سلط موقع “ميدل إيست مونيتور” الضوء على ندوة حول الوضع الصحي في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، خلصت إلى تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن التدهور الكبير هناك.
ونظم الموقع الندوة بالتعاون مع تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا (PalMed Europe)، الخميس، بمشاركة خبراء غربيين.
ونقل تقرير لـ”ميدل إيست مونيتور” حول الندوة، عن الطبيب النرويجي وخبير الشؤون الإنسانية، مادس جيلبرت، تأكيده أن المشكلة الطبية الرئيسية في قطاع غزة هي الاحتلال الإسرائيلي بحد ذاته.
وتناول جيلبرت ومشاركون آخرون في الندوة حصيلة الغارات الجوية التي شنها الاحتلال على قطاع الصحة في غزة والآثار المترتبة عليها.
وقدم رئيس مجلس إدارة PalMed Europe، رياض مشارقة، لمحة موجزة عن حالة القطاع الصحي في غزة والتحديات التي يواجهها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
وبدأ مشارقة بتسليط الضوء على المحددات الاجتماعية للصحة التي تؤثر على 2.1 مليون فلسطيني يقيمون في الجيب المحاصر، بما في ذلك معدل الفقر البالغ 53 بالمائة، ومعدل البطالة عند نحو 43.1 بالمائة، ومستوى تلوث المياه الذي يصل إلى 98 بالمائة، وعجز الطاقة الذي يبلغ حوالي 50 بالمائة.
وأوضح مشارقة أن تلك البيانات ساهمت في دفع الأمم المتحدة لدق ناقوس الخطر، عام 2012، محذرة من أن غزة لن تكون صالحة للعيش بحلول عام 2020.
وواصل الخبير الفلسطيني تسليط الضوء على وضع انتشار فيروس كورونا المستجد في القطاع، والذي يشكل ضغطا مضاعفا على المرافق الصحية، فيما لم يتم تطعيم سوى 36512 شخصا فقط بشكل كامل بسبب نقص اللقاحات.
وأدى الهجوم الإسرائيلي الأخير إلى مزيد من الضغط على البنية التحتية الصحية في غزة، والتي تكافح بالفعل في ظل جائحة الفيروس التاجي والحصار المشدد المفروض على القطاع منذ عام 2007. ولا يزال هناك ما لا يقل عن 48 حالة خطيرة وحرجة جراء الإصابة بكوفيد-19 بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة، في وقت أجبر فيه القصف الإسرائيلي منشآت مواجهة الجائحة على الإغلاق، فيما استشهد رئيس عملية التصدي لفيروس كورونا في غزة، الدكتور أيمن أبو علوف، في غارة على منزله.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن ما يقرب من 30 مستشفى وعيادة صحية في القطاع المحاصر إما دمرت أو تضررت نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية. وحوالي 46 بالمائة من العقاقير الأساسية و33 بالمائة من العلاجات الأساسية غير متوفرة.
وتطرق الدكتور خميس العيسي، استشاري طب الأعصاب في غزة، والذي شهد حملة القصف الإسرائيلية الأخيرة بشكل مباشر، إلى آثار الأحداث الأخيرة بالإضافة إلى الظروف التي خلقتها عقود من الاحتلال وعدم الاستقرار السياسي على قطاع الصحة.
وشدد العيسي على أن النقص في الأخصائيين الطبيين المؤهلين والتدريب المحدود للخريجين يمثل تحديا كبيرا آخر يواجه قطاع الصحة في غزة.
كما لفت إلى تقييد الحصار وصول المرضى إلى الرعاية الصحية المتخصصة في الخارج، مثل العلاج الإشعاعي وجراحة الأورام وزرع الكلى.
وشهد الدكتور النرويجي مادس جيلبرت الهجمات العسكرية الإسرائيلية السابقة في 2008-2009 و2014، وقد منعه الاحتلال من العودة إلى غزة لتدريب زملائه الفلسطينيين في طب الطوارئ، وهو يعتقد أن إعادة بناء القطاع الصحي الفلسطيني في غزة وتوفير الموارد والتدريب اللازمين أمر ضروري، لكنه ليس كافيا.
وفي حديثه عن مسؤولية العاملين الصحيين الدوليين، قال جيلبرت، الذي نشط في التضامن مع الفلسطينيين منذ عام 1982؛ إن العاملين الصحيين يحتاجون أولا وقبل كل شيء إلى “توثيق ومقاومة وتغيير الأسباب الجذرية لاعتلال الصحة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني والعنف الهيكلي”.
وأوضح أن القصف الإسرائيلي لغزة مستمر؛ “إنها كارثة من صنع الإنسان وهي جاهزة لإيجاد حلول سياسية. علاوة على هذا الوباء، تتعرض للهجوم الأخير.. أعباء مزدوجة، ضغوط مزدوجة، وهناك حقا سبب للإعجاب بالطريقة التي يتبعها الأطباء والممرضات والمسعفون والمتطوعون وطلاب الطب في فلسطين للتعامل مع هذا الوضع القاسي”.
وأضاف: “استمرار 14 عاما من الحصار وهذا القصف والقتل والدمار الذي لا يرحم للبنى التحتية لعامة الناس في غزة”. وخلص إلى أن رفع الحصار عن غزة ووقف الهجمات الإسرائيلية ومطالبة حكومات العالم بمحاسبة الاحتلال على جرائم الحرب التي يرتكبها هي أولوية قصوى.
وتناولت المحامية الدولية لحقوق الإنسان هايدي دايكستال قضية المساءلة والتزامات الاحتلال بموجب القانون الدولي.
وقالت دايكستال: “إن مسألة ضمان قدرة سكان غزة على الحصول على الرعاية الطبية الملائمة والمرافق والعلاج ليس فقط أثناء الأحداث التي وقعت في أيار/ مايو ولكن أيضا أثناء تفشي الجائحة العالمية هي موضوع مهم للغاية وتناولته من منظور القانون الدولي”.
وأضافت: “نواجه على وجه الخصوص أدلة على أنه خلال أحداث مايو، تم استهداف البنية التحتية الصحية الفلسطينية بما في ذلك وزارة الصحة والمستشفيات وحتى الأطباء في منازلهم”، مشيرة إلى أن الأدلة على مثل هذه الأعمال يتم التعامل معها في إطار ثلاثة مجالات من القانون الدولي: القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الجنائي الدولي.
وتطرقت الخبيرة القانونية إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الذي بدأ في آذار/ مارس في جرائم حرب محتملة ارتكبت في الضفة الغربية والقدس المحتلة وغزة منذ حزيران/ يونيو.
وقالت: “إن المحكمة الجنائية الدولية توفر وسيلة لتحقيق العدالة والمساءلة.. بينما نحتاج إلى أن نظل مدركين أن عمل المحكمة بطيء وأن العدالة الدولية غالبا ما تكون آلية تستغرق وقتا”.
وأضافت “بتردد” أن فتح تحقيق الآن يوجه انتباه الاحتلال إلى أن هذه الأعمال التي تنتهك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي تخضع للمراقبة ويمكن التحقيق فيها والمحاكمة عليها، على أن يشكل ذلك رادعا.
وتحدث استشاري أمراض القلب الدكتور عامر حامد، وهو عضو مؤسس في الجمعية الطبية الإسلامية البريطانية وكبير مستشاري لجنة الأخلاقيات التابعة لها، عن المعضلات الأخلاقية الصحية في زمن الحرب والمسؤولية الأخلاقية المترتبة على الاحتلال في ضوء عدوانه الأخير في غزة.
واختتمت الجلسة بكلمة لمؤسِسة العون الطبي للفلسطينيين، الدكتورة سوي تشاي أنغ، التي عملت في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة على مدى السنوات العشرين الماضية، وكانت شاهدة على مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982.
وشددت “سوي” على أنه “من حقنا التحدث باسم الفلسطينيين.. إنه حقا مصدر إلهام أن تكون قادرا على أن تكون جزءا من رحلتهم”.