في 21 حزيران/يونيو أكمل ولي العهد محمد بن سلمان، 4 سنوات على الانقلاب الذي نفذه داخل الديوان الملكي في السعودية للإطاحة بابن عمه الأكبر محمد بن نايف.
وأصبح بن سلمان، وليا للعهد، في ليلة وضحاها وسط ظروف سرية، فيما انشغل بتقديم ذاته للعالم أنه “مصلحا اجتماعيا”.
وفي ذروة حكمه، سارع بن سلمان بحملة اعتقالات واسعة لمئات الأمراء من آل سعود، فسيطر على أموالهم وثرواتهم، وألقى سطوته على صناديق وخزائن المملكة.
واعتقل بن سلمان العلماء والدعاة والمصلحون في المملكة حتى شملت الاعتقالات نشطاء وناشطات حقوقيات ومغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد كانت مكة والمدينة المنورة تعج بالمصلين من جميع أنحاء الكرة الأرضية.
لكن اليوم، ولأول مرة منذ عقود، ها هي مكة خاوية على عروشها من الناس باستثناء عدد قليل من المصلين الذين فصلوا عن بعضهم بمترين.
ويُحتجز آلاف العمال المهاجرين في الأحياء الفقيرة الموجودة خلف حلقة الفنادق الفاخرة التي تحيط بالكعبة، حيث يعيشون دون نظام صحي ملائم، ولهم أعلى معدل إصابة بفيروس كوفيد.
وخلال السنوات (2014-2019) ارتفع إجمالي الدين الخارجي للمملكة بشكل كبير من أقل من 12 مليار دولار في عام 2014 إلى 183 مليار دولار في نهاية عام 2019.
وخلال نفس الفترة، انخفضت احتياطياتها النقدية من 732 مليار دولار إلى 499 مليار دولار.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، أعلن محمد بن سلمان أن صندوق الاستثمارات العامة كان “يقترب” من 400 مليار دولار من الأصول
وسيتجاوز 600 مليار دولار بحلول عام 2020، وتبلغ قيمته اليوم 320 مليار دولار فقط.
ويرى اقتصاديون أن هذه المبالغ كفيلة لأن تعمل على إنقاذ القطاع الاقتصادي والصناعي وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات الحياة الكريمة للسعوديين.
وبدلا من ذلك، فالبلد تدخل في مرحلة طويلة من التقشف، أما حكامه، فيعيشون في حياة البذخ التي يصعب على المرء فهمها علاوة على تخيلها.
تفاصيل انقلاب الديوان الملكي في السعودية
وتعود ليلة الانقلاب ليوم الثلاثاء الحادي والعشرين من يونيو عندما تلقى الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي والشخصية القوية في جهاز الأمن بالمملكة على مدى العقدين الماضيين.
اتصالا للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في الطابق الرابع من القصر الملكي في مكة.
وكان هذا تحركا للعاهل السعودي قبل اجتماع لمجلس الشؤون السياسية والأمنية كان مقررا أن يبدأ في الحادية عشرة مساء.
وفي الساعات التي تلت الاجتماع الذي شهد عزل محمد بن نايف جرى إطلاع مجلس البيعة، الذي يتألف من كبار أعضاء أسرة آل سعود، على رسالة ممهورة بتوقيع الملك.
وجاء في الرسالة التي صاغها مستشارو محمد بن سلمان أن بن نايف يعاني من مشكلة صحية وهي إدمان العقاقير وأنه جرت محاولات منذ أكثر من عامين لإقناعه بالتماس العلاج لكن دون جدوى.
ونقل المصدر المقرب من محمد بن نايف مقتبسات من الرسالة تقول إنه نظرا لهذا الوضع الصحي الخطير تعين إعفاؤه من منصبه وتعيين محمد بن سلمان مكانه.
تلي الخطاب عبر الهاتف على أعضاء هيئة البيعة بينما ظل محمد بن نايف معزولا في غرفة طوال الليل وتم سحب هاتفه المحمول وقطع الاتصال بينه وبين مساعديه واستبدال حراسه من وحدات القوات الخاصة في وزارة الداخلية.
وأرسل القصر مبعوثين إلى أعضاء هيئة البيعة للحصول على توقيعاتهم. ووقع جميع الأعضاء وعددهم 34 باستثناء ثلاثة ونجحت الخطة.
وسجلت مكالمات أعضاء هيئة البيعة المؤيدين لعزل الأمير محمد بن نايف وأذاعها عليه مستشار للديوان الملكي لإظهار شدة القوى المؤيدة لتنحيته وإثناء ولي العهد البالغ من العمر 57 عاما عن أي رغبة في المقاومة.
ووفقا لما ذكره مصدران سعوديان على صلة بالأسرة الحاكمة فإن ثلاثة أعضاء فقط بهيئة البيعة عارضوا الإطاحة به هم أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية سابقا
وعبد العزيز بن عبد الله ممثل أسرة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله والأمير محمد بن سعد النائب السابق لأمير الرياض.
وبحلول الفجر كان الأمير محمد بن نايف قد استسلم وأبلغ مستشارا للديوان الملكي بأنه مستعد لمقابلة الملك.
كان الاجتماع مقتضبا ووافق بن نايف على التنحي وتوقيع وثيقة تفيد بذلك.
وقال المستشار إنه حين غادر محمد بن نايف مقر إقامة الملك فوجئ بالأمير محمد بن سلمان في انتظاره.
واحتضنمحمد بن سلمان الأمير محمد بن نايف وقبله بينما سجلت كاميرات التلفزيون المشهد بعد إتمام انقلاب الديوان الملكي في السعودية.
وبعد قليل صدر بيان معد مسبقا يعلن قرار الملك سلمان تعيين ابنه وليا للعهد. كان هذا هو المقطع الذي أذاعته وسائل الإعلام السعودية والخليجية في الساعات والأيام التالية.
ومنذ مارس/ أذار 2020 يقبع الأمير محمد بن نايف قيد الإقامة الجبرية ليظل معزولا بعد الإطاحة به ولا يسمح له باستقبال زوار باستثناء أفراد أسرته.
نسخة من القمع
واعتبرت الأكاديمية السعودية المعارضة مضاوي الرشيد، أن ولي العهد محمد بن سلمان نسخة من ولي العهد السابق الأمير “محمد بن نايف” في قمعه واستهتاره بحقوق المواطن.
وقالت في حديثها مع “الرأي الآخر” بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لعزل “بن نايف” وتعيين “بن سلمان” ولياً للعهد بدلاً منه، إن “بن نايف” يحتاج محاكمة وليس السجن فقط.
وأضافت مضاوي: أن “بن نايف مهد الطريق للدولة البوليسية ولكنه لم يستمتع بحكمها، ومن استفاد منها هو منافسه بن سلمان”.