نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلق ماكس بوت قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو أظهر أنه أناني وأخرق مثل ترامب.
وقال “في الدول التي تتجذر فيها الديمقراطيات عادة ما يتصرف الزعيم المهزوم بأدب مع المنتصر، وليظهر وحدة الأمة رغم الغضب والإهانة التي تحترق في داخله”.
وخرق الرئيس دونالد ترامب هذه التقاليد عندما دفعها في مرحاض مسبوك بالذهب إلى جانب عدد من الأعراف الديمقراطية الأخرى. فهو لم يرفض فقط حضور حفل تنصيب الرئيس جوزيف بايدن بل ويواصل حتى اليوم اتهامه بأنه رئيس غير شرعي فاز في انتخابات مزورة.
وربما ساد اعتقاد أن قادة الديمقراطيات الآخرين قد يتجنبون مثال ترامب البغيض، لكن ليس هذا هو الحال، وبالتأكيد ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو. فبيبي كما يعرف أظهر وهو يغادر منصب الرئاسة أنانية وعدم لطف بنفس الطريقة التي أظهرها صاحب منتجع مار- إي- لاغو، فمثل ترامب رفض حضور حفل تنصيب سلفه رئيس الوزراء اليميني المتطرف نفتالي بينيت الذي يقود ائتلافا مع زعيم الوسط يائير لابيد. وبعد فترة من مصادقة الكنيست على سقوطه، ألقى نتنياهو خطاب أرض محروقة مليئا بالذم والغضب وحافل بالاستعارات الترامبية، وحتى تصدق ما جاء فيه من فظاعة وتفاهة يجب عليك أن تقرأه.
وبدأ نتنياهو خطابه بالمديح المفرط لنفسه قبل أن ينحرف لذم الحكومة الخطيرة. ومع أن بينيت ناقد للاتفاقية الإيرانية لكن نتنياهو زعم أن تلميذه السابق لن يقف أمام محاولات الرئيس بايدن العودة للاتفاقية مثله. بل وهاجم فرانكلين روزفلت لأنه لم يقم بقصف معسكرات الاعتقال الألمانية والقطارات مما قاد إلى 1944. وهي طريقة أخرى للاقتراح ومرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تقوم بعمل أي شيء لإنقاذ الشعب اليهودي من المحو وأن نتنياهو هو الوحيد القادر على عمل هذا.
وزعم أن بينيت لا يحظى “بموقف دولي” لكي يعارض الاتفاقية النووية ولن يعمل ما عمله نتنياهو في 2015 عندما تحدث إلى الكونغرس ضدها.
وكلام نتنياهو هو محاولة مجنونة لتصحيح التاريخ، فقد شك المؤرخون في قدرة الولايات المتحدة على وقف الهولوكوست علاوة على إبطائه. كما أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس لم يوقف إدارة باراك أوباما عن المضي في توقيع الاتفاقية النووية. وكان وقوف نتنياهو مع الجمهوريين ضد الرئيس عاملا مضرا بالتحالف الأمريكي- الإسرائيلي. والأهم من كل هذا هو أن تهديد إيران ضد إسرائيل زاد خطورة منذ خروج ترامب، بضغط من نتنياهو ضد الاتفاقية النووية عام 2018. ومنذ ذلك الوقت زادت إيران من جهودها في المشروع النووي وإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة ودعم وكلائها بالمنطقة مثل حزب الله وحماس، ومع ذلك يزعم نتنياهو أن إيران تحتفل بسقوطه. ولم يتهم نتنياهو الحكومة الجديدة بتهديد أمن إسرائيل فقط بل وقال إنها ستعمل على تدمير “اقتصادنا الرائع حتى نقوم بإصلاحه سريعا عندما نعود إلى السلطة”. ثم قدم بيبي رؤيته المأخوذة من كتاب ترامب عن التلاعب في الانتخابات. واتهم بينيت بتحويل أصوات اليمين إلى اليسار. ولأن الائتلاف الجديد نجح بدعم حزب عربي إسلامي فقد اتهمه نتنياهو بالخادم للتطرف الإسلامي.
وكانت قنبلته الأخيرة ترامبية من ناحية الرثاء للنفس “عانيت أنا وعائلتي من ملاحقة واتهامات وتشهير لم يحصل مثله” و”كل هذا من أجل الركوع والاستسلام لليسار”. ومثلما أكد ترامب أنه يقاتل نيابة عن الأمريكيين المنسيين، أكد بيبي “لم أستسلم لأنني أعمل نيابة عن قطاع كبير من ملايين المواطنين وكخادم لشعب قديم عمره ألف عام يريد العيش بسلام واستقرار في بلده”.
وهذا كلام سخيف، فهو يواجه محاكمات بالفساد، وهو سبب رفضه “الاستسلام”، وهو السبب الذي أدخل فيه البلد في أربع جولات انتخابية، ولا علاقة لكل هذا بمصلحة ملايين المواطنين بقدر ما هي محاولة لحماية النفس. وظل متمسكا بالسلطة على أمل تمرير الكنيست قانونا يمنحه حصانة من المساءلة القانونية.
ويرى الكاتب أن لدى نتنياهو الكثير ليتحدث فيه عن إنجازاته من نجاح حملة التطعيم ضد كوفيد-19 إلى التطبيع مع دول عربية، فهو أنجح من ترامب وأذكى منه سياسيا، لكنه خطابه الوداعي يكشف عن السبب الذي دفع عددا من حلفائه السابقين للتخلي عنه والتحالف فيما بينهم لإخراجه من السلطة. فهو مثل ترامب يعاني من عيب يشل الشخصية. فهو يكذب ويتآمر ويطعن في الظهر، وكل هذا من أجل الترويج لنفسه، وليس خدمة للشعب. وخطابه الأخير يكشف عن ضرورة عدم السماح له مرة ثانية للقيادة.