيش في مدينة عدن خلال السنوات الماضية يعد مؤشراً خطيراً يساهم في ارتفاع مستوى الجريمة، مُشيراً إلى أن عدداً من الجرائم البشعة التي أودت بحياة أسر بكافة أفراد أسرتها في أحياء عدن من قبل مسلحين كان تحت تأثير تعاطي المخدرات، وهو ما يعكس سياسة الاحتلال السعوديّ الإماراتي لإدارة المدينة بالعنف ودعم الظواهر المدمّـرة للمجتمع العدني من الداخل.
ويؤكّـد التقرير أن تصاعد الجريمة في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية يكشف بجلاء عن مخطّط العدوان الإماراتي السعوديّ يهدف إلى ضرب الوحدة الاجتماعية بين أبناء الشعب اليمني وخلق عداء عنصري بين كافة أطياف المجتمع.
في المجمل فَـإنَّ قوى العدوان قد وجدت بيئةً مناسبةً لنشر كُـلّ قذارتها في المحافظات التي تحتلها في جنوب البلاد، فظاهرة انتشار المخدرات باتت على مرأى ومسمع الجميع، والمجتمع أضحى فريسة سهلة للعدوان ووكلائه من المرتزِقة اليمنيين.
لكن الصعوبة بالنسبة لقوى العدوان تكمن في محاولة نشر هذه المواد المخدرة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، حَيثُ يعمل العدوان وبكل جهد لنشرها بين أوساط الشباب في هذه المحافظات.
ويقول مدير التدريب والتأهيل بإدارة مكافحة المخدرات بصنعاء، العقيد عيبان القرضي: إن المخدرات التي تدخل إلى اليمن والسعوديّة كلها مستوردة، وتأتي عبر البحار بنسبة 90 %، وبعضها عبرَ المناطق التي يسيطر عليها العدوان، وإن ما يتم من تهريبٍ للمخدرات يكون عبر خفر السواحل.
ويؤكّـد القرضي أن الأجهزة الأمنية التابعة لصنعاء ضبطت زوارق آتية من إفريقيا وهي تحمل أطناناً من الحشيش كأكبر كمية هيروين تم ضبطها بما يفوق 250 كلغ، مع تأكيد أن هذه الزوارق مرّت بالقرب من سفن سعوديّة دون أن يتم اعتراضها، بل كان مصرَّحاً لها بالمرور، وهذا يعني تعمّد العدوان إدخَالَ المخدرات إلى اليمن، ضمن أحد أساليب الحرب التي ينتهجُها، في محاولة لتحقيق الكثير عبر ترويج هذه المواد داخل البلاد، وليس أقلها الإصرار على ترويجها في الداخل؛ مِن أجلِ إيجاد شعب مدمن، وبالتالي قتل الروح الجهادية لدى الشعب، وهذا الأمر من شأنه أن ينهكَ الاقتصاد الوطني وينشُرَ الجريمةَ، وُصُـولاً لفرض حالة اللا استقرار.